بينما يقوم الثوار بتوسيع منطقتهم عبر العراق، يجري حث نوري المالكي على توسيع تكوين حكومته الطائفي، أو أنه سيواجه أفق العزلة والهزيمة.
* * *
بعد أسبوعين من السقوط الدرامي لأجزاء من العراق في أيدي الثوار السنة بقيادة المجموعة الجهادية الشرسة، الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش”، خفتت حدة الأعمال القتالية إلى نقطة غليان أدنى. ومع ذلك، انتشرت الحرارة، مستدرجة المزيد من القوى إلى كل من حالة الاضطراب السائدة في العراق، وإلى الحرب ذات الصلة في سورية المجاورة. ومع عدم وجود أي إشارة إلى إمكانية إحراز تقدم نحو حل سياسي أو هدنة ما، يبدو القتال وأنه سيزداد حدة واتساعاً بشكل أكيد، والذي يأتي معه على طول الخط خطر حدوث كارثة إنسانية أخرى على المقياس السوري، حيث هرب إلى الخارج أو تشرد محلياً نصف عدد المواطنين تقريباً.
على الأرض في العراق، تبدو القوات النظامية والميليشيات الشيعية الموالية لحكومة رئيس الوزراء، نوري المالكي، المسيطر عليها شيعياً، وأنها تحتفظ بخط دفاعي محكم إلى الشمال من العاصمة، بغداد. وفي الأثناء، تستمر قوات البشمرغا الكردية في تأمين حدود تمتد حوالي 1000 كيلومتر (621 ميلاً) عبر شمال وشرق العراق، فاصلة بين كردستان التي تتمتع بحكم ذاتي، وبين المنطقة الثائرة ذات الأغلبية السنية.
لكن الثوار الذين يسيطرون على مناطقهم الشمالية والغربية، تتقدمهم كرأس حربة قوات “داعش” التي يقدر عددها بما يصل إلى 15000 مقاتل، تعززوا بانضمام ميليشيات سنية حليفة. وهم يقومون سوية وبشكل ثابت بمحاصرة جيوب من المناطق التي ما تزال موالية للحكومة في بغداد.
في بعض الحالات، تمكنت “داعش” من إقناع الميليشيات السنية المحلية بإعلان الولاء لها. وفي حالات أخرى، كسبت السيطرة بالقوة، مستولية على مدن وبلدات في محافظة الأنبار، مثل الرطبة والقائم اللتين سقطتا يوم 22 حزيران (يونيو)، بالإضافة إلى المدينة الأضخم، تلعفر، إلى الشمال. ويبدو أن استراتيجية الثوار ترمي إلى تعزيز سيطرتهم على طول نهري دجلة والفرات إلى الشمال من بغداد، بالإضافة إلى منطقة الصحراء الضخمة التي تحد سورية والأردن والعربية السعودية. وكانت “داعش” قد استولت أيضاً على بلدة النخيب الصحراوية التي تقع في منتصف الطريق بين بغداد والحدود السعودية.
نجحت “داعش” إلى حد كبير في تحقيق أهدافها الآنية، رغم أن القوى السنية المعادية لها ما تزال تحتفظ بالسيطرة على مساحات من الفرات في العراق وسورية على حد سواء. وفي الجانب السوري، ينظر معظم الثوار المعادين للحكومة إلى “داعش”، كحليف متظاهر بالقتال ضد نظام الأسد، كمتدخل متطفل خطير، والذي يهدف إلى خلق دولته الخاصة وليس إلى تحرير سورية.
كان الثوار السوريون المعارضون لداعش قد أشاروا في الماضي إلى التردد الواضح عند قوات الأسد في مهاجمة “داعش” كدليل على تعاونها الضمني مع النظام لإضعاف المجموعات الثورية الأخرى. لكن مكاسب الجهاديين المتطرفين في العراق، بما في ذلك استيلاؤهم على أسلحة وأموال، آخذة حالياً في حفز بعض مجموعات الثوار السوريين إلى التحالف مع “داعش”. وذكر، في الأثناء، أن بعض ميليشيات الثوار المحلية في شرقي سورية باتوا يعلنون عن ولائهم لها حالياً.
في كل الأحوال، يبدو أن انهيار قوات السيد المالكي في شمالي وغربي العراق قد أقنع الحكومة السورية، ربما مع دفع حثيث من جانب حليف وثيق، إيران، بأخذ تهديد “داعش” على محمل الجد. وحتى الآن، كان العراق يوفر خط إمداد حيوياً لنظام السيد الأسد، لكنه يمتلك سلاح جو غير مناسب على نحو يدعو إلى الشفقة.
