هل ذهبــــــت يا خالــــــــد ؟ ! إلــــى صديقـــي الراحـــل : الفنـــان / خالـــد متولـــي
بقلم : سليم النفار
” أراكَ بصيراً بالذين أحبهم .. يقودك نحو الأقربين دليلُ ” .
في مثل هذه الأيام ، ينعقد تمام العام ، على رحيلك الموجع ، الفاجع ، فلم أتهيأ بعد ، لهذا الغياب ألقسري ، فسنين الربيع لم تزهر بعد يا خالد .. ها هو عامٌ بتمامه يمضي ، على رحيلك ، فهل حقاّ رحلت ؟ وأي رحيل هذا ؟ !
أي دليل ظالم ، قد قادك أيها الموت ، صبيحة ذاك اليوم الربيعي ، لتخطف مني أعز الأصدقاء ، أجملهم وأنبلهم ؟ .
وأي دليل قاد خطاكَ يا خالد ، إلى التسليم بمشيئة الرحيل ؟
أيها الحلم الذي كنا معاً ، ندوّر زواياهُ ، هل ذهبت إلى حلم آخر ، وإلى أين ؟ لماذا لم تنتظر رفقة العمر الطويل ، ألم نمشي معاً ، ونكبر معاً ونحلم معاً ؟
لم أعهدكَ أنانيا ، فدائماً كنت المتفاني من أجل الآخرين ، دائماً كنت المتعالي عن صغائر الآخرين ، وكان قلبك واسعاً كبحر اللاذقية ، تطل من شرفته ، حالماً برؤية يافا ، التي فيها ارث أبيك وجدك ، نعم هكذا كنت يا خالد ، فلماذا يضيق قلبك الآن ، منكفئاً على نفسه ، ذاهباً إلى حيث لا تعلم الأشياء منتهاها ومبتداها ؟ !
أم تراك تستأثر بالتحليق منفرداً ، على صهوةِ المجهول الذي ، يعلل النفس بالآمال ؟
أي دليل يا خالد ؟
بالأمس كنا نتهاتف ، في شؤون الفن والأدب ، ومشاريع الحياة الجميلة ، لم تقل أنك تنتوي الذهاب ، إلى عالم آخر ، كي تصدح على عودك بأغنيةٍ جديدة ، أو تكتب قصة أو قصيدة في البال ، أم تراك ذهبت في مهمة صامتة ، تنطوي على نفسك ، لتعالج خطوط لوحةٍ هنا ، أو هناك كان قد أثقلك انبثاقها ؟ ..
لماذا ذهبت ، وشعلة الحلم قد أوشكت طريقاً ؟
يا قلبي .. يا وجعي الذي أداريه من التشظي : كيف ألمُّ الآن اشتعالكَ في انطفاء القلب ، في سحجات الألم التي تحاصرني ؟
أبهظْت روحي بما لا تطيق ، فأي لقاء أنتظر ، وأي لاذقية أزور ، وأي قصيدة أكتب ، لتسمع أوترى ، وأي موعدٍ يلتئم في أجندتنا القادمة ، وهل تجيء لوحاتك من رماد الانتظار ؟
يا قلبي .. أنا لا أصدق الأطباء ، والفيزياء التي تقول : بذهاب الجسد ، فصوتك ما زال يرن في أذني ، ويدك ما زلت أراها ، بهدوء تعزف على أوتار العود ، روحك ما زالت تهوّم حولي ، وما زلت أنتظر موعداً لابد وأن يورق في الطريق .
أربعة عقود مضت من عمرنا يا خالد ، ما زلت أذكرها وأسمع هيس ايامها في تفاصيل كثيرة ، وكأنها الآن ، تجري ماؤها بيننا ، سأظل أسمعها ، فهل تسمعني ؟ !..