رغم كل الدعم الغربي وعلى رأسه الاميركي للكيان الاسرائيلي كانت الهزيمة العسكرية والنفسية للكيان عام 2000، ذلك بعد انسحابه من دون تحقيق اي مكسب سياسي او غيره. وهذا كان بمثابة جرس انذار للغرب الذي اسس هذا الكيان لتأمين مصالحه الاستراتيجية في المنطقة وعلى رأسها النفط والغاز.
وبعد سقوط الهيبة الاسرائيلية والجبروت لجيش الصهاينة، ذهب الغرب للتفكير بالوجود المباشر في المنطقة لحماية مصالحه وفي الوقت نفسه لحماية هذا الكيان الذي اصطنعه لنفسه. فكان ان اتخذ الاميركي من الهجوم على مركز التجارة العالمي في نيويورك في 11/9/2001 ذريعة للقيام بحرب على افغانستان لاحتلالها.
وعلى الرغم من مشاركة دول غربية وشرقية في هذا الاحتلال، فإن الاميركي وجد نفسه غارقاً في الوحل الافغاني. وتكبد خسائر جسيمة في الارواح، بالاضافة الى تكاليف مالية باهظة. بحيث كان شعار باراك اوباما الانتخابي العمل على الانسحاب من افغانستان بعد تحديد فترة زمنية لذلك. وهنا يسجل اخفاق كبير وفشل ذريع للأميركي الذي خطط للاستيلاء على افغانستان ليكمل زوايا الشرق الاوسط الكبير بعد ان وجد في الزاوية الجنوبية الشرقية في منطقة الخليج. وبذلك ليحاصر إيران وليضرب طوقاً على المنطقة يحفظ من خلاله الكيان الاسرائيلي ويمسك منطقة النفط بشكل كامل.
وكذلك فكّر باحتلال العراق تحت ذريعة تدمير أسلحة الدمار الشامل فيه، فأسقط نظام صدام حسين واحتله عام 2003، ليمسك بمحور الشرق الاوسط الذي خطط له. وليضمن ابتعاد العراق عن محوره في المنطقة لما يمثل من قوة استراتيجية وخطر على الكيان الاسرائيلي فيما لو وقع بيد اعداء اميركا.
لكن ما حصل ان الاميركي غرق في الوحل العراقي مجدداً وتكبد خسائر فادحة بالارواح والعتاد العسكري. وما زاد من خسارته في العراق انه حاول العمل على ترتيبات امنية خاصة مع العراق وابقاء الاف من الجنود تحت ذريعة حماية السفارة في بغداد، ولم يقبل العراق بذلك ليخرج جاراً أذيال الخيبة.
وفي الموضوع الفلسطيني على الرغم من ضغط الرئيس الاميركي جورج بوش الاب وفرض مفاوضات مدريد التي عمل فيها على فصل المسارات التفاوضية وذلك للانفراد بالفلسطيني والاستعجال بحل المشكلة التي يعيشها الاسرائيلي في المنطقة، فإن الاميركي لم ينجح في الوصول الى تسوية فلسطينية ـ اسرائيلية اليوم على الرغم من كل المحاولات والوعود، خصوصاً بعد تحديد عام 2008 كآخر مهلة لاعلان الدولة الفلسطينية على اراضي الـ67. فإن الاسرائيلي عمل على إفشال كل المحاولات من خلال استمراره في بناء المستوطنات وعدم التنازل للفلسطيني في بعض الامور التفاوضية وعلى رأسها اعطاء القدس الشرقية للفلسطيني لتكون عاصمة دولته. وهذا اخفاق ايضاً يضاف الى الاخفاقات السابقة.
وفي موضوع المقاومة في لبنان فإن الفشل الاميركي ـ الاسرائيلي عام 2006 في تحقيق اهدافهما بالقضاء على المقاومة بالكامل على الرغم من الدعم الدولي الذي امنته كونداليزا رايس للعدوان الاسرائيلي، وعلى الرغم من التواطؤ العربي الفاضح والواضح. وبذلك يسجل فشل جديد وهزيمة اخرى.
الأميركي والإسرائيلي
فشلا في التخلص
من المقاومة في قطاع غزة برغم الحصار
وكذلك ما حصل في غزة عام 2008 في عملية الرصاص المصبوب وعام 2012 في عملية عمود السحاب، فإن الاميركي والاسرائيلي فشلا في التخلص من المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة على الرغم من وقوعه تحت الحصار. ليسجل أيضاً اخفاق يضاف الى الاخفاقات السابقة.
وعلى الرغم من محاصرته لإيران لارغامها على الابتعاد من دعم المقاومة في فلسطين ولبنان لم يفلح في الوصول الى اهدافه رغم كل التعب والصعوبات، التي فرضت على الشعب الايراني بفعل العقوبات المالية، ليخفق أيضاً بفرض سياسته على المنطقة.
