المتعارف عليه عربياً وإسلامياً ولدى محبي السلام في العالم، أن إسرائيل هي عدو للجميع، وأنها تمارس أفعالاً نازية سبق أن مورست مع اليهود، لكن هل الفلسطينيون مع بعضهم أعطوا الدرس للعالم بأنهم النموذج الواعي لقضيتهم، وأنه لا خلاف على الأساسيات التي تجمعهم، أم أن الظاهر غير الباطن حينما انفجرت المواقف بين السلطة وحماس لدرجة تبادل الشتائم والتخوين وكشف ما كان مسكوتاً عنه في خلافات الطرفين؟!
الرئيس عباس قال إنه محاصر من قبل أمريكا وإسرائيل، وأخيراً حماس، وقادة من حماس يردون باتهامات مقابلة، وأخلاقياً لا يجوز لأي عربي أن يلعب على وتر هذه الخلافات أو يستثمرها بالشماتة، لأن الشعب الفلسطيني أكبر من قادته والذي ظل وقود الحروب والنضال والمعاناة، لكن هل من يكتب عن بعض الحقائق يقال عنه «إنه عربي متصهين» في حين نسمع ونرى ونقرأ معارك سياسية فتحت ثغرات حادة بين القادة، وقسمت الشعب الواحد صاحب القضية الواحدة، إلى انتماءات إن لم تكن مع فصيل، فهي ضد القضية أساساً، وقد قيل من قِبل محبي فلسطين وقضيتها، أن التحزب والانتماء إلى ولاءات عربية وأجنبية على حساب القضية كانا السبب في تدمير شعبيتها والتعاطف معها؟!
حرب غزة واجهت الجميع، وتقدير الخطأ جاء من اعترافات الفلسطينيين أنفسهم، وأن تدمير كل ما طالته آلة الحرب الإسرائيلية، زاد من مضاعفة معاناة الشعب الذي دمرت وهدمت منازله ومزارعه ومصادر حياته كلها، وأن إعادة بنائها يحتاج المليارات إلى جانب المساعدات العاجلة، وكأن الأراضي الفلسطينية أصبحت ملاجئ بلا أي وسائل للحياة..
مبدأ الخلاف لا اعتراض عليه، لأنه لا يوجد بين البشر توافق على قضايا عادية واتفاق عام، وفي الأمور السياسية تتضاعف المسؤوليات والتعقيدات والفوارق في الطروحات والأفكار، لكن تبقى الأساسيات غير قابلة لخلق النزاعات والتصادم ثم الافتراق، وما يجري على الساحة الفلسطينية لا يؤخذ بهذا التصنيف من حيث الاختلاف في وجهات النظر، وإنما جاء ليكشف عن ضعف البناء الأساسي في القيادات والأحزاب ما خلق العذر لإسرائيل بأن تخترق كل الأعراف والنظم في حربها الأخيرة، ويقف معها الغرب مع سلبية من الشرق، والأكثر مأساوية هو الموقف العربي المتذبذب سواء بفعل الحالة غير المستقرة في بلدان تعيش حالات حرب داخلية أو فتور عام وصل إلى المشاعر، وهذا يحسب على القادة الفلسطينيين قبل غيرهم بعدم دفع وضعهم ليكون على سلم الأولويات عربياً ودولياً..
الحقيقة المرة أن القيادات في غزة أو الضفة على وعي وتأهيل تام من حيث إدراك العدو ومن خلفه، لكن هذا الوعي المتقدم، ينحسر حين تتصادم الإرادات والقضايا لشخصية والدخول في لعبة المصالح ليكون للأجنبي إدارة اللعبة، وهذا ما حدث في سنوات مضت وتكرر بما هو أسوأ في الظروف الراهنة، وهذا التصرف من قبل الفلسطينيين خلق ما يشبه التنصل من الواجبات عند العرب وغيرهم، بزعم أن أصحاب القضية لم يتفقوا على مشروع دعمها وهذا صحيح إلى حد بعيد، والأسوأ من ذلك أن هناك قضايا مستجدة طغت على الموضوع الفلسطيني، وصار تدويل قضايا المنطقة أحد مرتكزات الاستراتيجيات الأمريكية والأوروبية مع دول المنطقة تجاه داعش وغيرها، ومن هنا ضرورة أن يفهم القادة الفلسطينيون أنهم المعنيون بتوجيه وتوحيد مواقفهم، والتفاهم عليها قبل غيرهم.
عن الرياض