القاهرة، نيويورك / نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” اليوم الاثنين مقالاً من مراسلها في القاهرة ديفيد كيركباتريك تحت عنوان “حماس الاضعف تسليحاً تحاول الاستفادة من قوة الاسلاميين المتنامية” في ماي يأتي نصه:
“بعد خمسة أيام من الغارات الجوية العقابية على قطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة “حماس”، واستمرار القصف الصاروخي ردا عليها، اجتمع ممثلون عن اسرائيل و”حماس” بشكل منفصل مع مسؤولين مصريين في القاهرة أمس في محادثات غير مباشرة للتوصل إلى هدنة.
وجاءت المحادثات في الوقت الذي ضربت فيه قنبلة اسرائيلية منزلا في غزة أمس فقتلت 11 شخصا، في أكبر عملية قتل منفردة منذ أن بدأ القتال بين اسرائيل و”حماس” يوم الأربعاء الماضي. وهذه الضربة، مع العديد من أمثالها والتي أسفرت عن قتل مدنيين في أنحاء قطاع غزة، أوضحت أن اسرائيل توسع مدى أهدافها في اليوم الخامس من حملتها العسكرية.
وعند انتهاء اليوم أفاد مسؤولون صحيون في غزة أن 70 فلسطينيا قتلوا في الغارات الجوية منذ يوم الأربعاء، بينهم 20 طفلا، وأصيب 600 بجراح. وقتل ثلاثة اسرائيليين وجرح 79 على الأقل نتيجة القصف الصاروخي الذي لم يتوقف من قطاع غزة على جنوبي اسرائيل، وشمالا حتى تل أبيب.
وبدا ان “حماس” التي تتفوق عليها اسرائيل ميدانيا بشكل كاسح، تحاول استغلال النفوذ السياسي المتزايد لحليفتها الأيديولوجية المتمثلة في الحكومة المصرية الجديدة التي يقودها الإسلاميون. وبدلاً من ذلك، تقدم قادة الحركة الذين رفضوا دعوة اسرائيل الى وقف فوري للهجمات الصاروخية، بمطالب شاملة ستضع “حماس” في موقف أقوى مما كانت عليه عندما بدأ القتال: إنهاء حصار غزة، وتعهد من اسرائيل بعدم شن هجوم جديد، وضمانات من عدة دول بأن اسرائيل ستلتزم بتعهداتها.
وتمسك رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بمطلبه المتمثل في وقف كل الهجمات الصاروخية قبل أن تتوقف الغارات الجوية الاسرائيلية. وقال نتنياهو في مستهل اجتماع لمجلسه الوزاري: “الجيش مستعد لتوسيع العملية إلى حد كبير”.
وقال رضا فهمي، وهو عضو في مجلس الشورى المصري، ومن الحزب الإسلامي المصري الحاكم، إن موقف حماس غير قابل للنقاش، وأضاف: “حماس لها مطلب واضح ومحدد واحد: أن يُرفع الحصار عن غزة بشكل كامل. فليس من المعقول أن تقرر اسرائيل بين آونة وأخرى تسوية غزة بالأرض ثم نقرر أن نجلس ونتحدث عن ذلك بعد وقوعه. من جانب اسرائيل، فهي تريد وقف إطلاق الصواريخ من جانب واحد. كيف يمكن هذا؟”.
وقال أيضاً: “إذا أوقف قصف الطائرات، فستوقف “حماس” صواريخها. لكن العنف لا يمكن وقفه من جانب واحد”.
موقف “حماس” الهجومي في محادثات وقف إطلاق النار هو أول اختبار لاعتقاد الحركة بأن الربيع العربي وصعود النفوذ الإسلامي في المنطقة عزز قوتها السياسية، سواء ضد اسرائيل أم ضد منافسيها الفلسطينيين، الذين يسيطرون على الضفة الغربية مدعومين من الغرب.
