بقلم: عاموس هرئيل /في منتصف الشهر الثامن للحرب، فإن وضع إسرائيل آخذ في التعقد في قطاع غزة. المواجهة مع «حماس» بعيدة عن الحسم رغم علاقات القوة العسكرية التي تميل بصورة واضحة لصالح الجيش الإسرائيلي. على الحدود مع لبنان ازداد تبادل اللكمات مع «حزب الله». وموعد عودة النازحين الذين يبلغ عددهم تقريباً 60 ألف شخص منذ تشرين الأول لا تلوح في الأفق، والخلافات في الرأي في داخل الحكومة حول استمرار الحرب تجري بشكل علني الآن أمام أنظار الجمهور؛ في حين أن صفقة المخطوفين في حالة جمود عميقة، إزاء الفجوات في المواقف بين الطرفين وتقدير «حماس» بأنها تستطيع أن تستغل لصالحها الشرخ الداخلي في إسرائيل. الشرخ السياسي في القيادة العليا، إلى جانب الخسائر المتجددة، يعرض للخطر دعم الجمهور لاستمرار الحرب. وحتى أن الأزمة يمكن أن يتم تفسيرها من قبل إيران و»حزب الله» كفرصة للقيام باستفزازات جديدة بعد هجوم الصواريخ والمسيّرات من إيران غير المسبوق في الشهر الماضي.
وزير الدفاع، يوآف غالانت، بقي يغلي منذ فترة طويلة، وهذا كان واضحاً في الانتقادات التي وجهها حديثاً. النقاشات في المجلسَين في الأسابيع الأخيرة كانت عاصفة، ورغم الفجوات في المواقف والاحتكاكات الشخصية إلا أن تجمع غالانت – بيني غانتس – غادي آيزنكوت تبلور مرة أخرى كوزن مضاد للخط الذي يقوده محور رئيس الحكومة. بنيامين نتنياهو، كجزء من الصراع على بقائه وطبقاً لطلبات شركائه في اليمين المتطرف، صمم على التقدم نحو رفح ورفض إظهار أي مرونة حقيقية في المفاوضات على المخطوفين («حماس» أيضاً اتخذت موقفاً حازماً).
الوزراء الثلاثة ورئيسا الأركان السابقَين، أحدهما تقريباً أوشك على أن يكون هكذا، فضلوا محاولة الدفع قدماً في البداية بصفقة المخطوفين. وقد حذروا من التوجه لاحتلال رفح إزاء الخلاف الشديد مع الولايات المتحدة، وأكدوا على الحاجة إلى وضع هدف سياسي للحرب – تسوية تندمج فيها السلطة الفلسطينية في السيطرة على القطاع إذا تمت وبحق هزيمة «حماس» وانسحب الجيش الإسرائيلي منه. يشارك مواقف هؤلاء الثلاثة عدد من أعضاء الكنيست من الليكود، لكنه ليس لديهم الشجاعة من أجل الانضمام بشكل علني للانتقاد الموجه لنتنياهو.
يكمن الدافع الأساسي لتصريح غالانت في الخلاف حول مسألة إقامة حكم عسكري إسرائيلي بحيث يدير القطاع بدلاً من «حماس». ومهما ظهر هذا الأمر خطير إلا أن ذلك هو الفكرة التي يناقشها نتنياهو الآن. لقد دخل إلى صورة الأحداث مؤخراً لاعب رئيس جديد، الجنرال رومان غوفمان، السكرتير العسكري الجديد لرئيس الحكومة. غوفمان ضابط متميز، عمل كقائد لقاعدة «تساليم» وأصيب إصابة بالغة في 7 أكتوبر عندما هب للمساعدة في صد الهجوم على الغلاف. في الوقت الذي كان فيه يتعافى من إصابته شغل بشكل مؤقت منصباً رفيعاً في قسم منسق أعمال الحكومة في المناطق. وكما نشر في «أخبار 12»، حيث كتب هناك وثيقة، التي وصلت إلى نتنياهو، فيها اقتراح لإقامة حكم عسكري مؤقت في القطاع كحل بديل لـ»حماس».
كرأي مهني يمكن رؤية في اقتراح غوفمان فكرة تبرر النقاش. لكن نتنياهو يدفع بهذا الاقتراح لاعتباراته الخاصة. ومفهوم أن هذه الفكرة راقت أيضاً لرؤساء أحزاب اليمين المتطرف في الائتلاف، مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش. بالنسبة لهم لا يوجد أمر ثابت أكثر من المؤقت (كما ثبت في قضية البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية)، وهكذا أيضاً سيتم تمهيد الطريق لإعادة إقامة المستوطنات في القطاع. تصريح غالانت استهدف بشكل كبير تقويض هذه الخطوة.
