في الوقت الذي كان فيه المقاتلون السنة من تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش” يندفعون ويتدفقون جنوباً إلى داخل العراق في الشهر الماضي، أعلن بيان من “عصائب الحق”، إحدى المليشيات الشيعية العراقية الرئيسية التي تقاتل مجموعات الثوار في سورية، أنها قامت بسحب مقاتليها للتعامل مع هذا التهديد.
لا شك أن ذلك شكل أخباراً سيئة لبشار الأسد، الذي يعول نظامه بشكل كبير على دعم هذه المليشيات شبه العسكرية. وسوف يشهد فقدان هؤلاء المقاتلين دمشق وهي تسعى على الأرجح إلى الحصول على المزيد من الدعم من حزب الله، تاركة المجموعة اللبنانية تواجه مأزقاً مميتاً -لأن كل مورد يخصص للكفاح الإقليمي ينطوي على إمكانية إضعاف الأمن المحلي.
بعد أن انجروا إلى الصراع الدائر في سورية عندما أخذ انعطافة أكثر طائفية خلال العام 2013، سافرت أعداد كبيرة من رجال المليشيات الشيعية عائدة إلى العراق للقتال إلى جانب الحكومة في بغداد. وعلى عكس العديد من المقاتلين الأجانب السنة، فإن هذه الوحدات الشيعية تتوافر على تدريب جيد وعلى معدات جيدة، وتتمتع غالباً بالخبرة في الحرب غير النظامية والأعمال القتالية الخاصة بالوحدات الصغيرة، وهو الشيء الذي أبرزه فيليب سميث من جامعة ميريلاند.
كانت مهارة هؤلاء المقاتلين وخبرتهم، ناهيك عن أعدادهم، قد لعبت دوراً كبيراً في تمكين النظام السوري من فرض سيطرته البطيئة في العام الماضي، لكن التقييمات الراهنة من جانب محللين في “الأبعاد الخمسة الاستشارية” في دبي، تشير إلى أن القتال العنيف في العراق يمكن أن يشهد عودة 25000 مقاتل إلى الوطن.
سوف يترك انسحاب هؤلاء المقاتلين المخضرمين الحكومة السورية مع الشعور بالقلق بسبب التراجع المحتمل في أمن المناطق التي يتمركزون فيها. وكانت صحيفة “ديلي ستار” اللبنانية قد نقلت مسبقاً عن سكان في ضاحية دمشقية، حيث كان متشددون عراقيون يقاتلون وحدات من الثوار، قولهم إنهم لاحظوا بالفعل نقصاناً في أعداد هؤلاء المقاتلين، وهو وضع مرشح للتزايد فقط فيما يتقدم الجهاديون السنة أكثر في داخل العراق.
مع تنامي قوة “داعش” في عموم المنطقة، وقيامها بشحن المواد التي تغتنمها إلى وحداتها في سورية. وثمة أجزاء من دمشق وغربي سورية، والتي تقوم بالدفاع عنها أصلاً وحدات من ميليشيات حزب الله، وستأمل الحكومة الآن في إمكانية تعويض جزء كبير من النقص بالتزام أكبر من جانب المجموعة اللبنانية.
يتلقى هذا التصور تأكيداً من جانب مصدر مخابراتي عسكري في البلد، والذي كان قد أبلغ “الأبعاد الخمسة” مؤخراً بأنه يعتقد بأن حزب الله قد بدأ حملة تجنيد في معاقله في جنوب بيروت. وبينما يظل من الصعب تأكيد أرقام دقيقة عن ذلك، أشار المصدر إلى أن المجموعة تسعى إلى إرسال نحو 3000 مقاتل آخرين إلى سورية، بالإضافة إلى ما يقارب 15000 مقاتل من الموجودين هناك أصلاً.
بالإضافة إلى ذلك، أكد الأمين العام لحزب الله جهاراً على أن الحزب سيفعل كل ما في استطاعته لحماية الأماكن المقدسة الشيعية في العراق من “داعش”، وقال: “إننا مستعدون للتضحية بشهداء في العراق بخمسة أضعاف الذين ضحينا بهم في سورية من أجل حماية الأضرحة، لأنها أكثر أهمية بكثير”. وفي ترديد لصدى الخطاب الذي يستخدم لتبرير التدخل في سورية، فإن في هذا إيماءة إلى استمرار الالتزام بالنزاع الإقليمي الذي انخرطت فيه المجموعة إلى جانب الحكومتين في دمشق وطهران.
مع ذلك، فإن المدى الذي تستطيع معه المجموعة الوفاء بإقحام عدد أكبر من رجالها في القتال في سورية والعراق من دون إلحاق الضرر بأمنها في لبنان، يجب أن يكون موضع تساؤل. ففي أيلول (سبتمبر) من العام 2013، وفيما كانت المنظمة تقوم بالتجييش رداً على ضربات جوية غربية تم التهديد بتوجيهها ضد سورية، تردد أن مقاتلين نظاميين في وادي البقاع كانوا يتركون مواقعهم، وفي العاصمة اللبنانية بيروت، تم استبدال رجال يتوافرون على خبرة في نقاط التفتيش الأمنية بشباب مراهقين.
يأتي هذا الدليل على تقلص القوى العاملة في نفس الوقت الذي يبدو فيه أن التمويل الإيراني للمجموعة يمر في طور الوهن، حيث اضطر الجناحان، العسكري وجناح الخدمات الاجتماعية لدى حزب الله على خفض النفقات. وتواجه المجموعة مسبقاً تحدياً مالياً بعد تعهدها بدعم عائلات ما يزيد على 500 مقاتل كانوا قد قتلوا في سورية، بالإضافة إلى التكاليف المضافة لمزيد من التجنيد والتدريب، وهو ما لن يكون سهلاً على الامتصاص.
يشير هذا إلى أن أي زيادة في التواجد السوري للمجموعة سيكون معيقاً لقوتها في الوطن. لكن حزب الله لا يستطيع الآن احتمال أي ضعف محلي. وقد أكد التفجير الانتحاري الذي دك ضاحية الطيونة يوم 24 حزيران (يونيو) الماضي طبيعة التهديد الذي يواجه المناطق الشيعية في المدينة. وعندما يؤخذ إلى جانب التفجير قبل الأوان لمفجر انتحاري في فندق في غرب بيروت يوم 25 حزيران (يونيو) يظهر أن المتشددين السنة يستمرون في البحث عن فرص لتنفيذ هجمات ضد الشيعة.
بهذا نجد أن قيادة حزب الله تواجه راهناً خياراً صعباً على الهضم. لقد ضحت بالكثير جداً من أجل التخلي عن نضال إقليمي ترى أنه وجودي، ويجب أن تستمر في الوقوف إلى جانب الرئيس الأسد. ومع ذلك، فإن كل رجل يرسل إلى دمشق يعني واحداً أقل للدفاع عن معاقل المجموعة في “الضاحية” في بيروت وعن سمعتها. وسيكون إيجاد التوازن المناسب صعباً بشكل استثنائي.
الغد الأردنية