ويضع ذلك ضغطا جديدا على الرئيس محمد مرسي، وهو زعيم سابق للإخوان المسلمين المصريين، والمعروف بخطاباته النارية المدافعة عن “حماس” وإدانته لاسرائيل. وعلى مرسي الآن أن يوازن بين المطالب المتناقضة للجمهور المصري المتعاطف جدا مع “حماس” والقضية الفلسطينية، وبين مناشدات الغرب بأن يساعد في التوسط للسلام وحاجة مصر لسلام إقليمي يساعدها في إنعاش اقتصادها المتدهور.
وبالفعل، فإن المحادثات التي تقودها مصر لوقف إطلاق النار توضح الافتراق بين طريقي الإخوان المسلمين و”حماس”، وهي الفرع الفلسطيني للإخوان المسلمين المصريين. فقد تطورت “حماس” لتصبح منظمة قتالية وتصفها الولايات المتحدة واسرائيل بأنها إرهابية، في حين أن الإخوان المسلمين أصبحت فعليا الحزب المصري الحاكم. وقال فهمي في مقابلة في آذار (مارس) إن المسؤوليات الجديدة للإخوان تتطلب الرجوع خطوة عن أبناء عمومتها الأييولوجيين في “حماس”، وربما ممارسة ضغط جديد على حماس للاعتدال.
لكن موسى أبو مرزوق، وهو مسؤول حمساوي كبير سمح له بالاستقرار في القاهرة بعد خلع حسني مبارك، تكهن بنتيجة مختلفة. ففي مقابلة أجريت في الوقت نفسه قال إنه إذا اندلع قتال جديد مع اسرائيل، فإن القادة الإسلاميين المعتدلين في أرجاء المنطقة مثل الإخوان المسلمين سيقفون إلى جانب المقاتلين في غزة.
وقال أبو مرزوق: “موقف كل الإسلاميين في المنطقة سيكون موقف حماس. وليس العكس”.
ويجري مسؤولون اسرائيليون جانبهم من محادثات وقف إطلاق النار من خلال اتصالاتهم مع الاستخبارات المصرية، التي تعاملوا معها في عهد مبارك. وقال مسؤولون إنهم يركزون على إنهاء تهديد الصواريخ من غزة، سواء بالوسائل الدبلوماسية أو العسكرية.
وقال دان ميريدور، وزير الاستخبارات الاسرائيلي، على التلفزيون الاسرائيلي إن الحكومة ستنتظر “أن توقف حماس نيرانها” قبل التفاوض على وقف إطلاق نار طويل المدى. وفي غضون ذلك، كما قال، ستفعل اسرائيل “ما يتطلبه الأمر” للقضاء على قدرة “حماس” على إطلاق الصواريخ، وربما يشمل ذلك اقتحاما لغزة.
وفي أول تعليقات اوباما العلنية حول غزة منذ اندلاع العنف الأخير، قال في بانكوك صباح اليوم إنه يؤيد حق اسرائيل في العمل في غزة لكنه يحاول نزع فتيل القتال.
وقال اوباما مشيرا إلى أنه تحدث مع نتنياهو عدة مرات، وكذلك مع مرسي ورئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان: “نحن نعمل بنشاط مع كل الأطراف في المنطقة لرؤية ما إذا كنا نستطيع وضع حد للصواريخ التي تطلق، من دون تصعيد للعنف في المنطقة. وعلينا أن ننتظر لنرى نوع التقدم الذي نستطيع تحقيقه خلال الساعات الأربع والعشرين، أو الست والثلاثين، أو الثماني والأربعين المقبلة”.
ومع تزايد حدة الصراع، كذلك ازدادت الضغوط الدبلوماسية على اسرائيل لكبح جماح حملتها العسكرية. اذ قال وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ في لقاء تلفزيوني يوم امس الاحد انه ورئيس الوزراء ديفيد كاميرون “شددا لنظرائهما الاسرائيليين على ان عملية غزو برية لغزة ستفقد اسرائيل الكثير من الدعم والتعاطف الدوليين اللذين تتمتع بهما في الوضع الحالي”، حسب ما جاء في تقرير لوكالة “اسوشييتد بريس”.
