جماعة الإخوان المسلمين في مصر ليست حركة إرهابية، على الأقل راهناً. لكن حظر الحكومة المصرية التي يقودها العسكريون للجماعة واعلانها بأنها “تنظيم إرهابي” قد يصبح نبوءة قابلة للتحقق.
وكان الاعلان قد جاء بعد تفجير سيارة خارج مبنى أمني حكومي في المنصورة يوم 4 كانون الاول (ديسمبر) الماضي ما اسفر في حينه عن مقتل 15 شخصاً على الأقل، وحملت الحكومة جماعة الإخوان المسلمين المسؤولية عن التفجير. والآن، فإن اعضاء الإخوان المسلمين والجهات المانحة لها يواجهون الملاحقة القضائية والسجن، وثمة احتمال بأن يمتد الخطر ليشمل الشبكة الواسعة من المدارس والعيادات الطبية والخدمات الاجتماعية الاخرى التي تديرها الحركة، كما انه سيمتد ليشمل المصريين الفقراء الذين لطالما اعتمدوا على الإخوان. وكان عشرات من اعضاء الإخوان المسلمين قد قتلوا اثناء احتجاجات في الشوارع في الاسابيع الاخيرة فيما تردد ان الجماعة تعيد تأسيس بنية تحتية سرية لها – وتتعلم مرة اخرى كيفية الاستدامة في وجه حملة حكومية.
ومما لا شك فيه ان الحملة ستقود بعض اعضاء الإخوان المسلمين الى الإرهاب. واصلاً، فإن إقدام العسكريين على عزل الرئيس المنتخب محمد مرسي وهو من قادة الإخوان، منح قوة لوجهة نظر القاعدة بأن الانظمة السياسية الانتخابية مخادعة، وأن المشروع الاسلامي لا يمكن ان يتقدم الا عن طريق العنف. والى ذلك رمى الاجراء الحكومي باتباع جناحين من النزعة الاسلامية كانا قد عارضا بعضهما البعض وخلق موجة جديدة من المجندين لصالح التطرف العنيف.
وأصبح في الاثناء مسار مصر واضحاً، فهي على الطريق حتى الى مزيد من القمع والنزاع وعدم الاستقرار. ويبدو تطرف الإخوان المسلمين في اللحظة هو اكثر من السؤال (متى) وليس (اذا)، وباسم محاربة الإرهاب يجعل النظام الوضع في مصر اسوأ بكثير.
وما يحدث في مصر لن يستقر فيها. فقد اجبرت فترة حكم مرسي الإخوان المسلمين على قبول اجراءت لاحتواء حركة حماس في غزة لكن الانقلاب يعطي الإخوان المسلمين الحوافز لتقوية الروابط مع إخوانهم في الإرهاب. ولأن مصر تواجه اصلاً تحديات تتعلق بضبط تدفق الاسلحة والناس عبر الحدود فإن الحملة قد تفاقم التطرف في غزة وفي ليبيا وباقي شمال افريقيا.
وتظهر استطلاعات الرأي العام انه مع وقت عزل مرسي يوم 3 تموز (يوليو) كان هو ومعه الإخوان المسلمون غير شعبيين على نحو متزايد. فافتقارهم الى تحقيق تقدم على صعيد تحسين اقتصاد مصر وانعزالهم ونزعة السلطة لديهم افضى الى تحييد العديد من المصريين. واليوم نجد انه من الصعب قياس عدد المؤيدين للإخوان المسلمين: وبالرغم من ان مرسي فاز في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية وحصل على اكثر من 13 مليون صوت، فإن حصة حركة الإخوان المسلمين في الصوت البرلماني كانت اقرب الى 35 في المائة، فيما هبطت شعبيتها اكثر على ضوء ادائها البائس في السلطة. لذا نرى ان اقلية من المصريين تعد داعمة ملتزمة، وحتى فإن عدداً اصغر يعتبرون اعضاء في التنظيم. لكن ومهما كان الرقم بالضبط فمن الواضح ان ثمة الملايين من المصريين يدعمون الإخوان المسلمين.
واعقب الانقلاب اعتقال قادة رئيسيين في الإخوان المسلمين فضلاً عن ان الحملة اللاحقة افضت الى مقتل اكثر من 1000 مصري. ويأمل النظام العسكري في سحق الإخوان المسلمين والقضاء على قيادتهم وإرهاب اتباعهم. ولم يكن للدعوات الاميركية للمصالحة ولا لقرار ادارة اوباما المتأطر في التجميد المؤقت للمساعدات الاميركية لمصر أي تأثير كبير على ما يراه معظم المشاركين كفاحاً وجودياً من أجل مستقبل مصر. الى ذلك قدمت العربية السعودية وحليفاتها الخليجيات بلايين الدولارات الى الحكومة المصرية التي يقودها العسكريون، وهي اكثر بكثير من المساعدات الاميركية، وتعهدت بالتعويض عن أي نقص يحصل اذا اقدمت واشنطن على خفض مساعداتها اكثر. وفي الاثناء تجري محاكمة قادة الإخوان المسلمين بمن فيهم الرئيس المعزول. وثمة احتمال بأن يتم التوصل الى تسوية قد تعيد عناصر الإخوان المسلمين الى النظام السياسي.
وحتى الآن لم يدع الإخوان المسلمون اعضاءهم الى حمل السلاح. لكن هذا الموقف يمكن ان يتغير طالما دأبت الحكومة على تجريم الجماعة اكثر وأكثر. وفي الماضي عوّض الإخوان المسلمون إبعادهم عن السلطة السياسية عبر التركيز على النشاط المدني. وهذه المرة اقدم النظام مباشرة على حظر الجماعة والاستيلاء على اصولها.
