بقلم: ألون بنكاس/ منذ 7 تشرين الأول 2023، كانت المصلحة الأميركية العليا في الشرق الأوسط هي منع التصعيد الإقليمي. فشل هذا المنع، حتى لو كان يبدو في واشنطن خلال 11 شهراً أن هذا ينجح تقريبا. على طول محور الزمن، تمت صياغة مصالح ثانوية. كانت المصلحة الثانية إقامة بنية تحتية سياسية لترميم الاستقرار بوساطة تقليص حجم الحرب والنار، ووقف النار، ومنع توسيع الحرب. فشلت هذه العملية أيضاً.
وكانت المصلحة الثالثة بلورة خطة لغزة ما بعد الحرب، تشمل قوة عربية وتعاوناً مع السلطة الفلسطينية، وملء الفراغ الحكومي في غزة، حيث كانت الولايات المتحدة تأمل توسيع التغيير في غزة ليصبح إطارا سياسيا إقليميا يشكل وزنا مضادا أمام “محور الإرهاب والفوضى”، الذي تقف في مركزه ايران؛ ويشمل “محور الاستقرار” إسرائيل والسعودية ومصر والأردن وقطر والإمارات والسلطة الفلسطينية، كل ذلك برعاية أميركا. لكن هذه الخطة فشلت. المصلحة الرابعة، التي أصبحت مصلحة مهمة في الصيف، هي منع تحويل الحرب إلى مكرهة ومصدر إزعاج سياسي في الفترة التي تسبق الانتخابات الأميركية، أيضا هنا كان ثمة فشل.
رغم النوايا الحسنة والمنطق السياسي في هذه المصالح لكل ذوي العلاقة وأدوات الضغط للولايات المتحدة في ترسانتها السياسية والعسكرية، إلا أنها فشلت. لا توجد طريقة معتدلة أو لطيفة أكثر لصياغة ذلك. المقارنة بين وضوح الاستراتيجية، السياسة المنظمة، والإدارة الناجعة والحازمة للولايات المتحدة في أزمة أوكرانيا منذ 2022، والاستخذاء والتشويش ودمج السذاجة والغطرسة في إدارة العلاقات مع بنيامين نتنياهو حول الحرب في غزة والتصعيد في لبنان، ليست اقل من مدهشة في تناقضها الحاد.
في أوكرانيا، بلورت الولايات المتحدة سياسة جديدة. فقد أعادت صياغة أهداف وجوهر حلف “الناتو”، ووسعت الحلف عند انضمام السويد وفنلندا، ووفرت مساعدة كبيرة ومستمرة لأوكرانيا. المساعدة في الدفاع عن إسرائيل، ومنظومات السلاح والتسليح والحماية السياسية كانت تقريبا غير مسبوقة. ولكن في كل ما يتعلق بالحفاظ والدفع قدما بمصالحها في الشرق الأوسط حول الحرب، فإن أميركا فشلت في تحقيق سياستها. في مخزن السياسة الخارجية والمصالح للولايات المتحدة الاستراتيجية فإن الشرق الأوسط لم يعد حاسما مثلما كان في السابق، لكن الفشل ينعكس إلى الخارج وتتم مشاهدته في العالم.
تحدٍ صريح وصارخ
الخط الثاني الذي يمر بين بنود الفشل الأميركي يوجد له اسم وهو بنيامين نتنياهو. في بؤرة وديناميكية العلاقات بين أميركا وإسرائيل (من البداية هي علاقات غير متكافئة، ما زال تتم إعادة تشكيلها في واقع دولي مختلف عما كان عليه عندما تم تصميمها في السبعينيات والثمانينيات)، توجد قاعدة توجيه تفوقت حتى الآن على القواعد الأخرى: حرية عمل محدودة لإسرائيل، تنتهي عندما تتصادم أفعالها مع مصالح الولايات المتحدة. خلال سنوات، حرصت إسرائيل على تنفيذ هذه القاعدة. بدأ نتنياهو يمطها، وعندما شاهد بأن ذلك يمر بدون رد حقيقي من الإدارة الأميركية، وفقط يتطلب انتقادا خفيفا، فقد استمر في ذلك.
