قبل بضعة أيام، سقطت ثاني كبريات المدن العراقية، الموصل، بيد مجموعة متشددة مفعمة بالقوة، في تطور صاعق من شأنه أن يفضي سريعاً إلى إقامة دولة إسلامية تنتهج نسخة صارمة من التدين في قلب الشرق الأوسط.
كان هذا الجيش من المحاربين المسلمين، الذي يعرف بالدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش” قد استولى أصلاً على مئات مساحات تقدر بآلاف الأميال المربعة في كل من العراق وسورية على حد سواء، وهو يهدد الآن بغداد نفسها. وفيما تعزز المجموعة المتشددة حكمها وتشرع في حكم ملايين المسلمين، فإن من الممكن أن تصبح على عتبات استعادة نظام الخلافة الذي يعود إلى العصور الوسطى، والذي كان زعيم القاعدة الراحل، أسامة بن لادن، قد استشرفه وسعى إليه.
وكانت المنطقة قد شهدت مؤخراً أنظمة أخرى عرفت نفسها بأنها إسلامية، مثلما حدث في إيران ومصر وتركيا وغزة. لكن هذه الدولة الناجمة الجديدة ستكون شيئاً مختلفاً جداً. فمقاتلوها متعددو الإثنيات، ومجندون من العديد من البلدان، والذين اندفعوا للقتال في الحرب الأهلية السورية. وهم الآن موحدون بدافع الحماس الديني للاستيلاء على العراق أيضاً، وكسر طوق حدود الحقبة الاستعمارية التي تفصل الدول الحالية في الشرق الأوسط. وهم لا يظهرون أي اهتمام حتى بالتسامح مع ديمقراطية محدودة على النمط القائم في إيران.
في الأثناء، ليس هناك سوى النزر اليسير من المعلومات المتوفرة عن قائد “داعش” الذي يدعو نفسه أبو بكر البغدادي. لكن نجاحاته العسكرية التي حققها في العام الماضي تشير إلى أنه حاكم غامض، فطن وهمجي، حتى أن وحشيته دفعت بالزعيم الحالي لتنظيم القاعدة، أيمن الظواهري، إلى قطع العلاقات مع المجموعة.
من خلال استيلائها على مدينة الموصل العراقية -في معركة استمرت أربعة أيام وحسب- قد تكون المجموعة كسبت عاصمة خلافتها المستشرفة. وهي لا تجد حتى الآن سوى مقاومة ضعيفة من جانب النظام العراقي بقيادة رئيس الوزراء نوري المالكي، الذي همش الأقلية السنية في البلد بحكمه الاستبدادي الذي يهيمن عليه الشيعة.
بينما قد يشعر العالم بالإنذار من احتمال تشكل ثيوقراطية إسلامية بلا حدود مرسومة، خاصة واحدة قد تقوم بتصدير الإرهابيين، فإن ما يخفف من حدة هذا القلق هو احتمال أن يكون هذا النظام متصدعاً بشكل بنيوي، والذي سيصنع بذور انهياره الذاتي.
حتى الآن، تعول “داعش” على عوائد الابتزاز وتهريب النفط لجمع الأموال. ومن شأن هذا الفساد أن يقوض شرعيتها كحاكم ورع. وبينما لا يعرف سوى القليل عن مطالبها الاجتماعية من أولئك الذين تحكمهم الآن، فإن هناك احتمالات قوية بأنها ستثير حفيظة المسلمين المعتدلين. ويذكر أن حوالي 500.000 شخص هربوا من الموصل عندما كانت المجموعة تتقدم نحو المدينة. ولا يتفق تطبيق المجموعة الصارم للشريعة الإسلامية والنقاء الثقافي مع المزاج السائد في منطقة تصبح معتادة على النظام الدستوري في ظل حكم قانون علماني، والتي تشعر بتأثير الإنترنت.
بالإضافة إلى ذلك، تعرف المجموعة نفسها إلى حد كبير بما تعارضه أيضاً -الشيعة وإسرائيل والغرب والقادة العرب غير المتدينين. ولا تشكل مثل هذه الكراهية أساساً لخلق أي تعاضد بين ظهراني الشعوب التي تحكمها. كما أن سجلها المعروف بقتل الناس من خلال الممارسات الإرهابية ينتهك أي فهم للقرآن الذي يتبناه كل مسلم تقريباً.
بعبارات أخرى، يجب على العالم أن يتخذ جانب الحذر أكثر من الخوف فيما هو يتدارس وسائل الرد على هذا التهديد الشرق أوسطي غير الاعتيادي. وقد يساعد كل من الصبر والحكمة، وليس الحرب، على إسقاط مجموعة تخلو أفكارها من الجوهر.
الغد الأردنية