رام الله /يرى محللون ان ادارة دفة الاعلام العربي تنوعت خلال العدوان على قطاع غزة ما بين المنحاز والمحايد، ومن يمارس الازدواجية في نقل الاخبار، وانشغال الاعلام المصري بهمومه الداخلية، فيما وجدوا تقدما ملموسا لدى الاعلام الفلسطيني المحلي من حيث الحصول على السبق الصحفي والتغطية الشاملة للاحداث وتوثيقها، الا انه لوحظ عدم وجود تحليل عميق للاحداث وضعف الاعلام الحكومي بمخاطبة وكالات الانباء العالمية لايصال رسالتهم للجمهور الاجنبي.
ويقول الخبير الصحفي المتابع للتغطيات الاعلامية عبد الكريم سمارة ، “انه على صعيد الاعلام العربي، فقد تباينت التغطية، ويجب الاشارة الى ان الجزيرة استعادت شعبيتها لدى جمهورها بفلسطين، من خلال تغطيتها الشاملة اخباريا وتحليليا وميدانيا”. وتابع قوله: “كذلك قناة الميادين اما العربية فقد كانت تغطيتها اقل، اما بالنسبة الاعلام الرسمي العربي، باستثناء الاعلام المغاربي- تونس، الجزائر والمغرب- المؤيد للمقاومة دون تحفظ، فان المحطات العربية الرسمية غطت الحدث بحيادية “شبه تامة”.
وعلى المستوى المحلي للتغطية، فقد اشار سمارة إلى ان الاعلام الرسمي (هيئة الاذاعة والتلفزيون الفلسطينية) في البداية تميزت التغطية بالحذر والتركيز على الضحايا والخسائر، مع اشارة الى المقاومة. لكن وبعد التوافق الوطني على الموقف من العدوان، تميز الاعلام الرسمي بالتغطية الشاملة والجيدة.
اما الاعلام الفصائلي، مثل فضائية “فلسطين اليوم”، وفضائية “الاقصى”، فقال: “هو اعلام تعبوي وفي حالة الحرب من الطبيعي ان يتجند هذا الاعلام كاعلام حربي، ومن الانصاف الاقرار بان هذه الفضائيات لم تكن محض فصائلية، وان كانت تمجد الاجنحة العسكرية وهذا طبيعي، الا انها فتحت الهواء لكل الفصائل والتيارات”.
واردف قائلا: “اما الاعلام الخاص، فقد تراوحت نسبة التجنيد فيه من محطة الى اخرى، الا ان معظم المحطات، الى جانب يومية القدس، افردت مساحات واسعة من الهواء والصفحات واعطت الاولوية لتغطية مجريات الحرب والعدوان، على صعيد التغطية الخبرية ونقل الاحداث.
اما على صعيد التحليل، والنقاش العميق فيرى سمارة ان نقصا حادا شاب تغطية وسائل الإعلام العربية والمحلية.
واوضح ان ما نقص في الاعلام المحلي تحديدا والعربي عموما، هو التحليل والمواجهة الصريحة، والاجابة على اسئلة المواطن الفلسطيني، مثل، ماالذي تسعى اليه اسرائيل من هذه الحرب؟ ومن هو المسؤول عن اندلاعها ولماذا لا تتفاعل الضفة مع غزة بالصورة المطلوبة، فالحياة فيها طبيعية تماما، وهل يكفي جمع التبرعات والاعانات، وما هو موقف القيادة، وكيف انعكس انهاء الانقسام على الاداء السياسي لطرفي الخلاف.
بدوره، قسم المحاضر في كلية الاعلام بجامعة بيرزيت محمد ابو الرب الاعلام العربي لـ3 انواع من حيث تغطية العدوان على قطاع غزة، والحديث في هذا السياق عن (الفضائيات)، النوع الأول هي الفضائيات التي ارادت ان تكون قريبة من الواقع الفلسطيني وتنقل معاناته، والثانية هي الفضائيات الحكومية على امتداد الوطن العربي التي لم تخرج بتغطيتها عن الاسلوب الدبلوماسي، والثالثة هي الفضائيات السياسية، والتي تمثل سياسات دول مثل قناتي (العربية والجزيرة).
واوضح ابو الرب ان الفضائيات العربية كانت تغطيتها للعدوان الاسرائيلي عام 2008 اوسع من العدوان الحالي عام 2014، نتيجة انشغال وسائل الاعلام العربية بهمومها الداخلية، وعلى وجه الخصوص الاعلام المصري.
ويرى ابو الرب ان قناة الجزيرة اثارت جدلا كبيرا خلال تغطية العدوان على قطاع غزة، من حيث الازدواجية في الخطاب الاعلامي بين قناة الجزيرة الناطقة باللغة العربية والجزيرة الناطقة في اللغة الانجليزية.
