اختيار الجامعة، العمل على دخولها ودفع كلفة الدراسة فيها، هو قرار كبير بالنسبة لمعظم خريجي المدارس الثانوية وعائلاتهم. هل كل هذه الدراما، والتضحية، والديون، تستحق العناء؟
* * *
هناك عدد قليل من الروايات والأفلام التي تتخذ من عالم الطبقة الوسطى موضوعاً لها. ويبقى بريق “دانتاون أبي” وعروض الشجاعة ورباطة الجأش التي تصورها الأعمال الدرامية المتعلقة بعمل الشرطة أكثر إثارة بكثير. أما موضوعات الرغبة في التحسن، والمثابرة المطلوبة ليحقق المرء أمنه المالي، والعناية والتضحية اللتين تبذلان لضمان أن يبلي الجيل التالي بلاء أفضل من الحالي -فإن كل ذلك غير رومانسي، غير درامي، لكنه يظل مع ذلك سرداً مركزياً بالنسبة لحياة الطبقة الوسطى.
فلنأخذ ذلك العالم المعقد، المرهق في كثير من الأحيان، الذي يعيشه أبناء الطبقة المتوسطة، والآباء، والمعلمون، والموجهون والمرشدون الذين يجب أن يتخذوا القرار الحاسم والمكلف، المتعلق بأي كلية وأي جامعة هي التي سيلتحق بها الطالب المتخرج تواً من المدرسة الثانوية. وهي قصة تتكرر في الأسرة بعد الأسرة. والفكرة هي أن التعليم يشكل أكبر عامل في النجاح المستقبلي. كما أنه يرتب أيضا أكبر تكلفة مالية تتحملها معظم الأسر -وبالتأكيد معظم الطلاب. ومنذ ما يقرب من 40 عاماً الآن، ارتفعت تكاليف الدراسة الجامعية في الولايات المتحدة بوتيرة أسرع من أي سلع أو خدمات أخرى على الإطلاق.
على هذا النحو، يكون اتخاذ القرار المناسب حول هذه المسألة جهد فريق. وتشبه العديد من المنازل منزل ماتيس كلايتون، الذي فتحت عائلته أبوابها للكاتبة باربرا كانتروفيتز والمصورة آن هيرميس لتعدا تقريباً عن هذه الحالة. وتماثل هذه البيوت مراكز القيادة العسكرية، حيث يتم تقييم خيارات الكليات والجامعات، وتتم مراجعة المسائل المالية، ويجري إرسال الرسائل، والمقالات، والمنجزات المسجلة، واستلام الردود عليها، في محاولة لتحديد أي كلية وأي جامعة هي الأفضل. وليس هناك جواب بات جاهز. قد تكون جامعة مكلفة في الأساس مقبولة بسبب تقديمها البعثات الدراسية أو المنح. وقد تكون جامعة أرخص كلفة هي الأكثر مناسبة. وربما تكون الاستدانة واضطرار الطالب إلى العمل بدوام جزئي أموراً لا مفر منها.
كانت إحدى أكثر الملاحظات حكمة في تقرير باربرا قد أتت من مستشار في التوجيه والإرشاد، والذي قال لفتاة شابة أنه على الرغم من كل القلق الذي يصاحب عملية القبول في الجامعات، فإنه لن يعود مهماً في غضون 10 سنوات أي جامعة هي التي كان قد تم اختيارها. وقال: “سوف تنظرين إلى الوراء وستفكرين بأن أيام الجامعة كانت رائعة فقط”. تلك هي التجربة التي يعيشها معظم خريجي الجامعات. لا شك في أن الشبكة الاجتماعية التي تقدمها للمرء مؤسسات تعليمية مرموقة مثل هارفارد أو ييل تشكل أحد الأصول في الحياة. نعم، ولا شك أن المدرسين الكبار يظلون أفضل من المتوسطين. لكن التعليم ينطوي على قدر من المتغيرات الأهم والأكبر بكثير من سمعة الجامعة ونجومية أعضاء هيئة التدريس، أو الشعور الذي يحصل عليه الطالب المتحمس وهو يتجول في الحرم الجامعي خلال جولة هناك.
كنت قد ارتدت جامعة علامتها بقرة. (حقاً. كانت تعويذة الكلية وما تزال هي الثور). وقد درست فيها مساقات صعبة وأخرى سهلة، واستمعت إلى أساتذة مرموقين وإلى معيدين مساعدين غير معروفين. ومثل معظم طلاب الجامعات الأخرى، استمتعت حيناً، ودرست في بعض الأحيان، ولم أدرس في أخرى، وعملت بدوام جزئي. ولست أقول بأي حال من الأحوال أن الظروف في العام 2014 هي نفسها التي كانت في أيامي تلك. لقد أصبح الاقتصاد اليوم أقسى بكثير، وتكاليف الدراسة الجامعية أعلى بكثير، وسوق العمل أكثر ضيقاً. لكنني متأكد من شيء واحد: إن التعليم العالي ليس مجرد حيازة شيء يوضع في السيرة الذاتية. إنه في الحقيقة رحلة عقلية.
في صباح أحد الأيام، استخدم أحد مساعدي التدريس رواية الكاتب الإنجليزي إي. إم فورستر “الطريق إلى الهند، ليثير نقاشاً لا ينسى (بالنسبة لي على الأقل) حول النظم الدينية التوفيقية. وفي وقت لاحق من ذلك اليوم أو الأسبوع، فشل أستاذ رياضيات متجهم الخلقة في جعلي أفهم المعادلات التفاضلية. وفي وقت ما حول ذلك الحين، تحول درس في العلوم السياسية من النظرية إلى التطبيق على الزمن الواقعي فيما يتعلق بالانتخابات الرئاسية الأميركية للعام 1972. وفي اليوم التالي، جاءت مجموعة أخرى من التحديات والفرص العقلية، وهكذا.
كل ذلك وأكثر هو الآن جزء مني، تماماً مثلما سيكون كل شيء سيختبره ماتيس كلايتون في جامعة بينغهامتون، وإستيبان أسيفيدو في جامعة دارتموث، وهليلغ دوهرتي في جامعة فيرفيلد، وكميل ندياي مولر في جامعة هارفارد. كل ذلك سيكون أجزاء منهم جميعاً. وأيا كان المكان الذي سيختارون الذهاب إليه بعد ذلك، فإنهم بعد 10 أو 40 عاماً من الآن، سوف ينظرون إلى الوراء –وسيقولون: كانت فترة الدراسة في الجامعة شيئاً عظيماً.
(كرستيان سينس مونيتور)
ترجمة: علاء الدين أبو زينة- الغد الاردنية
*هو محرر متجول لمجلة المونيتور.
*نشر هذا الموضوع تحت عنوان: Is college worth what it costs?