وعلى ضوء هذا، قد يعمد المصريون الذين دعموا او انضموا الى الإخوان المسلمين الى حمل السلاح بسبب حنقهم على الأنظمة السياسية.
الآن ترى المجموعات الجهادية في الانقلاب دليلاً على ان اميركا واذنابها المحليين لن يدعوا مشروعها الاسلامي ان يزدهر. وفي الاثناء، ترى الاسلاميين في البلدان العربية الاخرى يراقبون وسيستقون الدروس ايضاً. وهكذا فإن تهديد التطرف الاسلامي في مصر هو زراعة جيل جديد من مجندين متطرفين لصالح قضية الجهاد العالمي.
الى ذلك، اضعف سجن وملاحقة القيادة العليا في الإخوان المسلمين النظام التنظيمي للجماعة خاصة في ما يتعلق بتطبيق عدم العنف، وقد تعمد خلايا الإخوان المسلمين الى التصرف من تلقاء نفسها للتنفيس عن الكبت أو لانتقام للرفاق الذين قتلوا ما يستدعي رداً حكومياً من شأنه تكريس العنف والقمع. وتجدر الاشارة الى ان بعض الأعضاء والمؤيدين هاجموا اصلاً اهدافاً حكومية ومصريين اقباطاً. كما ان المجموعات الإرهابية الموجودة تعمل اصلاً على جلب اعضاء الإخوان المسلمين الى صفوفها.
إن ذلك يشي بأن عشرات الآلاف من المصريين سيكونون مجندين محتملين للجهاديين. وكان تفجير المنصورة قد نفذ من جانب “انصار بيت المقدس”، مجموعة إرهابية تتخذ من شبه جزيرة سيناء مقراً لها ولا تنطوي على روابط رسمية مع الإخوان المسلمين وتتوافر على ايديولوجية قريبة من ايديولوجية تنظيم القاعدة.
وللحالة الراهنة تبعات على أمن اسرائيل والولايات المتحدة. وما يزال الإرهاب في شبه جزيرة سيناء مشكلة منذ وقت طويل ومن الممكن ان يفضي زيادة في الموارد والمقاتلين من صفوف الإخوان المسلمين السابقين لصالح المجموعات التي تتخذ من سيناء مقراً لها الى توجيه المزيد من الضربات الصاروخية وغارات عبر الحدود تشن على اسرائيل، وفي الاثناء لم تكن الولايات المتحدة ابداً تتمتع بشعبية بين ظهراني مؤيدي الإخوان المسلمين. وبينما يلوم بعض المصريين وعلى نحو غريب، واشنطن على انتخاب مرسي يعتقد العديدون في الإخوان المسلمين بأن الاطاحة بمرسي كانت قد هندست بدعم من واشنطن. ومن المحتمل ان يوجه اعضاء المجموعة جام عضبهم لاهداف اميركية.
الى ذلك، يركز النظام المصري راهناً جل جهوده على تأمين قبضته على السلطة بينما تكمن مصالح اميركا في استقرار مصر والمنطقة. ولا تستطيع الولايات المتحدة منع تطرف الإخوان المسملين ولكنها تستطيع السعي للتخفيف من حدة آثاره على الأمن الاميركي.
تكمن الخطوة الاولى بالنسبة للمسؤولين الاميركيين في التوضيح للقادة العسكريين المصريين في أن واشنطن لا تعتقد بأنه سيكون هناك تحول كلي حتمي للعنف من جانب الإخوان المسلمين. ويجب على المسؤولين الاميركيين ان يشركوا الساسة الاسلاميين وقادة الرأي الملتزمين بعدم العنف بمن فيهم قادة الإخوان المسلمين في مصر وفي العالم الاسلامي، ويجب ان تكون الاهداف منصبة على المحافظة على الرؤية لنقاشات الجماعة وتطورها والضغط من أجل استمرار الالتزام الفعلي لعدم العنف وتوضيح رغبة الولايات المتحدة في التعامل مع الاسلاميين الذين يتبنون المبادئ الديمقراطية. اما اولئك الذين يدارون او يحرضون على العنف فيجب مع ذلك أن يلمسوا ويحسوا ادانة اميركية سريعة.
لكن مصر تواجه مشكلة إرهاب فعلي في الغضون بحيث لا يجب ان تخفي طريقة هزيمة الذات التي تنتهجها الحكومة مع الإخوان المسلمين هذا، ويجب على الولايات المتحدة التأكيد للعسكريين المصريين بأنهم سيحصلون على دعم اميركا لجهودهم ضد الراديكاليين الذين يتآمرون على المواطنين الاميركيين أو على المصالح الاميركية، لكن واشنطن لا ترى كل الاسلاميين إرهابيين ولا كل التهديدات الاسلامية بأنها تحظى بأولوية متساوية.
ويجب على الولايات المتحدة ايضاً ان توسع من جهودها الاستخبارية المستهدفة التطرف الاسلامي والتركيز بالتالي على انخراطها الأمني مع مصر والحليفات العربيات الاخريات فيما يتصل بمكافحة التطرف وليس ببساطة مكافحة الإرهاب.
واخيراً يجب على الادارة الضغط على الحكومة المصرية للافراج عن الساسة الاسلاميين الذين يلتزمون بعدم العنف والسماح للاحزاب التي تتوافر على طائفة من وجهات النظر الاسلامية بالانتظام والتنافس من الانتخابات.
وقد تصبح جماعة الإخوان المسلمين مجرد ظل لذاتها السابقة. لكن ومن دون وسائل سلمية للمشاركة في تأخير مستقبل البلد فإن ملايين المصريين الذين يدعمون الإخوان المسلمين قد يشعرون بأنه ليس لهم حصة في استدامة ذلك المستقبل، بل قد يسعى بعضهم الى تمزيقه.
الغد الأردنية