لم يكتفِ علي عبد الله صالح بأربع وثلاثين سنة في الحكم فهو حتى عندما وقَّع على المبادرة الخليجية كان مصمماً على إفشال هذه المبادرة وكان مصمماً على إدخال اليمن في دوامة التفسخ والعنف هذه وعلى أساس :»إمَّا أنا وإلاَّ فبعدي الطوفان» والحقيقة أن إنقاذ هذا البلد والحفاظ على وحدته وإبعاد جريمة العودة لـ»التشطير» عنه بات في ضوء هذا الذي يجري متعذراً ومستحيلاً إذْ أنَّ «ما فات فات وأن ما هو آتٍ آت»!!.
لقد جاء علي عبد الله صالح في عام 1978 إلى الحكم بإنقلاب عسكري دموي على أحمد الغشمي الذي كان بدوره قد قام بإنقلاب دموي على الرئيس ابراهيم بن محمد الحمدي ثم بقي ،أي علي عبد الله صالح، خلال سنوات حكمه الأربعٍ والثلاثين يقوم بإنقلابات وتصفيات «صامتة» إلى أن طفح الكيل وبدأت البلاد تدخل نفقاً مظلماً فكانت المبادرة الخليجية التي ولدت ميتة والتي جرت عدت محاولات لإنعاشها كانت كلها فاشلة.
كان علي عبد الله صالح خلال سنوات حكمه الطويلة هذه قد أفقر البلاد وشتت شمل العباد وحوَّل اليمن ،الذي أصبح بعد عام 1990 بجناحين الجناح الجنوبي والجناح الشمالي، إلى مزرعة للمحاسيب وللأهل والأقارب والمنتفعين ولقد تمكن خلال هذه السنوات الطويلة من تدمير زعامة قبائل «حاشد» التي كانت مكرسة في عائلة الأحمر بقيادة عبد الله بن حسين الأحمر كما تمكن من تهميش قبائل «بكيل» المنافسة.. لقد دمَّر البنية الإجتماعية المتوارثة لليمن ولقد حول هذا البلد الذي كان يوصف بأنه سعيد بأن أصبح تعيساً ووضعه هذه الأوضاع التي لا أكثر منها مأساوية إلاَّ وضع سوريا ووضع ليبيا ووضع العراق.. وإنْ أردتم ووضع الصومال!!.
لم يستطع علي عبد الله صالح المحافظة على الوحدة ،وحدة الجنوب مع الشمال، التي كانت نتيجة ذبح «الرفاق» الإشتراكيين لبعضهم بعضاً يوم أن جُنَّت جنَّةُ عدن في عام 1990 ويوم أن بدأ ينهار الإتحاد السوفياتي الذي كان يتكئ عليه هؤلاء «الرفاق» فأول ما نتج عن هذه الحرب العجيبة الغريبة هو أن هذه الوحدة ،التي كانت توصف بأنها :»وحدة التراب اليمني»، قد سلَّمت الراية الأكثر سواداً من راية «داعش» لـ»التشطير» والعودة للإنقسام والتشظي بعد فشل تجربة أربعة وعشرين عاماً التي ثبت أنها كانت فاشلة منذ اللحظة الأولى طالما أنها جاءت نتيجة أوضاع طارئة وغير موضوعية وكانت بمثابة خروج الجنوبيين من مآزقهم الطارئة.
الآن وبعد كل هذا الذي حدث ،حيث لم يعُدْ معروفاً من يتحالفُ معْ مَنْ ومن يتقاتل مَعْ مَنْ، اختار «الجنوبيون» أنْ يرفعوا شعاراً بائساً يقول :إننا لسنا يمنيين وإننا بقينا على مدى حقب التاريخ جنوباً عربياً وليس جنوباً يمنياً والحقيقة أن هناك مخاطر فعلية من أن يصبح الجنوب محمية إيرانية أو دولة لـ»القاعدة» أو جزءاً هامشياً ملحقاً بالدولة «الحوثية» في الشمال.. مما يجعلنا نقول ومنذ الآن :وداعاً يا يمن!!.
والمصيبة أنَّ كل هذا يجري في اليمن ،الذي أصبح تعيساً، والعرب يبدون مسلوبي الإرادة وغير قادرين على أن يفعلوا شيئاً وبينما الأشقاء الخليجيون أصحاب هذه المبادرة التي لم يبقَ ما يذكر بها الاَّ تصريحات «الأخ» جمال بنعمر المتفائلة دائماً وأبداً وعلى أساس تفاءلوا بالخير تجدوه وإلاَّ تشبث الرئيس عبد ربه منصور هادي بالحكم الذي يشبه تشبث غريقٍ بزبد البحر.. ويا خسارة أيها اليمن العظيم الذي كان بداية الحضارة العربية والذي أعطى للفتوحات الإسلامية سيوفاً صارمة وفرساناً شجعاناً دقت حوافر خيولهم سور الصين العظيم في الشرق وجبال «بواتيه» على بعد كيلو مترات من باريس في الغرب.
عن الرأي الاردنية