اعتبار آخر حرك وزير الدفاع يرتبط بالإحباط العميق في الجيش من قرار إرسال فرقة إلى منطقة رفح، من أجل السيطرة على الجزء الجنوبي الشرقي لمحور فيلادلفيا وعلى معبر رفح دون مناقشة المعاني الإستراتيجية. ورغم أن الجيش حذر بشأن الحاجة إلى الاتفاق مسبقاً حول ما سيتم فعله في المعبر بعد السيطرة عليه، إلا أنه يبدو أنه لم يتم الاتفاق على أي شيء مع المصريين. تقدم القوات إلى داخل رفح ما زال بطيئاً ومحدوداً إزاء معارضة أميركا. لكن إمكانية تعقد الأوضاع هناك ما زال كبيراً. الآن يبدو أن الجيش تقدم إلى ما وراء الخطوط التي تم تحديدها مسبقاً في الخطط التي عرضت على المستوى السياسي. الخطر يزداد أيضاً في عمليات شمال القطاع، هناك تتراكم الخسائر للجيش الإسرائيلي. في بعض الحالات الأمر يحدث من قبل الجيش: أول من أمس، قتل خمسة من المظليين في الخدمة النظامية بإصابة قذائف دبابات أطلقت بالخطأ من قوات قريبة. أيضاً ثمانية جنود أصيبوا بينهم ثلاثة إصاباتهم بالغة. أمس، نشر عن موت جندي احتياط في حادث عملياتي على حدود القطاع.
حادثة الدبابة حدثت أثناء عملية في جباليا في المنطقة التي دخل إليها الجيش الإسرائيلي للمرة الثالثة. في هذه المرة المقاومة التي تظهرها «حماس» هي مقاومة كبيرة وتشمل، ضمن أمور أخرى، إطلاق كثيف لصواريخ الـ»آر.بي.جي»، غير المسبوق في شمال القطاع في الأشهر الأخيرة. المسلحون الفلسطينيون منظمون نسبياً ويبدو أنهم يعملون كجزء من منظومة قيادة وسيطرة تشغلها «حماس». صفوف «حماس» آخذة في الامتلاء من جديد، رغم أن المنظمة خسرت أكثر من 10 آلاف نشيط في الحرب حتى الآن (حسب بعض التقديرات فإن «حماس» تكبدت حوالى 14 ألف قتيل وآلاف المصابين).
في «أمان» وفي «الشاباك» يقولون إن هذا ليس صدفة. فالشباب في القطاع لا يشخصون أي بديل لـ»حماس» ويتجندون في صفوفها بدلاً من المخربين الذي قتلوا. الانضمام للمنظمة يضمن احتمالية أفضل لبقاء العائلة حتى في ظل ظروف الحياة القاسية في القطاع.
السكان يفترضون أن «حماس» ستجتاز الحرب وستبقى في الحكم. غالانت، بدعم رؤساء أجهزة الأمن، يطلب منذ نهاية تشرين الأول الماضي إجراء نقاش في المجلسَين حول ترتيبات اليوم التالي. نتنياهو، الذي يحتفظ بصلاحية تحديد جدول الأعمال يرفض ذلك. اقتراح وزير الدفاع يشمل دخول تحالف دولي – عربي يشمل «فلسطينيين محليّين» عيونهم تشخص نحو رام الله، وهي مصطلحات معقدة تهدف إلى تجاوز فيتو نتنياهو الذي فرضه على مشاركة السلطة الفلسطينية.
بالإجمال، بالنسبة لغالانت ورؤساء أجهزة الأمن، فإن إسرائيل تبدد الاعتماد الذي راكمته العمليات العسكرية. «حماس» لم تهزم، بل هي تعيد بناء نفسها في المناطق التي قام الجيش الإسرائيلي بإخلائها. وفي ظل غياب بديل سلطوي فإن «حماس» من شأنها أن تتعزز. الإحباط يزداد، لأن المزيد من الجنود يقتلون في أماكن عاد إليها الجيش الإسرائيلي للمرة الثانية والثالثة، دون أي جدوى أو هدف، باستثناء الوعود التي لا أساس لها لنتنياهو حول النصر المطلق. «هذه فتنمة حقيقية»، قال شخص يشارك في المشاورات الأمنية.
الجمود الإستراتيجي الإسرائيلي يخيب أيضاً آمال الشركاء الإستراتيجيين. دولة الإمارات التي عبرت عن الاهتمام بترتيبات اليوم التالي في القطاع، ومستعدة أيضاً لتمويل إعادة الإعمار والمساعدة في خطط منع التطرف، لن تقترب من هناك طالما استمر الوضع الحالي. في حين أن الولايات المتحدة التي تحدثت في البداية عن سلطة فلسطينية محدثة، تضغط الآن على إسرائيل للموافقة على أي حل في القطاع باستثناء أن تنهي فقط القتال في القطاع والانسحاب منه. أمس، تم في شمال القطاع افتتاح الميناء البحري الذي أقامه الجيش الأميركي، وهو القرار الذي فرضته الإدارة الأميركية على نتنياهو، إزاء الصعوبات التي وضعتها إسرائيل على إدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع.
