وزيرة الصحة لـ”الحياة الجديدة”: المنظومة الصحية في قطاع غزة انهارت ونحتاج سنوات لإعادة بنائها غزة مقبلة على كارثة من الصعب احتواؤها

2023/11/20
Updated 2023/11/20 at 8:30 صباحًا

 

أجرت الحوار: عبير البرغوثي/ إسرائيل تجاوزت كافة الخطوط الحمر، وما تقوم به بقطاع غزة تجاه المنظومة الصحية والمدنيين هناك، جرائم حرب يجب ان تحاسب عليها، هذا ما أكدت عليه الدكتورة مي الكيلة وزيرة الصحة في حديثها لجريدة “الحياة الجديدة”، حيث أشارت إلى أن شاحنات المساعدات التي تم إدخالها الى القطاع تشكل نسبة المستلزمات الطبية منها حوالي 6% فقط، وهي لا “تساوي قطرة في محيط من الاحتياجات”، إضافة إلى أن نفاد الوقود ما يعني انقطاع الكهرباء اللازمة لتشغيل الأجهزة الطبية في المشافي. تفاصيل مهمة، كشفت عنها وزيرة الصحة حول انهيار المنظومة الصحية في قطاع غزة في سياق الحوار.

 

الاحتلال يشن حربًا على المنظومة الصحية

مستشفى الشفاء أحد ضحايا هذه الحرب الشعواء، حيث تم أمس، إجلاء النازحين والمرضى والجرحى والطواقم الطبية، وتسعى سلطات الاحتلال الى تحويله الى ثكنة عسكرية، المستشفى عبارة عن 3 مشاف تخصصية ويعتبر من أقدم المستشفيات في القطاع وتم إنشاؤه قبل 1967، ويعتبر منارة طبية بحكم مرجعيته لكل المستشفيات هناك، لوجود عدد من الأطباء المتخصصين الذين يشكلون ما نسبته 25% من الطواقم العاملة في مستشفيات القطاع، إضافة إلى توفر الأدوات الطبية المفصلية مثل الرنين المغناطيسي.

فما هو مصير المستشفى وهل خرج عن الخدمة؟ وإذا خرج هل من الممكن أن يعود للخدمة مرة أخرى؟ تقول الدكتورة مي الكيلة: “يمكن القول إن المستشفى خرج عن الخدمة للأسباب التالية: نفاد الوقود وبالتالي لا يوجد كهرباء، ما يعني عدم توقف حاضنات الأطفال الخدج عن العمل، وعدم القدرة على تشغيل باقي الأدوات والأقسام الطبية مثل قسم الأشعة والعناية المكثفة وغرف العمليات إلى آخره من الأقسام المهمة في المستشفى، وإضافة إلى عدم وجود الادوية، فالكادر الطبي قام بإجراء عمليات صعبة مثل قطع الأطراف والعمليات القيصرية دون تخدير وعلى ضوء الجوالات والكشافات”.

وتضيف: “في حال انتهاء حصار المستشفى من قبل قوات الاحتلال وتوفر الوقود والكهرباء والأدوية والأغذية والماء وتوفر بيئة آمنة للكوادر الطبية سيعود مباشرة إلى الخدمة. نحن اليوم في مواجهة “حرب مستشفيات” مع الاحتلال”، مؤكدة ان المستشفى يضم أكثر من 10000 بين مريض وجريح ونازح وكادر طبي حياتهم جميعا مهددة بالخطر.

 

تضامن نقابي محلي ودولي… ولا بيئة آمنة لعمل الطواقم الطبية من الخارج

كيف تقيم وزيرة الصحة موقف نقابات واتحادات الأطباء العربية والعالمية ومنظمة الصحة العالمية مما يحدث في غزة؟ هل ما زالوا في ظل عباءة الإدانة والاستنكار دون أن يحركوا ساكنا على الارض لتشكيل لوبٍ ضاغط باتجاه وقف العدوان على القطاع؟ تقول الكيلة: “يجب أن نوضح أن دور منظمة الصحة العالمية والصليب الأحمر مختلف عن دور النقابات، وهنا نقول إن الصليب الأحمر الدولي هو صاحب الولاية في الحروب وهو من يتصدر الموقف في هذا الظرف، وهو يعمل كطرف حيادي وسيط من خلال نقل المرضى والمعدات والأدوية وهو لم يتعد هذا الدور، بالنسبة لمنظمة الصحة العالمية فدورها فني فقط ليس سياسيا، ولكن في الحرب على غزة تعدت هذا الدور، حيث كانت أول منظمة قامت بإدخال الأدوية من خلال معبر رفح إلى قطاع غزة رغم أن هذا ليس دور المنظمة”.