اما قناة العربية فكان المأخذ عليها من قبل الجمهور المتابع لها هو استخدام مصطلحات مثل (قتيل) بدل مصطلح (شهيد) عن ضحايا العدوان.
وقال ابو الرب: “الجزيرة الناطقة بالعربية كانت تحاول ان تكون صوت الناس وتنقل العدوان على قطاع غزة، وتستخدم المصطلحات المناسبة لذلك ولا تخرج عن السياق الذي يوده المتلقي العربي، بينما الجزيرة الناطقة باللغة الانجليزية فقد كانت تحاول ان تقدم قصتين واحدة فلسطينة واخرى اسرائيلية لكسب الجمهور الاجنبي”.
ويرى ابو الرب ان استضافة المتحدثين الرسميين الاسرائيليين على الفضائيات العربية يحدث خرقا كبرا، مشيرا الى ان احراجهم ليس هدفا، فهم لا يتأثرون بهذا الاحراج لانهم مدربون جيدا”. وتابع قوله: انهم بكل الاحول يحاولون إيصال رسالتهم للمتلقي الفلسطيني والعربي بشكل غير مباشر وإحداث تأثير مدرك، وهذا ما يسمى بلغة الاعلام “الايديولوجيا الناعمة”، والتي تعني تقديم الرسالة الاعلامية بشكل غير مباشر وعلى جرعات.
واوضح ابو الرب ان المتحدث باسم الجيش الاسرائيلي افيخاي ادرعي عندما افتتح صفحتة على “فيس بوك” لاقت رواجا كبيرا نتيجة استضافاته السابقة على الهواء مباشرة.
وحول ذلك علق سمارة بقوله: “كل قناة محكومة بسياسة ممولها، واذا قصدت الجزيرة، فلا شك ان هذه السياسة متبعة منذ تاسيس القناة، ولكن، اذا كان لا بد من استضافة اسرائيلي فلماذا المتحدث العسكري او الناطق باسم الخارجية، ممن يكررون مصطلحات فقدت معناها، فهما كررا “الدروع البشرية ” مليون مرة، اقول اذا كان الهدف الوقوف على الموقف الاسرائيلي، كان يجب استضافة محللين عميقين، هم كثر في اسرائيل، او سياسيين كبارا، هذا افضل من استضافة من يتحدثون العربية. ولا يكفي ان يكون المقدم شرسا مع الضيف الاسرائيلي فهذا لا يعني شيئا”.
وحول تغطية الاعلام المحلي للعدوان، يرى ابو الرب انه كان هناك تقدم ملموس عن تغطية العدوان عام 2012، من حيث التغطية المباشرة والآنية بنقل الخبر وانتشار المراسلين لتوثيق جرائم الاحتلال، مشيرا إلى ان “الفضائيات” الفلسطينية، تميزت بالابتعاد عن الخطاب الحزبي والتحريض الداخلي، وساهمت بتعزيز الجبهة الداخلية، كما ان المواقع الاخبارية الفلسطينية عملت على نقل الاحداث اول بأول من خلال الاخبار العاجلة والتقارير المتنوعة حول العدوان والمقاومة، سوى ان ما غيب عن الاعلام الفلسطيني كان “عدم وجود وسيلة اعلامية ناطقة باللغة الانجليزية وتحدث منتوجها الاعلامي بشكل مستمر”.
واضاف قائلا: “وزارة الخارجية الاسرائيلية تمتلك صفحة “فيس بوك” وتنشر عليها كل تقاريرها، اضافة لتفاعلها مع الاعلام العالمي، اما وزارة الخارجية الفلسطينية فلم تمتلك اعلاما فاعلا ناطقا باللغة الانجليزية، وهذا انعكس على تعاطي وكالات الاعلام العالمية مع الخبر الرسمي الفلسطيني.
واضاف: يجب ان نميز بين ما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي، الذي يلعب دورا في التاثير على الوعي الجماهيري والافراد، وبين وسيلة اعلام رسمية ناطقة باللغة الانجليزية لان وكالات الانباء العالمية تهتم ان تحصل على اخبارها من جهة رسمية.
وبين ابو الرب ان مركز الاعلام الحكومي حاول ان يغطي هذا النقص، لكنه واجه قصورا في الاداء حيث كانوا يمتلكوا عناوين بريد الكترونية لجهات متعددة ويرسلوا اليها القصص الانسانية وبيانات حكومية رسمية، لكن هذا لا يكفي، وانما يجب تقديم اضاءات على مواضيع مختلفة عند مخاطبة الاعلام الاجنبي، وعدم الالتزام بالخطاب البروتوكولي، والاستفادة من تقارير الامم المتحدة والمؤسسات الانسانية الاسرائيلية مثل بيت سيليم وغيرها، حيث انه عادتا ما تواجه البيانات الرسمية الفلسطينية اتهام “الانحياز”.
القدس دوت كوم – محمد ابو الريش