تملص هادئ
في الحكومة وفي الإدارة الأميركية أيضاً هناك من يتشككون في أن رفض نتنياهو السعي نحو ترتيبات لإنهاء الحرب لا يكمن فقط في الادعاء «المشروع»، الذي بحسبه «حماس» لم تتكبد حتى الآن ضربة قاسية بما فيه الكفاية من أجل التمكين من إجراء نقاش حول اليوم التالي. الادعاء هو أن نتنياهو يحاول بطريقة ما كسب الوقت إلى حين إخلاء الرئيس الأميركي مكانه لدونالد ترامب، إذا فاز الأخير في الانتخابات القادمة في تشرين الثاني. هذه ستكون مقامرة على ركيزة ضعيفة. فترامب وجّه انتقادات شديدة لإسرائيل في الأشهر الأخيرة، وتشاجر بشكل شديد مع نتنياهو بعد أن اعترف الأخير بفوز بايدن في انتخابات 2020. الطريقة التي فيها الرئيس السابق مستعد للتخلي عن أوكرانيا في حربها ضد روسيا، ونظرته السلبية للناتو، يجب أن تقلق إسرائيل أيضاً.
في هذه الأثناء نتنياهو ينجح في إغضاب الأميركيين بسبب طريقة تعامله مع المساعدات الإنسانية للقطاع. من جهة، إسرائيل تتعهد للولايات المتحدة بعدم وضع العقبات على إدخال المساعدات (لا سيما عندما مصر تمنع دخول المساعدات من أراضيها احتجاجاً على احتلال معبر رفح). ومن جهة أخرى، من داخل الائتلاف يشجع وزراء وأعضاء كنيست المليشيات المتطرفة في اليمين على مهاجمة وبعنف قوافل المساعدات في الضفة الغربية للتشويش على وصولها إلى القطاع. وفي الوقت نفسه الشرطة التي تخضع لبن غفير تنظر إلى ما يحدث باهتمام أكاديمي.
بيان غالانت عكّر أكثر العلاقات العكرة أصلاً بينه وبين نتنياهو. من المرجح الافتراض أنه في ظروف أخرى كان نتنياهو سيحاول إقالته. لكن رئيس الحكومة سبق واكتوى بذلك في آذار 2023 عندما خرج الجمهور إلى الشوارع للاحتجاج على إقالة غالانت في ذروة أزمة الانقلاب النظامي، ونتنياهو اضطر إلى التراجع عن الإقالة. في فترة الحرب فإن إقالة وزير الدفاع يوجد لها وزن أكبر. إقالة غالانت وانسحاب غانتس وآيزنكوت أو كليهما ستوفر للأميركيين المبرر لزيادة الضغط السياسي على نتنياهو، وربما أيضاً تسريع عمليات ضد إسرائيل في المحاكم في لاهاي.
في الخلفية تقف أيضاً أزمة قانون التجنيد. «المناورة البارعة» لنتنياهو تبين بسرعة أنها مناورة نتنة. لا أحد، باستثناء بعض المحللين والمراسلين السياسيين، صدق مناورة نتنياهو عندما أعلن أنه قرر تقديم مشروع القانون الذي بلوره غانتس كوزير للدفاع قبل سنتين تقريباً. غالانت أعلن أنه لن يدفع قدماً بالقانون بصفته وزير الدفاع، وغانتس قال وبحق: إن الزمن تغير والأمر يحتاج إلى قانون يطلب أكثر من الحريديين. مثله أيضاً، لمبررات قانونية، تعتقد ذلك المستشارة القانونية للحكومة.
هذه الأجواء غير الصحية ليست فقط من نصيب الحكومة. فالوضع في هيئة الأركان العامة ليس أفضل. هذا ليس فقط الإحباط من تقدم الحرب ومشاعر الذنب حول ما حدث في 7 أكتوبر. فالجيش، حتى أكثر من منظمات هرمية أخرى، يدور حول تعييناته. أيضاً في ظروف أزمة وطنية ومآس شخصية فظيعة، وفي الوقت الذي ما زالت فيه هيئة الأركان تعيش الصدمة الجماعية، فإن الضباط الكبار ما زالوا ينشغلون بقضية الترقيات والإقالات.
على الفور بعد المذبحة كان الشعور العام يقول: إن الجميع، المستوى السياسي والمستوى الأمني، يجب عليهم الذهاب إلى البيت إزاء كبر الكارثة والإخفاقات التي أدت إليها. هذا ليس ما حدث بالفعل. كما هو معروف نتنياهو رفض كلياً أن يتحمل المسؤولية، والضباط الكبار وقيادة «الشاباك» تحملوا المسؤولية بشكل علني، لكن حتى الآن لم يطبقوا ذلك فعلياً باستثناء رسالة استقالة رئيس «أمان»، الجنرال أهارون حاليفا، في الشهر الماضي (أيضاً قائد المنطقة الوسطى يهودا فوكس قدم استقالته دون أي صلة بإخفاقات الحرب).
عن «هآرتس»