عندما هبط الرئيس جيرالد فورد من طائرة «اير فورس1» في زيارته للنمسا، العام 1965، زلت قدمه وتدحرج عن درج الطائرة وارتطم بالأرض. وفي زيارة رئاسية لبولندا، العام 1977، تمت ترجمة خطاب جيمي كارتر على أنه «يسعى الى معرفة البولنديين بشكل ملموس»، وأنه غادر الولايات المتحدة «كي لا يعود». واثناء وجبة ملوكية تمت اثناء زيارة البرازيل، العام 1982، رفع رونالد ريغان نخبه احتراماً لرئيس الدولة في حينه، جوآو فيغريدو، و»للشعب الفخور في بوليفيا». وفي العام 1992 شعر الرئيس جورج الأب بوعكة صحية اثناء مأدبة ملوكية في طوكيو، وتقيأ مباشرة نحو رئيس حكومة اليابان. وفي العام 2006 زعزع الرئيس بوش الابن المستشارة الألمانية، انغيلا ميركل، أثناء قمة «جي 8» عندما بدأ بعمل المساج لأكتافها. وفي العام 2011 في قمة «جي 20» توجه الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، للرئيس باراك اوباما وقال له: «لقد ضقت ذرعاً ببنيامين نتنياهو، فهو كذاب». أما اوباما فأجابه: «أنت ضقت ذرعا؟ أما أنا فيجب عليّ التعامل معه بشكل أكثر منك».
يستطيع دونالد ترامب أن يكون على ثقة بأنه اذا ارتكب خطأ في زيارته الأولى خارج الولايات المتحدة، التي بدأت، أول من أمس، في السعودية، فهو لن يكون الرئيس الاول الذي يحدث معه ذلك. وبالتأكيد ليس الأخير. مشكلة ترامب، حسب مساعديه، هي أنه لم يبق له مجال كبير للمناورة. خطأ آخر محرج أو تصريح غير ناجح أو ردّ غبي حول العلاقة الظلامية مع روسيا ومحاولته وقف التحقيق، قد تجعل ترامب يتجاوز نقطة التحول؛ الأمر الذي سيجعل إمكانية عزله إمكانية فعلية. واذا حكمنا بناء على التقارير في وسائل الاعلام الأميركية، حول الوضع المعنوي للمُشرعين الجمهوريين في الكونغرس، وطواقمه في البيت الابيض، فان هذه النقطة قريبة جداً.
أثناء سفر ترامب إلى السعودية استمرت الضربات أيضا في النزول على رأسه. وقال مساعدوه إنه لم ينم بشكل جيد خلال الرحلة. في البداية تم نشر نبأ عن كيفية تخلصه من رئيس الـ»اف.بي.آي»، جيمس كومي، وكيف أن هذه الخطوة حررته من ضغط التحقيق في علاقته مع الكرملين. بعد ذلك تبين أن تحقيقات الـ»اف.بي.آي» توجد في مرحلة متقدمة، وأن أحد مساعديه الرفيعين والمقربين من ترامب في البيت الابيض، يوجد على المهداف. تتأرجح التوقعات في وسائل الاعلام بين ستيف بانون، المستشار المقرب الذي يوجد على يمين ترامب، وبين صهره غارد كوشنر. وقد يتعرض ترامب الى التورط مع بانون الذي شهدت علاقته به صعوداً وهبوطاً، لكنه سيجد صعوبة في إعادة الصحوة من التهمة الرسمية لوالد أحفاده وزوج ابنته المحببة إليه، افانكا. واذا حدث ذلك فقد يتحول ترامب الى حيوان جريح وخطير.
الخطر القريب والفوري على ترامب هو أن كومي وافق على تقديم شهادة علنية أمام لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ، في بداية الشهر القادم كما يبدو. ليس فقط أن هذه الشهادة ستتحول على الفور الى المسرحية الكبرى في العالم، وإلى قنبلة مشاهدة لم يسبق لها مثيل، بل من شأنها أن تدق مسماراً آخر في نعش ترامب السياسي. مع جميع الشكاوى ضد كومي من جانبي المتراس السياسي، إلا أنه ما زال يحظى بمستوى عال من المصداقية والمكانة، وبيقين أكثر من ترامب نفسه. كومي سيدلي بشهادته مع رغبة قوية بالانتقام، وإعادة احترامه الضائع.