وبينما اجرى الاسرائيليون محادثات مع الذين يواصلون معهم الاتصال في الاستخبارات المصرية، فان مكتب الرئيس محمد مرسي عمل عبر قنواته الخاصة على الاتصال مع “حماس”، والتقى مرسي بنفسه يوم الاحد مع رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل.
ويوم أمس الاحد أصر فهمي، وهو من حزب الحرية والعدالة الذي ينتمي اليه مرسي، على ان اسرائيل مسؤولة عن بدء الجولة الحالية من العنف باغتيال رئيس الجناح العسكري في “حماس”، وان على اسرائيل ان تتخذ ما يلزم لانهائه. وقال: “نبذل حاليا ضغوطا كبيرة على الجانبين لوقف القتال، ولكننا لا نستطيع ان نضغط على الضحية بينما مرتكب الجريمة ليس مستعدا حتى لايجاد تسوية”.
وقد تحدث مرسي مساء السبت في مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس وزراء تركيا اردوغان، واتهم اسرائيل بعدم الالتزام باتفاق التهدئة مع “حماس” الذي تفاوضت مصر لاقراره قبل حوالي اسبوع.
وقال مرسي: “هناك عدم توازن في القوى”، مشيرا الى الوفيات على الجانبين: ثلاثة اسرائيليين بهجمات “حماس” خلال خمسة ايام من القتال، مقابل اكثر من 40 فلسطينيا على ايدي الاسرائيليين، وقد ارتفع العدد بسرعة الى 70 قتيلا بحلول يوم الاحد.
وقال مرسي ان “اسرائيل حاليا دولة احتلال، والقوانين الدولية توجب على المحتل التزامات عديدة لا تتقيد بها اسرائيل. واذا تصاعدت حدة التوتر اكثر مما هي عليه، او اذا حصلت عملية غزو برية مثلما قال الاسرائيليون، فان ذلك يعني ايجاد عواقب ضارة في المنطقة، لا يمكننا ان نقبل بها، ولن يقبل بها العالم الحر قط”.
ومع ذلك فان مرسي لا يملك القدرة على التصرف بحرية. فهو رئيس جديد لدولة في مرحلة سياسية انتقالية غير مستقرة بعد التخلص من الحكم العسكري. وعليه ان يحافظ على العلاقات الطيبة مع الجيش المصري الذي لا يزال قويا وعلى دوائر الاستخبارات، التي تشعر بضيق كبير من “حماس”.
وقد اظهر بوضوح رغبة في التخلي عن “حماس” لما فيه مصلحة أمن مصر ليسير في مقدمة حملة اغلاق الانفاق التي كانت تستخدم لتهريب السلع واحيانا السلاح الى غزة تحت الحدود المصرية. وقال “اننا نغلقها كل يوم”.
لكن اخرين في الحكومة المصرية يرون ان الرئيس مرسي يجني مفهوما جديدا بالنسبة الى “حماس”، وبالنسبة الى ما ردده المسؤولون في وزارة الخارجية المصرية لفترة طويلة من ان اسلوب الحركة للتضيحة بارواح سكان غزة امام الحملات العسكرية الاسرائيلية يعود لسبب بسيط لا يحيد عن تلميع ادعاءاتها بانها بطلة المقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي. وتلك الحالة هي اساس تمسكها بالسلطة، ودرع واق في وجه حركة “فتح” المنافسة لها التي تسيطر على الضفة الغربية والتي تحظى بتأييد الدول الغربية.
ومع ذلك فقد اعلن مرسي يوم السبت ان اسرائيل وحدها هي المسؤولة عن العنف، وحذر حكومتها من ان الربيع العربي قد غير الموقف في الشرق الاوسط. وقال “على الجميع ان يتذكروا ان شعوب المنطقة هي غير ما كانت عليه سابقا، وان هناك قيادات مختلفة في المنطقة”.