احتاجت الإدارة الأميركية سنة حتى تستوعب. وحتى الآن من غير المؤكد أنها أدركت ذلك بشكل كامل؛ أن نتنياهو يسعى إلى المواجهة بشكل متعمد. مقولة، “أنا فقط أعرف كيفية الوقوف أمام أميركا”، ليست تصميما مبررا لتحقيق مصالح إسرائيلية حيوية، بل مناورة شعبوية لأغراض داخلية. بالضبط كما لا يوجد لخطاباته في الكونغرس أي أهمية سياسية، ولم يتم طرح سياسة فيها في أي يوم باستثناء ما اعتبره نتنياهو فائدة سياسية. احتاجت أميركا سنة حتى تبدأ بفهم أن هدف نتنياهو هو مواصلة الحرب في غزة، وأن طموحه هو التصعيد، الذي ربما سيخلق حربا مع ايران، ستجر الولايات المتحدة إليها. بعد سنة من الألاعيب والخداع والتضليل والأكاذيب والتردد لا يوجد التزام بالتفاهمات، بل هناك تحد صريح وصارخ أحيانا، ربما أدركوا في الإدارة الأميركية بأن نتنياهو لا يعتبر حليفا موثوقا للولايات المتحدة.
لا يدل هذا الأمر بالضرورة على جوهر السياسة الأميركية، وفي حالة معينة ربما أخطأت الولايات المتحدة. ولكن النموذج كان واضحاً، وحدث الاحتكاك والمواجهة بوتيرة متزايدة: حجم استخدام القوة الزائدة في غزة، وحجم قتل المدنيين، المساعدات الإنسانية، الرفض المطلق لمناقشة إطار سياسي لغزة بعد الحرب، الديماغوجيا وصرخات الاستغاثة بأنهم “يحاولون فرض دولة فلسطينية علينا” (كأن هذا محتمل)، التملص والجشع فيما يتعلق بصيغة وقف إطلاق النار وصفقة التبادل، الأكاذيب حول التفاهمات، ورفض رؤية أنه في وقف إطلاق النار في غزة مفتاح منع للتصعيد في لبنان.
لا يعني هذا أن إسرائيل غير محقة في بعض الحالات. حتى لو كان من الحكمة المس الاستراتيجي بـ”حزب الله” فقد كان من الصحيح القول للأميركيين بهدوء: اعتمادنا عليكم كبير جدا، تقريبا اعتماد وجودي. المساعدات التي منحتمونا إياها كانت حيوية وغير مسبوقة. توجد بيننا خلافات حول خططكم، وها هي خططنا، هذه هي خطتنا لغزة، وهذه خطتنا للبنان بعد مهاجمة “حزب الله”. ولكن هذا لم ولن يحدث.
رغم طبيعة السياسة الأميركية الفاترة “نتنياهو فقط، أمس، قدم التزاما”، وغطرسة “نحن نعرفه منذ 30 سنة وسنعرف كيفية إدارته وكبحه”، رغم كل ذلك إلا أن الإدارة الأميركية تستمر في شراء السيارات المستخدمة بدون محرك من التاجر ذاته. مع ذلك، في الأسبوعين الأخيرين، أصبح واضحا أن هناك شيئاً لم يتم قوله في السنة الماضية إلا بالهمس؛ وهو أنه منذ 2023 والانقلاب النظامي ليس فقط أن إسرائيل تراجعت عن البنية التحتية لـ”القيم المشتركة” مع الولايات المتحدة، بل هي تضع محل الشك مسألة كونها حليفة للولايات المتحدة.
نهاية الشريك الخفي
حقيقة أن الولايات المتحدة تعتبر كمن ليس لديها أداة ضغط على إسرائيل أو أنها غير معنية باستخدامها تخلق فيها وفي العالم صورة ضعف. نتنياهو يمكنه تقديم المواعظ حتى الغد في الأمم المتحدة بأن إسرائيل تحارب “من اجل الغرب وقيم العالم الحر”، لكن لا أحد يصدقه.
أيدت الولايات المتحدة الحرب في غزة ومبررها. وأيدت أيضا بأثر رجعي العمليات ضد “حزب الله”، وهي مرة أخرى ترى نتيجة لذلك فرصة لإعادة تشكيل محور مناهض لإيران، ومرة أخرى ستكتشف أن هذا المشروع ينقصه شريك رئيسي وهو بنيامين نتنياهو.
عن “هآرتس”