الاستقبال الفاخر الذي حظي به ترامب، أول من أمس، في السعودية والذي ظهر كأنه أُخذ من افلام علاء الدين أو علي بابا والأربعين حرامي، لن يعمل على تحسين وضع ترامب، وذلك منْح الملك سلمان ترامب وساماً على اسم الملك سعود، مؤسس السعودية الذي أعطى حقول النفط لشركات النفط الأميركية في الثلاثينيات من القرن الماضي… كل ذلك لن ينشئ انطباعاً كبيراً في الرأي العام الأميركي.
التداعيات بالنسبة لليهود والاسرائيليين ليست مريحة بالتأكيد: التحالف بين السعودية والولايات المتحدة تم في اللقاء الذي أجراه الملك سعود مع الرئيس روزفلت على متن سفينة أميركية في جنوب قناة السويس في شباط 1945. حيث أحضر الملك معه الى اللقاء 8 خراف من أجل ذبحها، وأحضر معه أيضا كراهيته الكبيرة لليهود بشكل عام وكراهيته للمشروع الصهيوني بشكل خاص. وقد حاول روزفلت إقناع الملك سعود بعدم معارضة هجرة اليهود الى إسرائيل، لا سيما بعد الكارثة. ولكن يبدو أن ملك السعودية هو الذي نجح في إقناع روزفلت بأن الوضع معقد أكثر مما يعتقد. في خطاب في الكونغرس في آذار 1945 أوضح روزفلت بأنه بعد محادثة مدتها خمس دقائق مع الملك سعود فهم كل ما لم يفهمه من قبل. وبعد بضعة اسابيع توفي روزفلت، الامر الذي يمكن وصفه الآن وكأنه عقاب من السماء.
صفقة السلاح بمبلغ 110 مليارات دولار، التي تساوي كل ما قدمته الولايات المتحدة على مرور الزمن لاسرائيل، هذه الصفقة التي يفترض أن تصل الى 350 مليار دولار في العقد القادم، سيتم التعامل معها في الولايات المتحدة بشعور متناقض. فمن جهة لا شك أن هذا الامر سيشجع الاقتصاد والصناعة، ومن جهة اخرى لا يجب نسيان أن الحديث يدور عن دولة من الدول الاكثر اشتباها والاقل اعجابا في الولايات المتحدة. وحسب استطلاع غالوب لشهر شباط الماضي، فان شعبية السعودية تفوق شعبية روسيا بقليل، لكنها أقل كثيراً من شعبية الصين وكوبا.
وقد اتهم دونالد ترامب، مؤخراً، بشكل فظ، السعودية بوقوفها وراء عمليات الحادي عشر من أيلول. وهذا هو ترامب نفسه الذي زعم قبل بضعة اشهر بـ»في السعودية يرغبون في قتل المثليين وتحويل النساء الى أدوات للمتعة». وقد استمر ترامب في هذا النهج ايضا في الايام الاولى بعد انتخابه، وطلب وقف استيراد النفط من السعودية بشكل كامل. وكان ذلك قبل بضعة أيام من جري الأمير محمد بن سلمان وراءه. حدث هذا قبل الزيارة إلى البيت الابيض بأربعة أشهر، أي قبل الإعلان عن حدوث تحول في العلاقة بين الدولتين. ويمكن القول إن ترامب استقبل مثل «لورانس العرب»، إلا أن لورانس في حينه تحفظ على الملك سعود، وحذر من الاسلام المتطرف الذي يدعمه. وهي الديانة التي يعتقد ترامب أنها تكره الولايات المتحدة، وأنه يجب اتخاذ جميع الخطوات ضد المسلمين.
