القدس/ خربة زنوطة هي قرية فلسطينيّة صغيرة في جنوب جبل الخليل يقطنها قُرابة 150 نسمة (27 عائلة) تعتاش على رعاية الماشية وعلى الزراعة.
القرية قائمة منذ مئات السنين، وقبل احتلال الضفّة الغربيّة في العام 1967 بكثير ، ولكن الإدارة المدنيّة الإسرائيلية أصدرت في العام 2007 أوامر هدم لغالبيّة منازل القرية بإدعاء أنها ليست قانونيّة لأنّها بُنيت بدون تراخيص.
عمليًّا، لم تتوافر لسكّان القرية أيّة إمكانيّة للحصول على تراخيص بناء، ذلك أنّ القرية لا تملك خارطة هيكليّة ، أما الإدارة المدنيّة الإسرائيلية فتدعي أنّه لا مسوّغ لوضع خارطة هيكليّة لخربة زنوطة لأنّ المكان يضمّ موقعًا أثريًّا.
وتقول جمعية حقوق المواطن في إسرائيل : إذا طُبّقت أوامر الهدم في خربة زنوطة، فسيبقى السكّان دون سقف يُؤويهم، ودون إمكانيّة للوصول إلى الماء، ودون مصدر لكسب لقمة العيش، هدم المنازل يدوس على كرامة السكّان وعلى ثقافتهم وعلى أسلوب حياتهم، وكلّ ذلك من خلال مخالفة القانون الدوليّ مخالَفةً تامّة وفظّة.
في العام 2007، التمس سكّان القرية وجمعيّة حقوق المواطن ضدّ قرار الإدارة المدنيّة بهدم القرية، ولا زال الالتماس قيد التداول.
وخربة زنوطة هي مجرد مثال على ما يعانيه الفلسطينيون في المنطقة المصنفة (ج) في الضفة الغربية التي تقع تحت سيطرة أمنيّة ومدنيّة إسرائيليّة وتبلغ نحو 60% من مساحة الضفّة الغربيّة، ويسكن فيها نحو 150000 فلسطينيّ، وفيها تقع جميع المستوطنات الإسرائيليّة.
وتقول جمعية حقوق المواطن في إسرائيل : تمارس دولة إسرائيل في هذه المنطقة سياسات مختلفة تضع الكثير من العراقيل والصعوبات على حياة السكّان الفلسطينيّين، من بينها: منع تخطيط القرى الفلسطينيّة، والتطبيق التمييزيّ لقوانين التنظيم والبناء؛ إغلاق بعض المناطق من خلال تعريفها كمناطق إطلاق نار وتدريبات عسكريّة أو كمحميّات طبيعيّة؛ هدم آبار المياه ومصادرة خزّانات ماء متنقّلة، هذه الممارسات تُبعد السكّان عن المنطقة.
وتضيف في تقريرها السنوي: على هذا النحو تنتهك إسرائيل قواعد القانون الدوليّ وجميع الواجبات الملقاة على عاتقها كقوّة محتلّة في الضفّة الغربيّة، وفي طليعتها واجب الاعتناء بمصلحة السكّان المحلّيّين واحترام أساليب حياتهم.
قصّة قرية زنوطة هي غيض من فيض سياسات التخطيط الإسرائيليّة في المنطقة (ج) والتطبيق الانتقائيّ للقانون فيها.
تدير إسرائيل في هذه المنطقة جهازَيْ تخطيط وتطبيق للقانون يفصلان السكّان على أساس قوميّ: جهازَ تخطيطٍ واحدًا للمستوطنين، وجهازًا آخر للسكّان الفلسطينيّين.
وتقول جمعية حقوق المواطن: غالبيّة المستوطَنات لديها خرائط هيكليّة تفصيليّة تُمكّنها من إنشاء المباني السكنيّة والبنايات العامّة، ومن التوسّع المستقبليّ. في المقابل، لا تملك الكثير من القرى الفلسطينيّة في المنطقة (ج) خرائط أو أيّ مستوى من التخطيط على الرغم من أنّها قائمة منذ عشرات السنين، غالبيّة القرى لا تملك خرائط هيكليّة، وفي أحسن الحالات تملك “خرائط حدوديّة” تشير إلى حدود القرية، وتبتغي في الأساس تقليص المنطقة التي يُسمح البناء فيها إلى الحدّ الأدنى الممكن، ومن خلال تجاهل وضع التخطيط داخل المنطقة المشار إليها، تتعامل الدولة مع التوسّع الطبيعيّ للقرى (الناجم عن التكاثر السكّانيّ) كتوسّع “غير قانونيّ”، في كلّ عام، يصدر عدد قليل جدًّا من تراخيص البناء.
وتضيف: يجري تطبيق جوانب أخرى من سياسة التخطيط على نحو تمييزيّ، على سبيل المثال، تدّعي الدولة أنّ وضع خارطة هيكليّة لقرية خربة زنوطة غير ممكن بسبب الموقع الأثريّ القائم في المكان؛ لكن في مستوطنة تل رُميده الواقعة على موقع أثريّ مهمّ جرى إضفاء الصبغة القانونيّة على الاستيطان واستثمرت أموال باهظة في المحافظة على المباني، إلى جانب توفير إمكانيّة تطوير المستوطنة.