وتضيف “بالنسبة للنقابات أود أن أتقدم بالشكر لنقيب الأطباء العرب الذي تواصل معنا وأبلغنا أن هناك مجموعة من الأطباء العرب ممن تطوعوا للدخول إلى غزة ونحن بانتظار دخولهم، كما أعلنت نقابة الأطباء الفلسطينيين ونقابة التمريض عن وجود مجموعة كبيرة من المتطوعين الأطباء والممرضين للدخول إلى غزة، ونحن في وزارة الصحة قمنا بإعداد قائمة بالتخصصات التي يوجد فيها نقص داخل مستشفيات القطاع ولدينا هنا في الضفة، مثل جراحة الأوردة والأوعية الدموية والعمود الفقري وجراحة الدماغ وأرسلنا القائمة للصليب الأحمر منذ شهر بهدف إدخالها للقطاع إلا أن إسرائيل لم تعط الموافقة حتى اللحظة”.

“كما تلقينا رسائل مجموعات من أطباء من الولايات المتحدة ومن أوروبا بهدف التطوع للعمل في مستشفيات القطاع، ولكن إمكانية ذلك صعبة في ظل عدم توفر دخول آمن للقطاع أو بيئة آمنة للعمل، وبعد ما حصل في مستشفى الشفاء أصبح الموضوع أصعب وأعقد”، تقول د. الكيلة.

 

أطباء… ولكن!

تداولت وسائل الإعلام الإسرائيلية والدولية خبرا مفاده أن مئات الأطباء الإسرائيليين وقعوا على عريضة تطالب جيش الاحتلال بقصف المستشفيات في قطاع غزة، هل خاطبتم الجهات الدولية المعنية بهذا الشأن؟ في ذلك، تقول الكيلة: “أولا هذه مجموعة أطلقت على نفسها مجموعة “الأطباء المدافعة عن قوات جيش الدفاع الإسرائيلي”، وهي تتكون من 100 طبيب طالبوا بقصف المستشفيات لأنها تضم “إرهابيين”، ولكن نحن نستغرب هكذا طلب من أطباء دورهم إنساني وليس سياسيا ولا عسكريا، وبناء عليه أصدرت نقابة الأطباء بيانا وأرسلته لكل دول العالم، وبالتعاون مع مجموعة فنيين قمنا كوزارة بإصدار بيان بهذا الصدد”.

 

“الصليب الأحمر”… دور حيادي

المواطنون في غزة اتهموا منظمة الصليب الأحمر الدولية بالتخلي عن دورها الإنساني انصياعا للأوامر الإسرائيلية، هل عملت وزارة الصحة على التواصل مع الصليب الأحمر وغيرها من المؤسسات الدولية لاستيضاح موقفها مما يحدث في قطاع غزة؟

توضح د. الكيلة: “منذ بداية الحرب نتواصل مع الصليب بشكل مستمر وأرسلنا رسائل، ولكن هذه مؤسسة تعتبر نفسها حيادية، ورغم ذلك طلبنا منهم وبعد حصار مستشفى الشفاء توفير المواد الغذائية والماء، ولكن قوات الاحتلال لم تسمح لهم بدخول المستشفى”.

 

تخوفات من انتشار الأمراض المعدية… وكسر برنامج التطعيم الوطني

في بيانات أصدرتها منظمة الصحة العالمية مؤخرا رصدت فيها أن هناك 35500 مواطن يعانون من نزلة معوية و55 ألفا يعانون من التهاب الجهاز التنفسي و12600 إصابة طفح جلدي، و9000 حالة جرب و1000 اصابة جدري ماء، وسؤالنا هو كيف يمكن أن ينعكس ذلك على صحة المجتمع داخل القطاع وعلى البيئة الصحية بشكل عام؟ تؤكد وزيرة الصحة “الوضع الصحي كارثي في قطاع غزة وخاصة الصحة العامة التي تعنى بصحة المواطنين، فمراكز الإيواء مكتظة جدا ما يولد العديد من المشاكل الصحية، وهذا الاكتظاظ في ظل عدم وجود مياه للشرب والنظافة الشخصية وانعدام التغذية الجيدة التي تقوي الجهاز المناعي، والافتقار للأدوية، كل ذلك يعزز بيئة صحية غير آمنة على صعيدي الصحة الشخصية والعامة، إضافة إلى أن الصرف الصحي تدمر جراء القصف الإسرائيلي ما يولد مجموعة من الأمراض مثل أمراض الجهاز المعوي وهناك تخوفات من انتشار أمراض معدية مثل التيفوئيد والكوليرا والجرب وجدري الماء، وهذا ما يحتم ضرورة إدخال الماء النظيف إلى القطاع”.

“إضافة إلى أنه تم كسر برنامج التطعيم الوطني للأطفال بسبب انهيار المنظومة الصحية، وهو يعتبر برنامجا مهما لمنع مجموعة من الامراض مثل الحصبة والدفتيريا والتيتانوس وشلل أطفال، وعدم أخذ اللقاح سيؤدي الى حدوث مشاكل صحية كبيرة”، تقول د. الكيلة.