الاسرائيليون الذين سيستضيفون ترامب ينتظرون هبوطه بعصبية، ويعتبرون أن استئناف العلاقة بين الرياض وواشنطن هو نصف الكأس المليء. كانت حكومة نتنياهو شريكة في تحفظ السعودية الكبير على باراك اوباما وعلى اهتمامه الزائد بحقوق الانسان، دون التحدث عن إدارة ظهره للرياض والقدس عند توقيع الاتفاق النووي مع ايران، وتبادل الأحاديث بين اوباما والرئيس حسن روحاني الذي انتخب مجددا، هذا الاسبوع. لو أن خصمه ابراهيم رئيسي فاز في الانتخابات، مع تحالف من يعارضون الاتفاق مع الولايات المتحدة، لكان من الاسهل على نتنياهو وترامب تجنيد الرأي العام لزيادة الضغط على ايران أو الغاء الاتفاق. توافق اسرائيل على اعطاء السعودية السلاح المتقدم لردع طهران، وكبح جهودها من اجل السيطرة الاقليمية.
اذا لم ترتجف يد ترامب اثناء التوقيع على صفة السلاح مع السعودية، فان المراقبين في اسرائيل سيكونون قلقين. أولاً، التفكير بأن ترامب الجاهل والنرجسي، الذي سلّم قبل بضعة ايام مصدراً اسرائيلياً في «داعش»، يقف الآن على رأس الجبهة ضد إيران، وهذا يجب أن يثير الزعزعة حتى في اوساط اولئك الذين يكرهون اوباما. ثانيا، مع كل الاحترام للتحالف الاستراتيجي بين الولايات المتحدة واسرائيل، فان الحديث يدور عن السعودية. وهي السعودية ذاتها التي حاولت اسرائيل واللوبي اليهودي في واشنطن منعها من الحصول على طائرات «أواكس» و»اف 15» الأميركية خشية توجيهها ضدها في يوم ما. وهي السعودية ذاتها التي نشرت اللاسامية والأصولية في أرجاء العالم، وهي السعودية ذاتها التي نشأ فيها ابن لادن، والتي وصفها دوري غولد في كتاب له، العام 2004، بـ»مملكة العداء»، وهي أساس الإرهاب الدولي. وهي السعودية ذاتها التي ستحصل الآن على الطائرات والدبابات والمضادات للصواريخ الاكثر تطوراً من الموجودة في إسرائيل.
ينتظرون في القدس الآن رؤية ما إذا كان ترامب نجح في الحصول على اقتراح للتطبيع مقابل خطوات بناء الثقة التي لا تصل الى التجميد الكامل للبناء في المستوطنات. وهو الاقتراح الذي تنتظره إسرائيل منذ سنوات. وفي هذه الاثناء ترامب مدين للسعودية بنحو نصف تريليون دولار من اجل استثمارات فورية واستثمارات بعيدة المدى. وهو لن يسارع الى الضغط عليها من خلال نقل السفارة الأميركية الى القدس، أو السماح بالبناء الكثيف في المستوطنات، أو المصادقة على الضم الجزئي لمناطق في الضفة الغربية. في عهد اوباما اعتاد اليمين على التلويح بالتوتر بينه وبين السعودية كاشارة إلى أن اسرائيل ليست وحدها خائبة الأمل منه، لكن القطيعة بينه وبين الرياض كانت لها ميزة جيدة وهي أن اوباما لم يكن يلتزم بها بشكل كبير.
إن من كان يكره سياسة اوباما المتزنة يجب عليه الاعتراف الآن أنه كان منهجيا على الأقل. لم يكن أوباما ليقول أي شيء يناقض ما قاله أول من أمس، أو ليتخذ خطوات مناقضة لسياسته المعروفة. اسرائيل قلقة من أن يقوم ترامب بالقائها الى المياه الهائجة إذا قرر ذلك، أو إذا قالت السعودية إنها لن تستمر في دفع المليارات.
هل يتم عزل الرئيس الأميركي؟ إسرائيل تخشى أن يلقيها ترامب في “المياه الهائجة” مقابل المليارات السعودية!
Leave a comment