قرأت مقالة جيدة كتبها البروفسور عبد الستار قاسم تساءل فيها عن قضية فلسطين، هل هي قضية فلسطينية أم قضية إسرائيلية ؟
يقول البروفسور قاسم إذا نظرنا إلى الموقف العالمي وجدنا أن كثيرا من الدول تتوجه نحو مواقف حماس وليس تجاه مواقف الكيان الصهيوني الغاصب. وتركز هذه الدول على ضرورة أن تعترف حماس بدولة إسرائيل بوضعها الحالي دون ذكر لمآسي وأحزان الشعب الفلسطيني، وتبدو حماس في مثل هذه المواقف وكأنها هي المعتدية وليس الكيان الصهيوني.
البروفسور قاسم يرى أن الفكر السائد في الولايات المتحدة يحاول أن يوضح للرأي العام العالمي أن إسرائيل دولة متحضرة وناضجة وهي تواجه شعبا متخلفا يفجر أبناؤه أنفٍسهم وسط المدنيين الإسرائيليين بأساليب وحشية، ولا يحاول هذا الفكر أن يصور الظروف المأسوية التي يعيش فيها اللاجئون الفلسطينيون الذين شردوا من أرضهم بسبب قسوة الهمجية الإسرائيلية ومساندة العالم الغربي لها.
وإذا نظرنا إلى موقف العالم العربي اليوم من القضية الفلسطينية وجدناه قد تحول مئة وثمانين درجة، إذ بعد أن كانت الدول العربية ترفع شعارات التحرير واستعادة الحقوق الفلسطينية كاملة، أصبح الشعار المرفوع في الوقت الحاضر هو شعار السلام وليس شعار الحقوق، وحتى بالنسبة للسلام فإن المجتمع الدولي يحمل الفلسطينيين مسؤولية فشل المباحثات المستمرة دون أن يتعرض للمواقف الإسرائيلية. وهو يأخذ بوجهة النظر الإسرائيلية بصورة كاملة كما هو الشأن في المقالة التي كتبها ‘يوسف كوبرواسير’ و’شالوم ليبنر’ يتساءلان فيها لماذا لا يعترف الفلسطينيون بإسرائيل دولة يهودية ؟
يقول الكاتبان مضى عقدان لمباحثات السلام بين إسرائيل والفلسطينيين ولم تحقق هذه المباحثات نتيجة لأن الفلسطينيين لا يريدون الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية .
ويقول الكاتبان إن اتفاقات ‘كامب ديفيد’ التي وقعت عام ألف وتسعمئة وثلاثة وتسعين نصت على أن يعترف الجانبان الفلسطيني والإسرائيلي ببعضهما بعضا، وأن يحلا المشاكل العالقة بينهما مثل تقسيم القدس وعودة لاجئي ثمانية وأربعين بالطرق السلمية لكن شيئا من ذلك لم يتحقق، وذلك بسبب رفض الفلسطينيين الاعتراف بالدولة اليهودية دون أن يتساءل الكاتبان عن المقابل الذي يجده الفلسطينيون نظير هذا الاعتراف وهم يرون الإسرائيليين مستمرين في إقامة المستوطنات في الأراضي التي احتلوها في عام 1967 دون الاعتراف للفلسطينيين بأي حق مشروع في العودة إلى بلادهم، وكل ما يطلبه الإسرائيليون من الفلسطينيين هو الاستمرار في مباحثات لا جدوى منها ولا تحقق فوائد ظاهرة للشعب الفلسطيني. والشيء الذي لا يفهمه الإسرائيليون حتى الآن هو البعد الإنساني للقضية الفلسطينية، وهو البعد الذي لمسه الدكتور ‘محسن صالح ‘ في كتابه القيم بعنوان ‘ الحقائق الأربعون عن القضية الفلسطينية ‘، الذي يرى فيه أن القضية الفلسطينية هي قضية إنسانية بالدرجة الأولى، وهي تمثل صرخة المظلوم في وجه أدعياء حقوق الإنسان، وفي الوقت الذي تعلو فيه أًصوات المطالبين بحقوق الحيوان في العالم الغربي فإن هؤلاء يتجاهلون – في الوقت ذاته – حقوق أكثر من ستة ملايين لاجىء مشردين في العراء بينما يرعون حقوق لاجئين إسرائيليين يأتون من أقصى اصقاع الأرص زاعمين أن أرض فلسطين كانت لهم قبل أكثر من أربعة ألاف عام. ويرى الدكتور ‘صالح’ أن الحركة الصهيونية التي تقف وراء الكيان الإسرائيلي حركة ظالمة، وهي تمثل آخر رموز الاستعمار التقليدي وستصاب بالفشل عاجلا أم آجلا.
