مع بداية هذا الشهر، أعلنت “نيويورك تايمز” الأميركية، على لسان المدير التنفيذي للشركة، تسجيلها نمواً في الاشتراكات في الربع الأول من العام الحالي هو الأعلى على الإطلاق في تاريخ الصحيفة.
الجانب الآخر للخبر الذي بدا استثنائياً حتى في العالم الغربي، هو أن هذا الإنجاز غير المسبوق جاء بفضل الاشتراكات الرقمية؛ إذ بلغت 308 آلاف اشتراك صاف في تلك الفترة. مع ذلك، فإن عائدات الصحيفة لم تنم إلا بمقدار 5 % في الربع ذاته، نتيجة تراجع عائد الإعلان في النسخة الورقية بنسبة 17.9 %، وعلى الرغم من ارتفاع عائد الإعلان الإلكتروني بنسبة 18.9 %، في الوقت ذاته. ذلك أن الإعلان في النسخة الورقية ما يزال أكثر ربحية.
قسم “المال” في الموقع الإلكتروني لمحطة “سي. إن. إن” الأميركية، اعتبر أن الرقمين السابقين -الإيجابي متمثلاً بعدد المشتركين الجدد، والسلبي المتمثل في نسبة تراجع عائد الإعلان في النسخة الورقية- يلخصان قصة “تحول نيويورك تايمز”. لكن من الممكن النظر إلى مجمل معطيات الحدث الاستثنائي على أنه قد يلخص قصة مضمون تحول الصحافة في العالم ككل.
البدهي طبعاً، أن العالم يتجه نحو الصحافة الرقمية. لكن كما تُظهر أرقام “نيويورك تايمز” الأخيرة، فإن العالم ما يزال يحتاج ويريد صحافة قبل كل شيء.
هنا تبرز إشارة محرري الصحيفة ومدرائها التنفيذيين إلى أن زيادة المشتركين “الرقميين” تعود في أحد أسبابها إلى رئاسة دونالد ترامب الذي دأب على مهاجمة ما يسمى “وسائل الإعلام الرئيسة” (Mainstream Media) التي تضم “نيويورك تايمز” وشبيهاتها، باعتبارها تقدم أخباراً زائفة، الأمر الذي ولد لدى الجمهور –بحسب مسؤولي “نيويورك تايمز”- فضولاً و/ أو اهتماماً. لكن من غير المستبعد أيضاً أن إدراك حجم الأكاذيب التي شابت الحملة الانتخابية الرئاسية الأخيرة في الولايات المتحدة قد أعاد مزيداً من المواطنين الأميركيين إلى الصحافة الرصينة الموثوقة بدرجة كبيرة.
إذن، من الممكن القول إن الاحتمال الأخير (وبما يمثل فرضية بحثية تحتاج للاختبار) ربما يكون هو الاحتمال المرجح، مع التضخم (كما الانفلات) غير المسبوق في مصادر الأخبار، ولا سيما الزائفة أو غير المؤكدة. ما يعني بالمحصلة بدء رحلة العودة إلى وسائل الإعلام الرئيسة.
هكذا، يكون تعدد وتنوع مصادر الأخبار بشكل خارج عن كل تصور سابق، هو ما سيؤدي –لحسن حظ الصحافة والتلفزيون والإذاعة- إلى العودة إلى وسائل الإعلام الرصينة وليس العكس، ولو كان ذلك خلال مدة غير قصيرة، لكن لا تبدو أيضاً طويلة. فأغلبية الناس تبحث في النهاية عن معلومة حقيقية صادقة. لكن، ومن جهة أخرى، فإنه بفضل هذا الانفجار في مصادر المعلومات والأخبار، ستبقى وسائل الإعلام –ولحسن حظ الناس- عرضة للاختبار الدائم الذي سيفرض عليها مهنية قاسية، وتعاملاً أكثر من ذكي مع الخطوط الحمر التقليدية، وبالتالي عقليات ومؤهلات بشرية مختلفة.
الصحافة المهنية والمهنية فقط -ضمن الإعلام المهني ككل- هي من ستبقى حاضرة. لكن هذه الصحافة لم يعد ممكناً إلا أن تكون صحافة رقمية في الآن ذاته.
عن الغد الأردنية
“نيويورك تايمز” تلخص القصة .. بقلم :منار الرشواني
Leave a comment