سياسة التخطيط والبناء التي تتبنّاها الإدارة المدنيّة الإسرائيلية لا تأخذ بعين الاعتبار أساليب حياة السكّان الفلسطينيّين في المنطقة (ج) ومصلحتهم، وتتسبّب في إلحاق الأذى لمجموعة من الحقوق الإنسانيّة.
وتقول جمعية حقوق المواطن: كلّ محاولة لتوسيع أو تطوير قرية فلسطينيّة تدفع على نحو فوريّ إلى إصدار أوامر هدم. علاوة على ذلك، بحسب التفسير الفضفاض لمصطلح “بناية” من قبل الإدارة المدنيّة، كل عمل ضروريّ وحيويّ كالقِصارة (التبييض) ووضع غطاء على بئر ماء قائمة، وتغطية بناية قائمة بأغطية بلاستيكيّة أو إقامة خيمة مؤقّتة يصبح غيرَ قانونيّ، غياب التخطيط يؤثّر كذلك على تزويد السكّان بخدمات أساسيّة، كشبكات المياه والكهرباء والصرف الصحّيّ، إذ يعيش الكثير من السكّان الفلسطينيّين دون ربطهم بشبكة الكهرباء ويُضطرّون كذلك إلى شراء الماء بأسعار باهظة.
وتضيف: في الوضع الحاليّ، لا يتبقّى للسكّان سوى خيارين أحلاهما مُرٌّ: مواصلة البناء على أراضيهم الخاصّة دون ترخيص، والتحوّل إلى مخالفين للقانون رغم أنفهم، والتخوّف المستمر من الهدم، أو الانتقال إلى المناطق (أ) و(ب) وفقدان ممتلكاتهم الوحيدة، ألا وهي أرض العائلة.
في العام 2011، أعلنت الإدارة المدنيّة عن نيّتها إجراء التخطيط لعدد من القرى الفلسطينيّة في المنطقة (ج)، وبناء على طلب جمعيّة حقوق المواطن وجمعيّة “بمكوم”- مخطّطون من أجل حقوق في التخطيط، حوّلت لهما الإدارة المدنيّة الإسرائيلية قائمة بالمعايير التي يُفترض فيها أن توجّه القرارات في مسألة وضع خرائط هيكليّة للقرى.
وتقول جمعية حقوق المواطن: هذه النيّة لم تَخرج بعد إلى حيّز التنفيذ، وتَحوم الكثير من الشكوك حول قدرتها على تلبية احتياجات السكّان الفلسطينيّين بعد عشرات السنين من القيود والإهمال المتعمّد، علاوة على ذلك، المعايير التي وُضعت تتميّز بالتعميميّة والضبابيّة، وستمكّن الإدارة المدنيّة من مواصلة رفض كلّ طلب لخارطة هيكليّة، وهذه المرّة بادّعاء عدم استيفائه للمعايير الموضوعة.
وتؤكد جمعية حقوق المواطن على انه : في سياستها في المنطقة (ج)، تنتهك إسرائيل على نحوٍ صارخ قواعد القانون الدوليّ للإنسان، لكونها لا تُنفّذ الواجبات الملقاة على عاتقها كقوّة احتلال في الضفّة الغربيّة، يجب على الدولة المحتلّة -في ما يجب- الحفاظُ على الوضع الذي كان قائمًا عشيّة الاحتلال والاهتمام بمصلحة السكّان الذين يحظون بمكانة “المحميّين”، و يُحظر على الدولة المحتلّة المساسُ بمنشآت مدنيّة حيويّة لبقاء السكّان في المنطقة الخاضعة للاحتلال. كذلك يُلقى على عاتق القوّة المحتلّة واجبُ الحفاظ على النظام العامّ والأمن والحياة العامّة، وعلى رفاهية السكّان المحميّين في المنطقة المحتلّة، وتوفير احتياجات السكّان في جميع المرافق الحياتيّة.
وتضيف: بحسب ما تقتضي الواجبات الملقاة على قوّات الاحتلال في كلّ ما يتعلّق بسياسة التخطيط والبناء، لا يجب على دولة إسرائيل الاعتراف على نحوٍ فوريّ بالقرى القائمة قبل الاحتلال فحسب، بل يجب عليها كذلك تمكين سكّانها من إجراء تخطيط وبناء مستقبليَّيْن من خلال مراعاة التكاثر الطبيعيّ وأسلوب الحياة التقليديّ، ورغبة السكّان في تحسين ظروف معيشتهم، في مسألة آبار المياه، وبما أنّ إسرائيل تتحمّل مسؤوليّة مصير ورفاهية السكّان، من واجبها توفير المياه لسكّان الضفّة الغربيّة، في الأماكن التي تقوم فيها إسرائيل بهدم آبار المياه، لأسباب تتعلّق بالتخطيط، من واجبها أن توفّر للسكّان الذين تضرّروا من الهدم مياهًا نظيفة وقابلة للاستعمال بالكمّيّة التي تضمن تلبية احتياجاتهم.
صحيفة القدس.