في اليوم الثاني لتسلمه مهام منصبه في العام 2009، أطلق باراك أوباما محاولة طموحة للتوسط في إحلال السلام في الشرق الأوسط، متجاهلاً بذلك التحذيرات التي قالت إنه لا الإسرائيليين ولا الفلسطينيين مستعدون للتوصل إلى اتفاق. وقد أصيب جراء ذلك بأضرار بالغة في الواقع. فعلى الرغم من تعيين السناتور السابق جورج ميتشل مبعوثاً، والكثير من التدخل الرئاسي المباشر، تخبطت المبادرة وتعثرت. ولم يدخل الإسرائيليون والفلسطينيون في أيّ مفاوضات جوهرية أبداً، وانتهت فترة أوباما الرئاسية الأولى بحرب صغيرة أخرى في قطاع غزة.
وبعد أربع سنوات من ذلك، يبدو المشهد الدبلوماسي أكثر وعورة وتجهماً. فما تزال غزة واقعة في قبضة حركة حماس القوية، التي لم تتزحزح أبداً عن رفضها الاعتراف بإسرائيل. وتبدو السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس تتداعى، بينما يفكر عباس نفسه في التقاعد. وعلى الجانب الآخر، يرجح أن تنتج انتخابات هذا الشهر في إسرائيل واحدة من أكثر الحكومات قومية في تاريخ البلاد، والتي ربما يكون فيها رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو –الذي يعتبر في البيت الأبيض عقبة كأداء أمام أي عملية سلام- بمثابة الممثل لليسار الحمائمي.
ومع ذلك، وإذا ما كان أوباما ليستمع إلى نظرائه الأوروبيين وللزعماء العرب، وحتى وزير خارجيته المقبل، فإنه سيعمد مرة أخرى إلى وضع “عملية السلام” على رأس الأولويات في فترة ولايته الثانية. ويستحق هذا المنطق المحير وراء ذلك، وإنما الملح أيضاً، بعض التفكيك والتأمل.
في واشنطن، تأتي بعض أعلى الدعوات صوتاً لعودة انخراط أوباما من معسكر السياسة الخارجية “الواقعي” الذي تسكنه شخصيات مثل مستشارَي الأمن القومي السابقين زبيغنيو بريجنسكي وبرنت سكوكروفت، والسناتور السابق تشاك هاغل، الذي يدرس أوباما أمر تعيينه في منصب وزير الدفاع. وقد عارض هؤلاء الناس الحرب في العراق، وهم يرفضون تدخل الولايات المتحدة في سورية أو القيام بعمل عسكري ضد البرنامج النووي الإيراني. وكانوا يقولون طوال سنوات إن الوقت قد حان لأن تدرك الولايات المتحدة حدود قوتها.
ومع ذلك، وعندما يتعلق الأمر بإسرائيل، فإن هؤلاء الواقعيين أنفسهم يفترضون قوة لا حدود لها للولايات المتحدة. وهم يقولون إ ن أوباما يستطيع، إذا ما اختار أن يفعل ذلك، أن ينضم إلى حلفاء الولايات المتحدة أو مجلس الأمن الدولي في فرض حل الدولتين على الإسرائيليين والفلسطينيين، سواء شاؤوا ذلك أم أبوه. ويبدو الافتراض القائم هو أن الولايات المتحدة الأضعف كثيراً من إجبار الرئيس السوري بشار الأسد على الذهاب، يمكن أن تجبر ديمقراطية إسرائيل المتقدمة والفلسطينيين الذين بلا قيادة على قبول التسويات التي كانوا قد قاوموها على مدى عقود.
ليس ثمة عيب أو شيء خاطئ في هدف الواقعيين. وعلى الرغم من أنهما كثيراً ما يُتهمان بأنهما معاديان لإسرائيل، فقد اقترح بريجنسكي وسكوكروفت مواصفات عامة لدولة فلسطينية قريبة من تلك التي تبنتها حكومات إسرائيلية سابقة. ويبدو الحل الذي اقترحاه منطقياً تماماً؛ لكنها وسيلة الوصول إلى هناك هي التي يعوزها اليقين. وكانت فترة أوباما الأولى هي البرهان: فقد أثبت الرئيس أنه غير قادر حتى على إجبار إسرائيل على تجميد المستوطنات، أو إلزام السلطة الفلسطينية بالتفاوض –ناهيك عن إملاء اتفاق.
