الايام – بديعة زيدان:نظمت مبادرة القصة الفلسطينية، جلسة حوارية بعنوان “تساؤلات حول معايير النشر الأدبي”، في مركز خليل السكاكيني الثقافي بمدينة رام الله، شارك فيها أستاذ الأدب الحديث في جامعة بيرزيت د. محمود العطشان، والمحاضر في الدراسات العربية الإعلامية بجامعة نورث ويسترن والعضو السابق في مجلس أمناء الجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر العربية) الكاتب د. خالد الحروب، والكاتب الصحافي والروائي عضو مجلس أمناء الاتحاد العام للكتاب والأدباء والفلسطينيين ومدير دار طباق للنشر عصمت منصور، وأدارتها الشاعرة والمترجمة أليس يوسف، بحيث ناقش المشاركون سيرورة الرواية الفلسطينية، والنقد، إضافة إلى المحور الأساس في عنوان الجلسة.
وأشار العطشان إلى أن “العام 2000 قد يكون مرتبطاً بتحولات سياسية أفرزت أدباً خاصاً، ومرتبطاً أيضاً بزيادة اعتمادنا واحتكامنا للتقنيات المتطورة”، مؤكداً أن “لكل زمان وسياق أدبه، فالشاعر محمود درويش رفض أكثر من مرّة حين كان في المنفى تقديم قصيدته سجّل أنا عربي، وذلك لكونها قيلت في زمن بعينه، وفي سياق كانت تغلفه روح التحدي والمواجهة، وهذا حدث في ندوة مسائية للشاعر سميح القاسم في مدرسة الفرندز، ما بعد “أوسلو” حيث ألح عليه الجمهور قراءة قصيدته سأقاوم، وتهرب من قراءتها”.
ولفت العطشان إلى أن فترة الانتفاضة الأولى، وخاصة ما بين العامين 1989 و1993، شهدت فلسطين حركة أدبية ثقافية نشطة جداً، وظهر فيها كم كبير من الروايات، وظهرت أسماء لكتاب لم يكونوا معروفين من قبل، وكان ما يُكتب يعبّر عن الواقع المعيش في تلك الفترة، وكان كثيراً ومنوعاً كمّاً ونوعاً .. وقال: ما بعد اتفاقية “أوسلو” كان العديد من الكتاب يشعرون إذا ما أرادوا أن يتحدثوا عن قضايا وطنية بأن ثمة أجنحة متكسرة تحول دون تحليقهم، وحتى عند تناول قضايا إنسانية كان يغلب على كتاباتهم شيء من الانغلاق والضبابية، تعكس حيرة بائنة دون بصيص نور.
وأضاف العطشان: منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي، وحتى اليوم تقريباً، ثمة حركة نشر جيدة، وخاصة فيما يتعلق بأدب الأطفال والفتيان، واللافت أن غالبية من أبدعوا في هذا المجال كان من النساء، وعبروا من خلال قصصهم عن قضايا وطنية وتربوية دون الوقوع في فخ الفوقية والوعظ.
وتحدث العطشان في محاور عدة، قبل أن يؤكد: الشبكة العنكبوتية قدمت خدمة كبيرة للذين لم يكن يتوفر لهم منبر للنشر، لكنها في الوقت ذاته، أضرت بالحالة الأدبية العامة، ما دفع البعض إلى أن يعيش وهم الإبداع القادم من هذا الواقع الافتراضي، وكأن ثمة منطقة غائبة هنا ما بين الوعي واللاوعي، أوقعت البعض في تقليد بعض ما هو منتشر في الغرب دون وعي بخصوصية البيئة الفلسطينية والعربية.
بدوره بدأ د. خالد الحروب بجملة أسئلة حول محور الجلسة، من بينها: هل ثمة معايير للنشر الأدبي بالأساس؟ ومن هو المخوّل بوضع معايير كهذه؟، وأسئلة أخرى أكد أن لا إجابة لديه عليها، من قبيل ماهية الخط الفاصل ما بين تشجيع مالكي المواهب أو من يستشعرون بأنفسهم ذلك بالكتابة دون سيوف مصلتة من الكتاب المكرّسين، وما بين الاستسهال في النقد الذي من شأنه أن يفتح مساحات للموهوبين وغير الموهوبين على حد سواء، أو يفتح مساحات لتضخم الذات الأدبية لدى البعض في وقت مبكّر جداً، عضواً عن سيرورة النضوج التدريجي .. وقال: ندهش أحياناً أنه بعد عام أو اثنين من الإنتاج “الفيسبوكي” يعيش هذا الكاتب أو الكاتب حالة من تضخم الذات الأدبية، وهنا التحدي في الموازنة بين اللاقمع وبين الحد من هذا التضخم لإبقاء صاحبه على قيد الإبداع.
وتحدث الحروب عن أهمية ومركزية النقد في العملية الإبداعية، لافتاً إلى أن النقد هو الغائب الأكبر في المشهد الإبداعي العربي عموماً، خاصة أننا بحاجة إلى النقد الجاد، وليس النقد المجامل أو المدمّر، مشدداً على أن “القارئ هو الحكم الأخير من حيث استمتع بهذا العمل الأدبي أو ذاك، أم لم يستمتع، أحبه أو لم يحبه، فالمبدع يكتب للقارئ وليس للناقد في الأساس، لكن النقد، في الوقت ذاته، من شأنه أن يرفع من سويّة القرّاء والمقروئية والإبداع في الوقت ذاته”، مشدداً على أهمية تحول النقد إلى ثقافة حياتية.
أما الكاتب عصمت منصور فأكد أن واقع الكتابة والنشر بالضرورة انعكاس للواقع الاقتصادي والاجتماعي والمرحلة المعيشة، مؤكداً أنه من الصعب وضع معايير بمقاسات محددة للإبداع، وبالتالي نشره، وهي بالضرورة متغيّرة وفق الذائقة والأجواء والجمهور وغيرها من العوامل، مؤكداً أنه لا يمكن إخضاع الأدب “الجيّد” لأية سلطة مهما كان شكلها.
وعلاوة على حديثه بشيء من التفصيل عن أدب السجون، هو الذي كتب العديد من أعماله الأدبية داخل زنازين الاحتلال، خلص منصور إلى أن هناك عاملين حاسمين في عمليتي الكتابة والنشر، منها التطور التقني الهائل والمتسارع، والثاني هو “أوسلو”، مقدماً تحليلاً في انعكاس هذه الاتفاقية على الإبداع الفلسطيني، وخاصة الشقّ الأدبي منه.
واقع النشر الأدبي في ضوء متغيرات السياسة ووسائل التواصل
