بيت لحم/ شكلت مبادرة السلام الأمريكية التي بدأت بتفاؤل كبير وانتهت بخيبة امل اكبر واعمال القتل للإسرائيليين الثلاثة ومقتل الطفل الفلسطيني الذي أشعل موجة غضب كبيرة عمت المناطق الفلسطينية وداخل الخط الأخضر وظهر شبان عرب- إسرائيليين يغطون وجوههم بالأقنعة ويلقون الحجارة على سيارات جيرانهم اليهود المسافرين على الطرق القريبة وتجنيد مكثف لرجال الشرطة للجم أعمال العنف وسيل الصور الواردة خلال الأيام الماضية مصادر ليست بالقليلة تسمح بالمقارنة مع الأسابيع الحاسمة الأولى التي فصلت بين نهايات أيلول ومنتصف أكتوبر عام 2000 تلك الأسابيع التي شهدت ولادة وانطلاقة الانتفاضة الثانية لذلك ليس من المستغرب ان تعود الأوضاع لذات المصطلحات والكلمات التي استخدمت في تلك الفترة ، استهل المراسل والمحلل العسكري لصحيفة ” هأرتس” عاموس هرئيل” مقالته التي حملت عنوان ” ذكريات الانتفاضة الثانية وحجم الخسائر الفلسطينية قد تمنع اندلاع انتفاضة ثالثة ” الذي نشره اليوم” الأحد “على موقع الصحيفة الالكتروني .
السؤال الكبير هل نواجه حاليا وخلافا للمخاوف التي تبددت عام 2011-2013 خطر اندلاع انتفاضة ثالثة ؟ الجواب البسيط هو من السابق لأوانه الجزم بالقول لان التاريخ لا يكرر نفسه بدقة وبنفس التفاصيل ، قال عاموس عرئيل .
وأضاف ” هناك الكثير من الأمور التي تغيرت من عام 2000 الى عام 2014 ولم تكن حماس مسيطرة على قطاع غزة قبل 14 عاما ولم تكن تملك ألاف الصواريخ التي يمكن لبعضها أن تضرب منطقة ” غوش دان ” ومن ناحية ثانية كان على رأس القيادة الفلسطينية في ذلك الوقت ياسر عرفات الذي ناور دون كلل أو ملل بين الصعوبات والعقبات وبين كلام السلام وتشجيع ” الإرهاب” فيما نفض خليفته محمود عباس يده بشكل كامل وحقيقي وساذج من استخدام ” الإرهاب” لكن الفرق الكبير والهام يكمن في حجم الخسارة والثمن الباهظ حيث جبت سنوات الانتفاضة الثانية الخمسة التي يمكن وضعها ضمن الفترة الزمنية الواقعة بين زيارة شارون للاقى والانفصال عن غزة ثمنا باهظا وهائلا من الشعبين وباستثناء الحوادث الدموية التي شهدتها الفترة الأخيرة بغض النظر عن غياب الحل السياسي لا زالت ذكرى تلك الأيام مزروعة عميقا بما يكفي لوقف العنف الذي شهدته جولات تصعيد مختلفة حيث سعت الأطراف إلى منع تدهور الأوضاع إلى صدام طويل المدى لكن هذه المرة لا زال الوضع غير واضح بشكل كاف “.
ساد نهاية الأسبوع الماضي شعور بإمكانية إعادة تطبيق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس وأعلنت إسرائيل الخميس الماضي بأنها تعطي حماس فرصة إضافية لوقف إطلاق الصواريخ وان الهدوء سيقابل بهدوء مماثل وتواردت تقارير أمس الأول عن تنشيط الوساطة المصرية وصحيح أن طائرات سلاح الجو قصفت أهدافا في غزة ردا على إطلاق الصواريخ لكنها هجمات محدد ومركزة في مناطق معينة لم تسقط ضحايا أو مصابين .
ارتفعت وتيرة إطلاق الصواريخ من غزة بعد عملية اختطاف الإسرائيليين الثلاثة في منطقة عتصيون يوم 12/6 ووصلت عمليات الإطلاق ذروتها قبل ساعة من كتابة هذه المقالة ” الساعة 3 من يوم الأحد ” إسرائيل أخذت تبحث وبعمق لرصد هل تواجه انهيار تدريجي لتفاهمات التي أعقبت عملية ” عامود السحاب” في نوفمبر 2012 حيث عاشت المنطقة عام ونصف أعقبت العملية المذكورة في هدوء واستقرار لم تشهده من عشر سنوات وتسبب الهدوء الامني النسبي بتحسين إحساس سكان منطقة ” غلاف غزة ” بالأمن الشخصي وشهدت المنطقة نهوضا اقتصاديا هاما وجوهريا وكان لوقف إطلاق النار ” مرساتين ” أساسيتين وتتمثل المرساة الأولى بالردع الإسرائيلي في مواجهة حماس التي أدت الأضرار الناجمة عن العملية إلى تأكل سيطرتها على القطاع والمرساة الثانية يعبر عنه التهديد المصري على قيادة حماس .