وقد أدركت معظم الحكومات الأوروبية منذ فترة طويلة أن الإدارة الأميركية ستقوم، أو يمكنها أن تقوم بليّ ذراع الطرفين بالقوة. ومع ذلك، فإنها تتشبث بعقيدة أخرى، واحدة أعتقد بأنها تتقاسمها مع وزير الخارجية المحتمل جون كيري: أن التسوية الإسرائيلية الفلسطينية هي المفتاح لتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط الكبير، من المغرب إلى العراق. وهي فكرة يغذيها الحكام العرب القدماء والجدد في جميع أنحاء المنطقة، من رئيس مصر الإسلامي الجديد، إلى قادة آخرين في الخليج والشرق الأوسط ممن يتوقون إلى صرف الانتباه الأميركي عن ملاحظة مشاكلهم الخاصة.
إذا كانت إقامة دولة فلسطينية أمراً حاسماً إلى هذا الحد، فإنها ينبغي أن تكون في صلب السياسة الخارجية للولايات المتحدة، بغض النظر عما إذا كان الوقت قد حان والظرف قد نضج. ولكن، هل الأمر كذلك فعلاً؟ بينما تختبر مصر حالة استقطاب بين معسكري العلمانيين والإسلاميين، وتؤلب الحرب في سورية المسلمين السنة ضد العلويين وحلفائهم الشيعة، يبدو واضحاً أن الصراعات الأكبر في المنطقة هي تلك الجارية بين العرب ضد العرب. لكن الحكومات الغربية في حيرة بشأن ما يجب القيام به حيال هذه المعارك. أما بالنسبة للإسرائيليين والفلسطينيين، فهناك، على الأقل، صيغة معروفة تماماً: مؤتمرات ينبغي ترتيبها، رحلات مكوكية يجب القيام بها بين العواصم، ومساومة على الشروط والشروط المسبقة.
ولا يعني كل هذا القول بأن أوباما يجب أن يتجاهل الإسرائيليين والفلسطينيين أو يتخلى عن قضية الدولة الفلسطينية، والتي ستكون على المدى الطويل لبنة مهمة في بناء شرق أوسط حديث. ويمكن فهم إهمال الولايات المتحدة على أنه ترخيص للقوميين الإسرائيليين باتخاذ خطوات لعرقلة إقامة تلك الدولة في المستقبل، بل إنه قد يدفع الفلسطينيين إلى تبني تدابير أكثر استفزازية، من إطلاق المزيد من الصواريخ من قطاع غزة على المدن الإسرائيلية، إلى التحريض على قيام انتفاضة جديدة في الضفة الغربية.
إن ما نحتاج إليه هو سياسة منسقة، وإنما هادئة، تهدف إلى خلق الظروف الملائمة لإيجاد حل طويل الأجل، لكنها لا تدّعي بأنها يمكن أن تثمر في السنة أو السنتين المقبلتين. يجب على أوباما تشجيع الحكومة الإسرائيلية الجديدة على اتخاذ خطوات ملطِّفة لتسهيل الحركة والتنقل وتعزيز التنمية في الضفة الغربية؛ وينبغي له الضغط على الإسلاميين الحاكمين في مصر لممارسة تأثير يدفع بحماس إلى الاعتدال. وقبل كل شيء، ينبغي للرئيس أن يقبل بالدرس الذي تلقاه في ولايته الأولى: إن جعل السلام في الشرق الأوسط أولوية رئاسية، لن يجعله يحدث.
(الواشنطن بوست) ترجمة: علاء الدين أبو زينة- الغد الأردنية
نشر هذا المقال تحت عنوان:
Wading into the Middle East morass