أمد/ ربما يكون ضروريا أن أستهل حديث اليوم بعد انقطاع (إجباري)عن الكتابة لأكثر من ثلاثة أسابيع بفرمان صارم من الأطباء الذين لم يكن بمقدورى أن أعصى لهم أمرا بأن أتوجه أولا وبداية بالحمد لله على كريم لطفه بى للعبور من محنة صحية طارئة دهمتنى دون سابق إنذار وكما يقولون رب ضارة نافعة فقد عرفت وعن يقين ما أملكه من رصيد لا يقدر بثمن فى قلوب المحبين الذين غمرونى بصادق السؤال ووافر الدعاء فلهم منى خالص الشكر وأخص بالذكر أسرة الأهرام التى أكدت لى فى ذروة المحنة صحة المقولة التى طرحتها عندما توليت المسئولية الأولى فى المؤسسة عام 2007 «الأهرام بيتنا جميعا».
والحقيقة أننى لم أستطع أن أتحمل عذاب الانقطاع عن الكتابة أكثر من ذلك بينما تتلاحق الأحداث وتتسارع التطورات فى العديد من الملفات الساخنة ذات الصلة بالأمن القومى المصرى خصوصا ما يجرى فى إثيوبيا من حرب أهلية مدمرة قد يترتب عليها تداعيات مستقبلية تتجاوز أثارها ومخاطرها حدود الخريطة الفيدرالية للدولة الإثيوبية.
ولعلى فى البداية أقول وبكل التواضع: إننى لست خبيرا متخصصا بالشئون العسكرية والاستراتيجية وإنما أملك فقط تجربة مهنية طويلة كمحرر عسكرى تابع حروبا متعددة ومن فضل الله أن هذه التجربة حفزتنى باستمرار على أن أسعى بحثا عن الأسباب والجذور بأكثر من الانبهار والاندهاش بما هو ظاهر على سطح الأحداث بفعل شدة النيران وقوة الانفجارات ومساحات الكر والفر المتغيرة بين لحظة وأخرى فى ميادين القتال.
إن الذى جرى ومازال يجرى فى إثيوبيا أكبر وأعمق من أرقام القتلى والأسرى والنازحين وأكبر وأعمق من أعداد الطائرات والدبابات والمصفحات التى احترقت… ما جرى وأيا كانت النتائج الحالية أو المستقبلية فقد أصيبت الدولة الإثيوبية بفقدان مرعب للتوازن الاستراتيجى وحدث هبوط مزعج للحالة المعنوية سواء داخل المؤسسة العسكرية أو فى صفوف الرأى العام.
إن الأزمة لم تعد قضية تخص إقليم تيجراى وحده وإنما الأزمة اتسعت لتشمل عرقيات وأقاليم أخرى أدت إلى انهيار تحالفات وسقوط ركائز لأهم النظريات التى تأسست عليها فكرة الدولة الفيدرالية فى بلاد الحبشة.. وظنى أن القراءة المحايدة لما يجرى فى إثيوبيا تدفع إلى الاعتقاد بأن الوضع بات جد خطير وبمقدورى أن أقول: إن الصراع الدامى الذى ضرب إثيوبيا بعنف سوف يجعل من إثيوبيا شيئا مختلفا عما كانت عليه قبل بدء هذا الصراع.. وبغير أى استباق للحوادث وبرؤية مراقب سياسى محايد أستطيع القول: إن إثيوبيا بعد أن يتوقف دوى المدافع لن تكون هى إثيوبيا ما قبل تفجر الصراع الدامى… إثيوبيا جديدة بحسابات داخلية وإقليمية ودولية جديدة ومتغيرة بعد أن فقد آبى أحمد شرعيته كرمز جامع وموحد للأقاليم الإثيوبية حسبما ينص الدستور الفيدرالى ولم يعد يملك سوى مشروعية الاستخدام المفرط للقوة للحفاظ على السلطة!
خير الكلام:
<< الجبناء يهربون من الخطر.. والخطر يهرب من الشجعان!
عن الأهرام