تعلن قطر انسحابها من دور الوسيط، وهو ما يمثل مؤشراً عن الدور الوظيفي الذي يقوم به قطر في إطار المشروع الأمريكي في المنطقة، وبعد إعلان انسحابها متزامناً مع دعوتها لقيادة حركة حماس لمغادرة قطر، ورغم النفي القطري والحمساوي إزاء هذا الموضوع، إلا أننا نعتقد أن مثل هذه الخطوة تشكل التجسيد العملي لانتهاء دور حركة حماس السياسي في الدوحة.
وربما حان الوقت لحركة حماس بأن تسلم جميع ملفاتها السياسية وملف الأسرى للجهات الرسمية الفلسطينية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في غزة والضفة، وأن تسعى الى واقعية سياسية جادة كنا قد لمسناها في رسالتها الى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في أيلول الماضي.
بعد ان أدت حماس الغرض المطلوب منها في خدمة الأطراف الإقليمية وبشكل خاص الدور القطري على مدار سنوات طويلة، وهي التي مولت ورعت الانقسام الفلسطيني بالتوافق مع الأطراف الأخرى وبما في ذلك مع إسرائيل التي تعاملت مع هذا الملف في إطار شراكة مكتملة مع قطر في محاولة للنيل من دور القيادة الفلسطينية والمواقف التي تعبر عنها منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا.
يبدو أن لحظة الفراق قد حسمت بقرار قطري يدعو قيادة الحركة لمغادرة أراضيها تلبية لقرار جاءها من واشنطن لإغلاق مكتب حماس بالدوحة، والطلب من القيادات الحمساوية البحث عن ملاذ جديد لهم، ويأتي كل ذلك بعد أن استغلتهم قطر في خدمة مصالحها وأهدافها حيث حاولت العباءة القطرية ان تقوم بدور أكبر منها وعبر شبكات وأدوات مختلفة بما فيها حماس وبعض القوى الإسلامية التي وجدت ضالتها ي قطر، وليس صدفة، أن تكون قطر حاضنة الإسلام السياسي وهي التي رعت وموّلت مثل هذه الحركات والقوى الوظيفية في أكثر من بلد عربي.
قطر هي التي سبق لها دعم حماس من أجل أن ترسخ انقلابها في قطاع غزة، ولا يهممها إذا ما كان الثمن لذلك هو تمرير صفقة القرن الأمريكية والقضاء على المشروع الوطني الفلسطيني بإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس على حدود 1967؛ بهدف تأسيس إمارة لها في غزة، وكنا قد عبرنا عن موقفنا آنذاك وقلنا بأن هذا تدخلاً فظاً ومرفوضاً من أي طرف كان، في الشأن الداخلي الفلسطيني، وهذا اعتداء على السيادة الفلسطينية، وبينا أن القيادة القطرية لا تدرك تماماً حجم أو أبعاد أو مخاطر التدخل، الذي يقومون به في الشأن الداخلي الفلسطيني، حيث أنهم لا يدركون أن تدخلهم من شأنه أن يُعمق الانقسام والانتقال به إلى مربع الانفصال.
وكنا قد أكدنا أيضاً على ضرورة أن يراجع الأشقاء في قطر هذه السياسة، التي تعتبر ضارة، وتترك أثراً عميقاً في الشأن الداخلي الفلسطيني، وبالتالي؛ هي مرفوضة، وغير مقبولة، والمطلوب من قيادة قطر، إذا كانوا حريصين على فلسطين، وإنهاء الاحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينية، عدم الزج بأنفسهم في هكذا مواقف تزيد من الانقسام الفلسطيني.
ويبدو لي بعد كل هذه السنوات من احتضان قطر لحماس بعد خروجها من سوريا وجعل الدوحة مقراً دائماً لها، أن هذه العلاقة الغريبة قد شارفت على الانتهاء، حيث صدر القرار من واشنطن، بعد رفض المكتب السياسي لحماس التعاطي مع عرض أمريكي لوقف إطلاق النار والافراج عن الرهائن وخاصة الأمريكيين منهم، ليأتي قرار قطر بإنهاء العلاقة التعاقدية القائمة مع حركة حماس بإعلان الانسحاب من دورها كوسيط حيث تظهر حماس وإسرائيل جدية في ملف المفاوضات، وكذلك إعلانها أن مكتب الحركة في الدوحة لم يعد يفي أو يؤدي الغرض منه.
وبعد كل ذلك ألم تدرك قيادة حماس خطورة وتداعيات المرحلة وافرازاتها، وكل المشاريع التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية والنيل من الثوابت الوطنية ومن حقوق ومنجزات شعبنا التي عمت بدماء الشهداء على مدار عقود طويلة من النضال.
ألم تدرك الضرورة الوطنية للّم الشمل الوطني الفلسطيني تحت إطار منظمة التحرير الفلسطينية، لتعزيز الشراكة الوطنية والسياسية ببرنامج وطني يعزز القواسم المشتركة ويؤسس لمرحلة جديدة نحتاج فيها الى فعل وطني ونضالي لمجابهة التحديات التي تواجه شعبنا وقضيتنا الوطنية.
ألم تدرك بعد طبيعية ما تريده هذه الجغرافيا السياسية أو تلك من حماس أو من غيرها، حيث تستعى هذه الأنظمة الهامشية لتفرض أجنداتها ووصايتها بمالها السياسي كواجهة للإمبريالية الأمريكية التي زعزعت أمن واستقرار المنقطة بفوضاها الخلاقة وبما يسمى الربيع العربي الذي مهد الطريق لمناخات مواتية للسيطرة على المنطقة وتدمير القضية الفلسطينية وإرساء دعائم إسرائيل بالسلام الإقليمي والإبراهيمي المزعوم لتكريس هويتها الجديدة كسيّد مطلق للهيمنة وإقامة ما يسمى الشرق الأوسط الجديد.
خرجت حماس أم لم تخرج من قطر، الموضوع بات واضحاً، وأسدل الستار على مشهدية وصلت الى أخر الفصول، وإذا لم تعي قيادة حماس كل هذه المتغيرات فتلك مصيبة، ستقودها الى أن تصطدم بواقع جديد لتنقل من جغرافيا الى أخرى ومن مقاول الى آخر، لتقدم فيما بعد أوراق الطاعة لعباءة جديدة.