ولا يعني ما ذهب إليه منتقدو العالم الغربي أنه لا توجد أصوات في هذا العالم تدافع عن الحقوق الفلسطينية لأنه قد ظهرت كثير من المنظمات الإنسانية والسياسية العالمية تتعاطف مع القضية الفلسطينية وتستنكر المعاملة المتوحشة التي يقابل بها الإسرائيليون المطالب الفلسطينية.
ويقودنا ذلك إلى التساؤل بصورة دقيقة عن المقصود بمباحثات السلام التي تشكو إسرائيل بأنها لا تسير في طريقها الصحيح بسبب وجود منظمات فلسطينية ترفض فكرة السلام من أساسها، والسؤال المهم هو السلام من أجل من ؟ هل هو من أجل الفلسطينيين أم من أجل الإسرائيليين؟ فإذا افترضنا أن السلام من أجل الفلسطينيين فإن ذلك يعني اعترافا رسميا من الإسرائيليين بأنهم يعتدون على الفلسطينيين، وإذا كان من جانب الفلسطينيين فإن ذلك يعني أن يتخلى الفلسطينيون عن حقوقهم من أجل توفير الأمن للإسرائيليين، وباختصار شديد فإن مجرد تسمية المباحثات بين الإسرائيليين والفلسطينيين بأنها مباحثات سلام هو خطأ كبير، لأن ما يبحث عنه الفلسطينيون هو الحقوق، أما ما يبحث عنه الإسرائيليون فهو السلام الذي يريحهم من المطالب الفلسطينية، وهنا لا بد أن نؤكد أن ترك العالم العربي الفلسطينيين يقفون وحدهم في هذا المعترك هو خطأ استراتيجي كبير ولن يؤدي إلى حل لهذه القضية المعقدة كما لن يريح الدول العربية من مسؤولياتها الحقيقية عاجلا أم آجلا، لأن القضية الفلسطينية لا بد أن تحل وبدون حلها فلن يتحقق سلام من أي نوع، إذ كيف لإسرائيل أن تعتقد أنها يمكن أن تعيش في سلام بينما ملايين الفلسطينيين أصحاب الأرض الحقيقيين يعيشون في حالة تشرد، إنه خطأ استراتيجي في الفهم وهذا الخطأ لن تحله القوة العسكرية أو الأسلحة النووية التي ستكون إسرائيل ضمن المتضررين منها إذا ما استخدمت في هذه المنطقة، وهنا لا بد أن ندعو الدول العربية مجتمعة للعودة لتحمل مسؤوليتها بالنسبة للقضية الفلسطينية كما كان شأنها في الماضي لأنه لا يعقل أن تقف أمة كبيرة يساندها ربع سكان العالم من المسلمين مكتوفة الأيدي وغير قادرة على تقديم العون للفلسطينيين، ولعل أول بند من بنود العون هو أن تقنع الدول العربية إسرائيل والمجتمع الدولي بأن القضية الفلسطينية هي قضية حقوق وليس قصية سلام، ومتى تحققت هذه الحقوق سيتحقق السلام بصورة تلقائية وفق معطيات الواقع العملي الذي يعيش فيه الفلسطينيون وتعيش فيه المنطقة كلها، وهو واقع غير عصي على الفهم ولا تقبل فيه التنازلات غير المبررة، وهنا يجب أن تدرك إسرائيل أن الفلسطينيين المشردين في أصقاع الأرض هجروا من أرضهم فلسطين، وأن الفلسطينيين الذين يعيشون في وطنهم حياة اللجوء يحتاجون أيضا للحياة بصورة كريمة، وبدون أن تتحقق هذه الحياة فلن يجدى الحديث عن السلام.
‘ كاتب من السودان- القدس العربي