عندما يقول رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو ان أوسلو هو المشكلة الاساسية، فهذا يعني انه يريد إعادة عقارب الزمن الى ما كان عليه الواقع من قبل اتفاقيات أوسلو، اي اعادة احتلال كل شيء وإلغاء وجود السلطة الوطنية الفلسطينية، ومَن يتبقَ من الفلسطينيين فستعود التسمية القديمة لهم، اي “سكان يهودا والسامرة”، وسكان غزة، وينزع عنهم صفة الشعب.
ربما غاب عن البعض ان نتنياهو والتيار اليميني الذي يمثله، كانوا ضد اتفاقيات اوسلو قولا وفعلا، وان اليمين المتطرف -جزء من الائتلاف الحكومي الراهن- هو من اغتال إسحاق رابين عقابا لتوقيعه اوسلو، ومن ثم انقضوا على الاتفاقيات ودمروها بشكل منهجي، الى ان وصلنا الى مكان لم يعد فيه اوسلو قائما من الناحية العملية. لذلك لم يكن غريبا ان نسمع من نتنياهو ما قاله، وان يكرر ان هدفه هو انهاء اوسلو تماما وإعادة احتلال الضفة وقطاع غزة بالكامل، كما لا يغيب عن بال القارئ ان نتنياهو ولما يقارب العقدين وهو يغذي الانقسام الفلسطيني، فمن وجهة نظره ان اي شيء يمنع قيام دولة فلسطينية مستقلة، يجب دعمه وتغذيته.
وربما هناك حاجة لتوضيح لماذا اعتبر اليمين الصهيوني، اسلو تهديدا استراتيجيا للمشروع الصهيوني، فهو من جهة يتناقض مع الفكرة الرئيسية المكونة للصهيونية. ألا وهي نفي وجود الشعب الفلسطيني، وبالتالي نفي اي حق له بالارض. وانه ليس من حقه -اي الشعب الفلسطيني- تقرير مصيره على ارض وطنه التاريخي. اوسلو من وجهة نظرهم نسفت كل ذلك، واعترفت إسرائيل بموجب الاتفاق بالشعب الفلسطيني، وبحقه ولو على جزء من ارض وطنه، وهو بالتحديد ما يعتبره نتنياهو وتياره اليميني خطأ استراتيجيا.
لقد لفت نظري، وربما نظر الكثيرين، تصريح لوزير الخارجية الإيراني اللهيان، الذي قال بشكل واضح ان هناك بندا وحيدا تتفق فيه ايران مع إسرائيل تماما، وربما يقصد مع حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة تحديدا، ان كليهما ضد حل الدولتين، بمعنى انهما ضد اتفاقيات اوسلو وفكرة الدولة الفلسطينية المستقلة، وهو ما يفسر ان تقاطع المصالح بين الطرفين ذاته الذي قاد الى تقويض اوسلو ومنع قيام دولة فلسطينية. وهو ما يفسر الكثير من الاعمال التي كانت تجري منذ التسعينيات وحتى الان، حيث كانت الامور تتم بتناغم غريب بين ما يريده نتنياهو وما تريده طهران واذرعها في المنطقة وهنا في فلسطين، والغريب ان تصريحي نتنياهو واللهيان قد صدرا في التوقيت ذاته؟؟!!!
ودعونا نسأل انفسنا ونفكر بدقة: من هم الذين كانوا اعداء اوسلو طوال الوقت؟ وكيف نجحوا بتقويض الاتفاق وإقناع غالبية الفلسطينيين انه اتفاق يتناقض مع مصالحهم؟
الاعداء كثر، وربما اكثر مما يتوقعه القارئ، ولكن اشد الاعداء وضوحا وشراسة هو اليمين المتطرف الإسرائيلي، وهو اليوم يسيطر على إسرائيل مستفيدا من تخريض طويل الأجل على السلام. ولم يخف اليمين مواقفه، بل مارس ذلك قولا وفعلا وباستخدام كافة الوسائل: الاغتيالات والقوة العسكرية، والحصار السياسي والمالي وتكثيف الاستيطان، وبدأوا -كما اشرنا- باغتيال رابين، ومن ثم اخرجوا كل من كان له علاقة باوسلو من الإسرائيليين من دائرة صنع القرار السياسي. وهناك الاعداء من العديد من الدول الإقليمية والقوى التابعة لها، التي رأت ان ليس من مصلحتها احلال السلام في المنطقة، لانه قد يحرمها استخدام القضية الفلسطينية لمصلحة اجندتها الخاصة، كما ان البعض كان ولا يزال يعتقد ان إقامة دولة فلسطينية انما يهدد مصالحه مباشرة.
وبعيدا عن الكثير من التفاصيل بهذا الشأن، وبعيدا عن تقاطع المصالح، فإن المطلوب من الشعب الفلسطيني ان يكون في اقصى درجات الحذر، صحيح ان المهمة صعبة. فالمتدخلون بالشأن الداخلي كثر، وحجم العبث بالوعي الفلسطيني من الصعب تخيله، ومخطط نتنياهو خطير جدا، بل ويهدد مصيرنا ووجودنا على الارض الفلسطينية، والمشكلة الاخطر غياب المواجهة المتناسقة لهذا المخطط، كما ان القرار الوطني الفلسطيني المستقل في خطر هو ايضا، حيث تتكالب الكثير من الاطراف للسيطرة عليه، وحرمان الشعب الفلسطيني من حقه في اتخاذ خطواته وقراراته وتقرير مصيره وفقا لمصالحه.
ربما هناك مسؤولية اكبر على النخب الفلسطينية، أن تعي ان الوقت ليس مناسبا للمواجهة الداخلية، وان المسؤولية الوطنية تقتضي تغليب النخب دورا وحدويا في هذه المرحلة ولاحقا، واذا عبرنا نفق مخطط نتنياهو المظلم، يمكن ان نتحدث عن الادوات والآليات لترتيب البيت الفلسطيني الداخلي.
الملاحظ حتى الآن ان النخب لا تقوم مع الأسف بهذا الدور، وان قسما كبيرا منهم تحركه الحسابات الضيقة او المصالح الشخصية، او الارتهان لاجندات خارجية.
هناك اتفاق ان المرحلة صعبة وخطيرة؛ لذلك نحتاج للترفع عن مصالحنا الفئوية، ونتوحد مواجهة لمخططات نتنياهو، حتى لو اختلفنا بطريقة المواحهة، فنتناهو له هدف واحد: إلغاء الكيانية الوطنية الفلسطينية، وفرض الاحتلال الشامل مع فلسطينيين أقل.