وهكذا، بادرت سورية إلى مد يد العون. ففي الأسبوعين الماضيين، قامت طائراتها بتوجيه ضربات متكررة إلى قوات “داعش” في داخل سورية، وعلى نحو ينطوي على مغزى، عبر الحدود مع العراق أيضاً. ويوم 24 حزيران (يونيو)، تركت غارة جوية سورية شنت على الرطبة 50 قتيلاً على الأقل، معظمهم من المدنيين. وقتلت ضربة شنت يوم 25 حزيران (يونيو) على الرقة، حصن داعش الرئيسي في سورية، دزينة أخرى من القتلى على الأقل. واستمرت الطائرات السورية في الأثناء في ضرب مناطق يسيطر عليها ثوار آخرون، ما أفضى إلى مقتل نحو 50 مدنياً بقنابل البراميل في منطقة حلب خلال الأيام القليلة الماضية.
بينما دخلت سورية الحرب في العراق، جُرّت إسرائيل إلى داخل سورية. فقد هاجمت الطائرات النفاثة الإسرائيلية يوم 23 حزيران (يونيو) تسعة مواضع على الأقل، تابعة للجيش السوري رداً على ما وصفه ناطق إسرائيلي بأنه استهداف سيارة كانت تقل مواطنين إسرائيليين في مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل، ما أفضى إلى مقتل أحد الركاب.
إلى ذلك، تسرب القتال إلى داخل لبنان المجاورة، وليس للمرة الأولى خلال الحرب الأهلية السورية التي مضى عليها ثلاثة أعوام. ففي يوم 20 حزيران (يونيو)، ومرة أخرى يوم 24 حزيران (يونيو)، تدخل الحظ للحيلولة دون أن يتمكن مفجرون انتحاريون في سيارات مفخخة من الوصول إلى أهدافهم المقصودة، والتي يبدو أنها كانت مناطق شيعية من البلد. وقد انفجرت سيارة عند نقطة تفتيش مهجورة كانت تابعة للجيش، بينما انفجرت أخرى عند تقاطع طرق في العاصمة اللبنانية بيروت. ويلوم السنة الجهاديون، بمن فيهم “داعش”، ميليشيات حزب الله اللبنانية الشيعية المفعمة بالقوة، سوية مع المجموعات الشيعية العراقية المسلحة المدعومة من إيران، على إنقاذ نظام الأسد برجالهم ومساعداتهم العسكرية.
كانت تلك المساعدات جزءاً من جهد أوسع من جانب إيران، القوة الشيعية الإقليمية، من أجل بسط نفوذها عبر هلال شيعي يضم حكومة السيد المالكي. وبعدما أصيبت بالصدمة جراء النكسات الأخيرة للجيش العراقي، هرولت إيران إلى إرسال إمدادات عسكرية لأصدقائها في بغداد كما ذكر، والتي اشتملت على معدات إشارة وطائرات من دون طيار. ولعل من المفارقة أن تتقاسم هذه الطائرات راهناً السماء العراقية، ليس مع الطيران السوري الصديق فقط، وإنما أيضاً مع الطائرات الأميركية المنخرطة في مهمة مشابهة لإنقاذ السيد المالكي. وتقول مصادر عسكرية أميركية إنها تقوم راهناً بتنفيذ نحو 50 طلعة استطلاع في اليوم، كجزء من صفقة طوارئ شملت إرسال نحو 300 مستشار عسكري إلى العراق.
تزامن الجهد الأميركي لدعم المالكي مع توجيه نداءات للمالكي، من جانب وزير الخارجية الأميركية جون كيري من بين آخرين، للاتحاد مع خصومه السياسيين. وكان رئيس الوزراء الذي كسب حزبه 92 مقعداً من أصل مقاعد البرلمان البالغ عددها 328 مقعداً في انتخابات نيسان (أبريل)، وأكثر من أي حزب آخر، قد أمضى ولايتين في رئاسة الحكومة وهو يتطلع إلى ولاية ثالثة. ورغم أنه انتهج سياسات أفضت إلى الكارثة الراهنة عبر إغضاب الأقلية العربية السنية وتحييد الأكراد، يبدو السيد المالكي وأنه يعتقد بأنه يستطيع تشكيل حكومة مرة أخرى. وقد يساعد دعم سورية وإيران، بل وربما يقنعه بأن جيشاً شيعياً يستطيع التسيد في الميدان، لكن العديد من رفاقه الشيعة في العراق يريدون منه مغادرة الحكم الآن.
يوم 25 حزيران (يونيو)، صب السيد المالكي جام غضبه في التلفاز على اقتراحات تدعو إلى حكومة “خلاص” تضم معارضيه والشخصيات الحيادية. وهاجم الأكراد ضمنياً حين وجه اتهاماً مقنّعاً إليهم بالتآمر مع العرب السنة من أجل تقسيم العراق. وقد يصبح ذلك واقعاً ما لم يرضخ السيد المالكي للضغوط في الوطن والخارج، ويقدم لخصومه السياسيين بعض الأمل بتسوية عادلة ونزيهة على الأقل.
تقرير خاص – (الإيكونوميست) 28/6/2014