وبعد سقوط النظام التونسي عام 2011 ولحوق انظمة اخرى على رأسها المصري، عمل الاميركي للاستفادة من الحراك الشعبي الذي بدأ، من خلال استيعاب هذا الحراك واسماه بالربيع العربي في خطوة استباقية لعدم وصول الشعوب العربية لتشكيل انظمة معادية له. ومن جهة اخرى وجد في ذلك فرصة للدخول على خط تشكيل الشرق الاوسط الجديد الذي حاول تشكيله من قبل. ورأى ان تشكيل هذا الشرق الاوسط يتطلب اعادة النظر بسايكس بيكو لانها باتت غير كافية لاضعاف المنطقة، وبدأ بتقسيم السودان لتكون هناك خطوات لاحقة في دول عربية اخرى.
وبدأ المشروع الاميركي في سوريا، مستغلاً بعض الخلل الموجود في الداخل السوري (هذا الخلل الذي يمكن لحظه في الدول العربية كافة)، وقام بحملة دولية عربية لاسقاط النظام السوري وتفتيت سوريا الى دويلات. وعلى الرغم من كل الدعم السياسي واللوجستي للمعارضة المسلحة فإن النظام السوري استعاد المبادرة بعد استعادته لمعظم المناطق المهمة حول المدن الاساسية. ويسجل تراجع لقوى المعارضة بعد انقسامها بفعل التنازع على المغانم التي حصلت عليها. وبعد حصول الانتخابات السورية، وحصول الرئيس الاسد على فوز غير عادي على مرأى من المجتمع الدولي، والذي ساعده في هذا الفوز انكشاف المخطط الرامي الى تمزيق سوريا امام معظم فئات الشعب السوري حتى من بعض المعارضة، ما جعل قسماً كبيراً من المعارضين المستقلين يمضون في اصلاحات سياسية بعيدة من العنف لحفظ سوريا.
وباعتبار أن الاميركي بات لا يحتمل الفشل في اسقاط النظام السوري رمى بكرة النار في العراق على الحدود السورية من خلال دعمه وحلفائه الاقليميين لحركة داعش مع حلفائهم بقايا النظام العراقي السابق والنقشبنديين، لعلّه بذلك يعيد خلط الاوراق فيضغط ايران والعراق وسوريا.
وهنا يطرح السؤال هل ان اعلان دولة الخلافة في العراق يمكن ان يكون مخرجاً للاميركي؟ في الضغط على ايران في عرض المفاوضات النووية مع الغرب؟ وفي الضغط على العراق كي لا يسير باتجاه جبهة الممانعة. وفي الضغط مجدداً على سوريا كي لا يشعر السوري بالارتياح رغم التقدم الميداني والسياسي.
والجواب باختصار ان هذه «الدولة» الحديثة التي اعلنت نفسها لا إمكان لبقائها وديمومتها بالمفاهيم التي يحملها قادتها وباستعدائهم الشعوب والدول. حتى الطائفة التي ينتمون اليها لا يمكن ان تستمر كحاضنة لهم. فهم مجموعة من الارهابيين من اقاصي الارض حصلوا على دعم غربي وعربي لتحقيق مصالح موقتة. ولن يسمح لهم حتى من اسسهم بالبقاء لانهم يشكلون خطراً عليه، لان التجربة اثبتت ألا حدود للتعاطي معهم فهم يمكن ان يفاجئوا الكل حتى من دعهمهم بامور غير مدروسة. انهم ادوات لتفتيت المنطقة مذهبياً وعرقياً. واعتقد ان مشروعاً كهذا دونه عقبات كثيرة:
1- رغبة الناس بالاستقرار.
2- عدم تقبل الناس للافكار السوداء والجرائم التي ترتكب باسم الدين.
3- عدم دعم التجمعات الدينية المعروفة في العالم الاسلامي لها.
4- القسوة التي يتعاطون فيها مع خصومهم، حتى مع من يشاركهم الافكار ويختلف معهم بالتفصيل.
5- لا بد من ان يأتي اليوم الذي تشعر فيه كل دول المنطقة بالخطر بالاضافة الى الغرب الذي بدأ بالاشارة الى ذلك.
6- اي تفاهم داخلي او اقليمي حول وضع العراق سيؤدي الى تعاضد الكل لمواجهتهم من داخل العراق وخارجه.
باختصار استمرارهم امر صعب، لان الحاضنة لهم وهي الطائفة السنية هي التي ستلفظهم. وان احتضنهم بعض المستفيدين والموتورين فيها لان الغالبية العاقلة والعالمة والعاملة بالسياسة في العالم الاسلامي بشكل عام والعربي بشكل خاص لا يمكن ان تحتملهم. وستصبح هذه الحالة مجدداً خطراً على اميركا والغرب ومصالحهما في المنطقة كما حصل سابقاً مع من صنعتهم في افغانستان لمواجهة الاتحاد السوفيتي بعد احتلاله لها.
الاخبار اللبنانية