بعد ” الانقلاب العسكري” وصل إلى قيادة مصر جنرالات يكرهون حماس وينظرون إليها كذراع خطير في خدمة أعدائهم من الإخوان المسلمين وبهذا فقدت حماس ركيزة هامة كانت تستند إليها وهي حكومة الإخوان المسلمين التي قدمت لها مساعدات سمحت للحركة بان تدخل في خلافات حادة مع إيران وذلك على خلفية الإدانة المباشرة التي نشرتها حماس للمذابح التي يرتكبها النظام السوري ضد معارضيه من السنة وشعرت حماس بالاختناق تحت الضغوط الإسرائيلية والمصرية لكن حماس خافت ان توجه غضبها اتجاه إسرائيل لكن يبدو ان عوامل ضمن معادلة الردع قد تغيرت خلال الأسبوع الماضي بحيث عادت خلايا تابعة لحماس إلى الإطلاق العلني لقذائف الهاون باتجاه الكيبوتسات القريبة من الحدود فيما تولت منظمات صغيرة مهمة إطلاق الصواريخ
ويكمن تفسير هذه الخطوة في الضائقة الإستراتيجية الشديدة التي تعيشها الحركة حيث أوقف النظام المصري الجيد وبشكل كامل تقريبا صناعة الأنفاق والتهريب وفرض قيود قاسية على حركة الفلسطينيين عبر معبر رفح وهنا وقعت حماس رغم انفها على اتفاق المصالحة مع السلطة الفلسطينية لكن أملها بان تقوم السلطة بإنقاذها وإخراجها من أزمتها الاقتصادية والمالية قد خاب على الأقل حتى ألان وفشل الرئيس عباس بتجنيد دعم اقتصادي قطري يقدم لقطاع غزة وبقي عشرات ألاف الموظفين من حكومة حماس السابقة دون رواتب فيما يتفاقم النقص في الوقود بما تسبب بتمديد فترات قطع الكهرباء في غزة إلى 12 ساعة يوميا وهاجم رجال حماس خلال الأسابيع الماضية العشرات من أجهزة الصراف الآلي المنتشرة في غزة وذلك لمنع الموظفين المؤيدين للسلطة الفلسطينية في رام الله من تلقي رواتبهم عبر هذه الأجهزة ويبدو ان هذا الاعتبار” لمالي” يقف وراء إطلاق الصواريخ الأخيرة بما يفوق عامل العداء لإسرائيل على أمل أن يتم صرف الأموال وتقديمها لحماس مقابل وقف إطلاق النار تحقيق أو على الأقل ضمان بعض الانجازات الصغيرة مقابل اللاعبين الآخرين ذوي العلاقة بالمواجهة الحالية وهم مصر والسلطة الفلسطينية مثل منحها تسهيلات في الحركة على معبر رفح وتقديم وعد بدفع الرواتب .
وفي خلفية الأمور تقف قضية اختطاف المستوطنين الثلاثة ووفقا لما هو معروف حاليا فان العملية كانت عبارة عن مبادرة محلية قامت بها خلية محلية تابعة لحماس لكن قيادة حماس في غزة كانت على أمل أن تستفيد من هذه العملية وان تبتز من خلالها مفاوضات لإطلاق سراح اسري فلسطينيين مقابل المستوطنين الثلاث أو مقابل جثثهم ما يطرح مجددا أفضلية طريق الكفاح المسلح لكن اكتشاف الجيش للجثث سحب هذه الورقة من يد حماس وحرمها من الانجاز المفترض أو المحتمل ولم يبقى لحماس حسب رأيها سوى إطلاق الصواريخ على أمل تحقيق أي انجاز كان .
ووفقا لتحليل حماس لصورة الأوضاع فان حكومة نتنياهو تخشى من مواجهة عسكرية مع قطاع غزة ما يسمح لحماس بمواصلة الضغط لكن قيادة الحركة فشلت في تفسير نوايا رئيس الوزراء الإسرائيلي أيضا أسابيع معدودة قبل عملية ” عامود السحاب” ما كلفها ضربة قاسية نسبيا واغتيال قائد جناحها العسكري احمد الجعبري لكن على إسرائيل ان تأخذ بحسبانها إمكانية محاولة حماس القيام بمفاجئة عسكرية على شكل تنفيذ عملية في منطقة النقب على غرار محاولات كثيرة تم إحباطها في السنوات الأخيرة .
الساحة الثانية التي تقلق الجميع ما تشهده مدينة القدس وتأثير هذه الأحداث على ” عرب إسرائيل” وعلى الأوضاع في الضفة الغربية ويبدو أن تحقيقات الشرطة المتعلقة بقضية مقتل الطفل محمد ابو خضير تتجه نحو الخلفية القومية لكن هذه التحقيقات لم تتوصل إلى نتائج حتى ألان ” جاء المقال قبل إعلان الشرطة اعتقال 6 يود بتهمة قتل الشهيد ابو خضير “لكن هذا لا يهم سكان القدس الشرقية في شيء السكان الذين قادوا يوم أمس مواجهات عنيفة وبمشاركة غفيرة أعقبت جنازة الطفل ما أنتج إحساسا يشبه دوامة الانتقام الشخصي المتبادل والخطير جدا حيث أعقبت جنازة المستوطنين الثلاثة أيضا أعمال عنف قام بها يهود متطرفين في أرجاء القد الشرقية انتهت بمقتل الطفل ابو خضير.
وفي النهاية هاجم متظاهرون عرب سواق يهود قادوا سياراتهم في منطقة المثلث فيما نشر ملثمون أعمدة خاصة بالقطار الخفيف بمدينة القدس لكن مظاهرات المثلث كان الأكثر عنفا منذ عدة سنوات وستجد الشرطة نفسها مضطرة لمواصلة نشر قواتها المعززة في القد والمدن والقرى العربية داخل الخط الأخضر خشية تجدد المواجهات .
واختتم ” عاموس هرئيل ” مقالته بالقول ” إذا كان هناك ما يعزينا نهاية الأسبوع الماضي فهو نجاح الشرطة بمواجهة العنف دون ان تتسبب بسقوط ضحايا جدد بين المتظاهرين في القدس .
معا