بقلم: عاموس هرئيل /التجارب الناجحة لنظام الاعتراض “حيتس- 3″، التي أبلغت عنها إسرائيل والولايات المتحدة، أول من أمس، تعكس نجاحاً تكنولوجياً وعملياً. توجد لها أيضاً أهمية إستراتيجية في السياق الإقليمي: تعكس المشاركة الأميركية بالتجارب التي جرت في ألاسكا استمرار الالتزام بالمساعدة في الدفاع عن إسرائيل من الصواريخ. في خلفية التوتر بين الولايات المتحدة وإيران فإن هذا التعاون يعطي أيضاً إشارات لطهران بأن محاولة المس بإسرائيل بواسطة إطلاق الصواريخ، وهو سيناريو بعيد لا يبدو معقولاً في هذه الأثناء، سيصطدم بنظام دفاع فعال.
هذه هي المرة الثالثة، التي ينهي فيها بنجاح جهاز الأمن، محاولة اعتراض أهداف بوساطة “حيتس -3”. أُطلقت صواريخ الهدف، التي أطلقت في ثلاث حالات منفردة، من مدى بعيد وبسرعة عالية، كلها تم اعتراضها خارج المجال الجوي. الأميركيون لم يساهموا فقط بالأرض الواسعة للتجارب، بل أيضاً بأجهزة لإطلاق أشعة “إكس”، التي نُشر نظام مواز لها في العقد الأخير بصورة دائمة في جبل كيرن في النقب. نشر هذه الأجهزة في البلاد هو جزء من وسائل الدفاع التي زودت الولايات المتحدة إسرائيل بها في فترة إدارة بوش. واستخدمت في تجارب تعقب صواريخ وتوجيه أنظمة الاعتراض، إضافة إلى قدرتها على الاكتشاف.
يمكن أن نفهم النغمة الاحتفالية لجهاز الأمن في وصف نجاح التجربة. في كل سلسلة كهذه يتم استثمار جهد ضخم يمتد لشهور كثيرة. لقد مس به قليلاً السلوك الإعلامي، عندما يقوم المستوى السياسي من جهة بنشر رموز عن الإنجاز طوال أيام وتمنع الرقابة العسكرية من جهة أخرى نشر التفاصيل التي جزء منها أصبح معروفاً للمراسلين. هذه لعبة إخفاء توجد فيها درجة من السخرية.
أيضاً التفضيلات التي يتم سكبها الآن بعد النجاح، من الأفضل أخذها بقليل من التوازن. نظام الاعتراض متعدد الطبقات لإسرائيل تقدم في العقد الأخير، لكن بقيت فيه فجوات غير قليلة. ليس حكم “حيتس -3” مثل حكم نظام الاعتراض للمدى المتوسط “مقلاع داود” الذي سمي في السابق “الصولجان الساحر”، في حين أن “القبة الحديدية”، التي واجهت بنجاح كبير تهديد الصواريخ من قطاع غزة، لا تكفي لتغطية كاملة لتهديد الصواريخ من الشمال، إذا اندلعت في المستقبل حرب مع “حزب الله”.
حددت التجارب قبل وقت طويل مسبقاً، وليس لها علاقة بحملة الانتخابات، لكنها تندمج جيداً مع رسائل “الليكود”. عرض رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، من جديد اللافتات الإعلامية التي تعرضه كـ “دوري آخر” بالمقارنة مع منافسيه بالانتخابات ويوثقونه في لحظات ودية مع رئيس الولايات المتحدة، دونالد ترامب، والرئيس الروسي، فلاديمير بوتين. الرسالة بقيت ثابتة: نتنياهو في الحكم، والعلاقة الوثيقة التي خلقها مع زعماء الدول العظمى تمكنه من توجيه إسرائيل في المياه العاصفة للواقع الإقليمي والدولي.
التفاصيل الصغيرة معقدة أكثر. بوتين، الذي يتفاخر نتنياهو بصداقته، لم يلتزم بتعهده إبعاد الإيرانيين ومبعوثيهم إلى مسافة 70 كم عن الحدود مع سورية في هضبة الجولان. “حزب الله” نشيط جداً هناك – حسب التقارير الواردة في وسائل الإعلام العربية – وقد استهدفت الهجمات الأخيرة في هضبة الجولان السورية بنية الإرهاب التي عادت المنظمة وأقامتها في المنطقة. بالنسبة لترامب ورغم محبته المعلنة لنتنياهو وتجنده الكامل من أجل إعادة انتخابه، فإن هناك شكاً فيما إذا كانت القيادة الإسرائيلية تستطيع الاعتماد عليه بصورة كاملة في كل ما يتعلق بالملف الإيراني.
خوف نتنياهو
يوم الجمعة الماضي، في الأقوال التي أدلى بها في نهاية احتفال بالبيت الأبيض، امتدح الرئيس ترامب قدراته التفاوضية: “إيران تريد إتمام صفقة. أستطيع أن أقول لكم هذا منذ الآن”، أعلن، “ولكن لو أنني كنت محل إيران لكنت سأقول إنني سأحاول الصمود وانتظار جو بايدن القديم لأنه مع جو القديم يمكننا القيام بأي صفقة نريدها. هو لا يعرف ما يحدث”. بعد شهرين على اندلاع الأزمة في الخليج الفارسي من الواضح أن ترامب، رغم خطابه المتشدد أحياناً، لا يبحث عن حرب مع إيران، بل عن مفاوضات جديدة.
هناك أيضاً إشارات مختلفة تشير إلى حوار أولي بين الطرفين، مباشر وغير مباشر، قد بدأ أو يمكن أن يبدأ قريباً. في صيف 2012 عندما تسلّى نتنياهو ووزير الدفاع في حينه، أيهود باراك، بأحلام مهاجمة إيران، تبين لهما أن وزيرة خارجية إدارة أوباما، هيلاري كلينتون، تجري مفاوضات سرية مع إيران حول المشروع النووي، تلك الاتصالات التي أدت إلى التوقيع على الاتفاق المرحلي بعد سنة وإلى بلورة الاتفاق النهائي في فيينا في 2015، وخلال ذلك أغلقت الدائرة على سيناريو الهجوم الإسرائيلي.
في ظروف معينة يمكن أن تعود القصة وتكرر نفسها هذه السنة أو السنة القادمة. ولكن في هذه المرة سيجد نتنياهو صعوبة في أن ينتقد علناً الاتفاق الذي سيبلوره ترامب. يبدو أنه في الغرف المغلقة هذا هو السيناريو الذي يقلق رئيس الحكومة: اتفاق جديد غير جيد بما يكفي عما قبله حول المشروع النووي، تكون فيه إسرائيل ملزمة بأن تصفق له بسبب الأنا الحساسة والهشة للرئيس.
في إدارة السياسة الخارجية الأميركية – أمام الصين وكوريا الشمالية والفلسطينيين، والآن ربما أيضاً إيران – يمكن تشخيص نمط ثابت لترامب: ضغط بالحد الأعلى، الذي معظمه اقتصادي، اقتراح إجراء حوار، وفي النهاية وعود بصفقة تاريخية لا أحد يعرف بيقين ما هي طبيعتها. في الخلفية، وفي علاقة وثيقة مع القرارات، تدق ساعة الانتخابات: في الولايات المتحدة، هناك سيتنافس ترامب على ولاية ثانية في نهاية السنة القادمة، وفي إسرائيل التي فيها سيتم حسم مصير نتنياهو السياسي والقضائي بعد شهرين تقريباً.
عن “هآرتس”