كان الحديث يدور عن زيارة نائب رئيس وزراء دولة كيان الاحتلال شاؤول موفاز، عندما اجمع الكل على ايجابية موقف الرئيس الفلسطيني محمود عباس من الحراك الشعبي الرافض لهذه الزيارة، حيث أشارت آخر الأنباء إلى انه قد تم إلغاء الزيارة كنتيجة للرفض الجماهيري. وكان هنالك شعور يمكن وصفه ب”الجميل” نتيجة هذا الموقف المتناغم مع الموقف الشعبي، وأسهب البعض في الحديث عن ضرورة استثمار المواقف الشعبية والجماهيرية التي تعتبر بدون شك إسنادا للقيادة في مواقفها المختلفة، بدلا من التعامل معها وكأنها مواقف مضادة لهذا القيادة.
في هذا السياق “إسناد المواقف الجماهيرية والشعبية للمواقف الرسمية” يمكن استرجاع عشرات المواقف الرسمية لقادة الكيان الصهيوني، الذين طالما تذرعوا بمواقف جماهيرهم، وان ديمقراطية الدولة الصهيونية لا تسمح لهؤلاء القادة اتخاذ مواقف متضاربة مع مواقف الجماهير، وكنا قد نادينا في أكثر من منسابة ضرورة اخذ المواقف الشعبية والجماهيرية في الحسبان، والنظر إليها بايجابية وعلى انها السند الذي يمكن للقيادة الفلسطينية الركون إليها في حال تعرضها للضغوط من اجل تقديم التنازلات أو المزيد منها، لكن لا حياة لمن تنادي.
ما تناقلته الأنباء عن إلغاء الزيارة، أو تأجيلها، انسجاما مع الرفض الشعبي لها واستذكارا لكل الضحايا الذين سقطوا على أيدي شاؤول موفاز وعصاباته، يجعلنا نتفاءل من أن هذا الموقف الفلسطيني لن يكون الأخير في التعاطي مع رأي الجماهير كعامل دعم للقيادة، لا كعامل هدم.
من الواضح أيضا أن الربيع العربي لم يكن بعيدا عن مثل هذا القرار الذي تم اتخاذه من قبل الرئيس الفلسطيني، خاصة وان الكثير من القضايا أصبح ينظر إليها ويتم التعامل معها بشكل مختلف في الدول العربية، بعد انطلاقة الربيع العربي في أكثر من بلد، ويمكن الإشارة إلى ما يجري في بلد جار كالأردن، حيث يتم التعامل مع العديد من لملفات بشكل مختلف تماما عما كان عليه الوضع قبل فوز مرسي ونجاح حركة الإخوان المسلمين في الحصول على الرئاسة في مصر على الأقل.
قرار الرئيس محمود عباس، يبدوا انه لم يعجب بعض رجال الأمن في السلطة الذين أدمنوا على التعامل مع قوى المعارضة بشكل عنيف وغير مقبول، حيث لم يستطع هؤلاء الخروج من عقلية السجان ورجل الأمن الذي يعتبر نفسه -قبل الآخر- على انه أداة للقمع، وانه خلق للقيام بهذا الدور، أو انه تمت “برمجته” لهذا السبب فقط، وهو يرفض التنازل عن هذه الصفة، فتراه يتعامل مع كل ظاهرة مخالفة بغض النظر عن مدى حضاريتها ومدى صحتها وضرورتها، على انها تستهدف الاستقرار وتهدد الأمن والأمان، وهذا ما يجب التنبه له وتنبيه هؤلاء الثلة من قوى الأمن، أن ليس كل من خرج إلى الشارع هو مارق أو أفاق.
ما جرى في رام الله ومحاولة قمع الذين خرجوا ضد زيارة المجرم موفاز، لا يجب التعامل معهم على انهم من عوامل أو معاول الهدم، بل يجب النظر إليهم على انهم يحاولون إيصال صوتهم بشكل شرعي قانوني محمي من القانون والدستور، وان محاولة الاعتداء عليهم لا يوجد لها ما يبررها خاصة وان العديد من الأشخاص أصيبوا بجراح كما أوردت بعض وكالات الأنباء.
خلال الثورة في سوريا، وعندما خرج أطفال درعا، تصدى لهم رجال القمع في سوريا، وكانت النتيجة ان ثورة عارمة عمت ولا زالت في هذا البلد، وبعد ذلك، لم يحتمل رجال الأمن حنجرة إبراهيم قاووش، فقاموا بجزها، وبعد ذلك قام هؤلاء بتكسير أنامل علي فرزات رسام الكاريكاتير المعروف، وبعد وقبل ذلك قامت قوات الأمن السورية باعتقال وتعذيب العشرات لا بل المئات وربما الآلاف من المثقفين والفنانين وسواهم>
هؤلاء لم يحمل أي منهم بندقية، ولا قنبلة ولا صاروخا، وأي منهم لم يهدد الأمن القومي لسوريا، عليه فان أحدا لا يمكن أن يصدق كل أكاذيب النظام هناك، ومن أن السبب في التصدي للانتفاضة السورية بكل هذه الدموية والعنف والقصف بالطائرات والدبابات، هو انها كانت إرهابية، حيث تعاملت الدولة بقواها الأمنية وشبيحتها وكل ما تملك من قوة مع كل المظاهر السلمية على انها مظاهر إرهابية ومجموعات إرهابية.
ما جرى في رام الله، لم يكن مختلفا عما جرى في درعا أو سواها من المدن بداية الثورة، حراك سلمي بامتياز، وعلى هذا الأساس يجب التعامل معه على هذا الأساس، وليس هنالك من داع أن يتم تحريك قوى الأمن والتعامل مع الناس بقسوة، الناس في رام الله وفي فلسطين بعامة، ليسوا بحاجة إلى شبيحة، فلديهم قوات الاحتلال الكفيلة بان تفعل أكثر مما قد يفعله أي شبيح، إلا إذا كانت الصورة غير واضحة بما يكفي للفهم.