رغم أن الجهود المكثفة التي بذلها وزير الخارجية الأميركية، جون كيري، لم تسفر عن أي اتفاقية، فإنها أوضحت القضايا التي ما تزال تستطيع إنتاج فوائد كبيرة. لقد أصبح فريقه المفاوض الآن أكثر تآلفا مع النزاعات والعوائق المعقدة التي صعب التغلب عليها، مثل حال الإسرائيليين والفلسطينيين الذين شاركوا في المفاوضات.
من الواضح أن لكل من الإسرائيليين والفلسطينيين مصلحة حيوية في حل الدولتين، استنادا إلى القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة التي أقرتها الأمم المشاركة. وكان الرئيس أوباما قد بحث بعض هذه العوامل الرئيسية، داعيا إلى عدم بناء المزيد من المستوطنات في الأراضي المحتلة، وإلى التمسك بحدود ما قبل العام 1967، مع بعض التغييرات المتفق عليها بشكل متبادل. وكان رؤساء أميركيون سابقون قد تقدموا باقتراحات رئيسية أخرى حول مسائل حساسة تتعلق بالأمن المتبادل والقدس الشرقية وحق العودة للفلسطينيين.
ملتزما بهذه الافتراضات الدولية المفهومة بشكل عام، استطاع كيري الخروج بتلخيص لاستنتاجاته على شكل “إطار عمل من أجل السلام”، والذي سيكون مساعدا للرأي العام في داخل الأراضي المقدسة ولدول أخرى ولأي طرف يبذل جهودا مستقبلية من أجل تحقيق السلام الشامل.
مع تعليق مفاوضات السلام التي جرت برعاية أميركية يوم 29 نيسان (أبريل) الماضي، من المرجح أن يتم اتخاذ خطوات خطيرة أحادية الجانب. وكانت إسرائيل قد أقرت خلال الشهور التسعة الماضية من المفاوضات بناء 14.000 وحدة استيطان جديدة، واعتقلت أكثر من 3000 فلسطيني بينما قتل 50 آخرون، ما أنتج أمثلة مقلقة من الرد الفلسطيني، بما في ذلك مقتل ثلاثة إسرائيليين.
تبدو الخطط الفلسطينية للشهور التالية واضحة نسبيا: تشكيل حكومة وحدة وطنية، وتوسيع الانخراط في الأمم المتحدة. ومع أنه لاقى الشجب من جانب البعض، فإن قرار القادة في منظمة التحرير الفلسطينية وحماس التصالح وحل الخلافات فيما بينهم والمضي قدما إلى إجراء الانتخابات يمكن أن يكون تطورا ايجابيا. في الماضي، كان قد تم إهمال الجهود المشابهة بسبب المعارضة القوية من إسرائيل والولايات المتحدة. لكن التصميم على النجاح أصبح الآن أكثر قوة لدى القادة في الضفة الغربية وغزة. وتعد هذه المصالحة بين الفصيلين الفلسطينيين وتشكيل حكومة وحدة وطنية أمرا ضرورياً، لأنه سيكون من المستحيل تنفيذ أي اتفاقية سلام بين إسرائيل وجزء واحد فقط من الشعب الفلسطيني.
من أجل أن تكون سلطة فلسطينية موحدة وقابلة للحياة وتحظى باعتراف المجموعة الدولية، فإنه سيكون من الضروري لكل المشاركين القبول بمبدأ الحل السلمي للخلافات، والاعتراف بحق إسرائيل في الوجود في إطار حدود ما قبل حدود العام 1967، مع تعديلات في الحدود وفق اتفاق متبادل.
من الممكن أن يكون قرار رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس المتعلق بانخراط الفلسطينيين على نحو أكثر عمقا في الأمم المتحدة مفيدا أيضا. وكانت أول 15 معاهدة قرر الفلسطينيون قبولها يوم الأول من نيسان (ابريل) قد اختيرت بعناية وحذر، كونها تتصل بالتزامات للتقيد بمعاهدات جنيف الأربع للعام 1949، والبروتوكولات اللاحقة في العام 1977 والمتعلقة بقوانين الحرب وغيرها مما يخص قضايا التمييز ضد النساء وحقوق الأبناء. وهذه الالتزامات كلها مثالية وسلمية في طبيعتها، ويجب أن لا تثير أي قلق في إسرائيل أو واشنطن. وعلى كل الفصائل الفلسطينية في داخل حكومة موحدة أن تقبل بهذه الالتزامات.
في الأثناء، يستعد الفلسطينيون للانضمام إلى منظمات أخرى تابعة للأمم المتحدة، تتضمن منظمات العمل والصحة والسياحة والزراعة وحقوق الملكية الفكرية والعدالة. أما المنظمات الأهم والأكثر فائدة، فهي محكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات الدولية التي تتم الاستجابة فيها على نحو أكثر قوة وفعالية لقضايا قانونية تتعلق بالنشاطات في الضفة الغربية والقدس وغزة مقارنة بالماضي. وقد يكون الانضمام لهاتين المحكمتين آخر الأعمال التي تقوم بها منظمة التحرير الفلسطينية، نظرا لأن لدى الولايات المتحدة وإسرائيل ردود فعل سلبية قوية تجاه ذلك، وقد يطلب من الفلسطينيين التحدث عن انتهاكاتهم الخاصة لحقوق الإنسان أو القانون الدولي.
كان كيري قد ذكر الحاجة إلى واقع أفضل على الأرض أو قيادة جديد كشرط للنجاح. وقد يكون من شأن وجود حكومة فلسطينية موحدة، تحظى باعتراف دولي أوسع، وقادة منتخبين حديثا، وبدعم مالي مؤيد من العالم العربي، أن فرصة لجولة جديدة من مباحثات السلام، ما يتيح المجال أمام إسرائيل للعيش في نهاية المطاف بسلام مع جيرانها. ويجب على المجتمع الدولي أن يستغل هذه الفرص.
جيمي كارتر* – (الواشنطن بوست) 13/5/2014
ترجمة: عبد الرحمن الحسيني
*الرئيس 39 للولايات المتحدة، وهو مؤسس مركز كارتر غير الربحي.