 

مجزرة  تلو الأخرى وعلى الأمم المتحدة ألا تكيل بمكيالين

القانونان الدولي والإنساني يحميان هذه المشافي، إسرائيل تعدت كل الخطوط الحمر وتعدت كل القوانين الدولية والانسانية، واتفاقيات جنيف الثالثة والرابعة وملحقيها، وأيضا قرار مجلس الأمن  2016 رقم 2286 الذي أكد كافة الاتفاقيات السابقة، هنا تقول د. الكيلة: “اسرائيل تعدت كل ذلك لان هذه الاتفاقيات والمعاهدات تضمن بشكل كامل الحماية الشاملة للمستشفيات والكوادر الطبية والمستشفيات وسيارات الإسعاف والمسعفين، ونحن أمام مجزرة تلو الأخرى بحق المدنيين وإبادة جماعية وتطهير عرقي لشعبنا في القطاع، اسرائيل تعدت كل الاتفاقيات علما أن اسرائيل عضو كامل في الأمم المتحدة وبالتالي يجب أن تكون هناك محاسبة للعضو الذي لا يلتزم بالاتفاقيات والمعاهدات الدولية اذا كانت الامم المتحدة لا تكيل بمكيالين”.

“ما يحصل في غزة فظائع لم يشهدها التاريخ المعاصر ويجب ألا تمر مرور الكرام، ويجب أن توقف، فنحن في مفصل تاريخي ولن يرحمنا التاريخ جميعا لما يحصل في القطاع”، تقول د. الكيلة.

 

تشكيل لجنة تفتيش كان يمكن أن يمنع قصف “الشفاء”

عندما نتحدث عن محاسبة دولة الاحتلال على جرائمها وارتكابها الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني، فما هي المسارات التي يمكن من خلالها إدانة إسرائيل وأن توقفها أمام العدالة الدولية؟ وكيف تعمل وزارة الصحة على توثيق كل هذه الجرائم فيما يتعلق بالمنظومة الصحية؟ توضح د. الكيلة: “بهدف التوجه للمحكمة الجنائية الدولية لا بد أن يكون هناك توثيق كامل، وما يدور في قطاع غزة الآن من هذه الحرب الإبادية على شعبنا، تم توثيقه من خلال وسائل الإعلام المحلية والدولية، وأكبر دليل على الإبادة الجماعية عشرات العائلات التي استشهدت وتم محو اسمها من السجلات المدنية، إضافة الى الاعتداءات المتكررة على المستشفيات في القطاع، وبعيدا عن ذرائع اسرائيل لاستهداف المستشفيات ومنها مستشفى الشفاء، كان يمكن أن يتم العمل على تشكيل لجنة لتفتيش المستشفى”.

 

6% نسبة المستلزمات الطبية التي دحلت إلى القطاع منذ بداية الحرب

يعيش الجرحى في القطاع اليوم ظروفا صعبة وقاسية هناك من يحذر أن المشافي ربما تتحول إلى مقابر جماعية في ظل انهيار المنظومة الصحية، فما هي الجهود التي تبذل بهدف نقل هؤلاء الجرحى الى المشافي المصرية، وما يتعلق بإدخال المساعدات الطبية للقطاع عبر ممرات آمنة؟ تقول د. الكيلة: “قبل ثلاثة أسابيع ناشدنا الجهات المعنية أن تضمن ممرا آمنا لدخول المساعدات الطبية لان المستشفيات تفتقر لكافة المستلزمات الطبية وبالتالي كأنها خرجت عن الخدمة، إضافة الى عدم توفر الماء والكهرباء، هناك مساعدات بكميات كبيرة موجودة على الجانب المصري من معبر رفح، وطالبنا بوجود ممر آمن لإدخالها، كما طالبنا بوجود ممر آمن لإخراج  بعض الجرحى الى مصر، إلا انه وللأسف اسرائيل هي من تتحكم بالمعبر، ونتيجة ذلك كانت كمية المساعدات التي تم إدخالها قليلة جدا مقارنة بالحدث، حيث دخل الى القطاع حوالي 1000 شاحنة منها 5 الى 6% نسبة الادوية، وعندما تم توزيعها لم تصل الى مجمع الشفاء في الشمال لان اسرائيل هي من تحدد وجهة هذه الادوية التي تذهب الى جنوب القطاع، وبالتالي منطقة شمال غزة لا يصلها لا أدوية ولا مساعدات”. “وبالتالي توجهنا منذ أسبوع تقريبا بالمناشدة الى الصليب الاحمر ومنظمة الصحة العالمية بهدف ايصال المواد الغذائية والماء للمرضى في مشافي القطاع” توضح د. الكيلة.

 

إعادة إحياء المنظومة الصحية يحتاج إلى سنوات طويلة وأموال هائلة

كيف ستكون ملامح خطة وزارة الصحة الفلسطينية لإنقاذ المنظومة الطبية في قطاع غزة في أول يوم بعد انتهاء العدوان؟ تؤكد وزيرة الصحة: “الحدث كبير جدا ولا تحمله وزارة الصحة فقط، هذا الموضوع هو موضوع سياسي بامتياز، ونحن على أهبة الاستعداد للمساعدة على أي صعيد، عندما يأخذ المستوى قراره سنكون متواجدين في الميدان، لكن هذا العمل يحتاج إلى سنوات وأموال طائلة من أجل إعادة المنظومة الصحية إلى وضعها الطبيعي”.

 

خطة طوارئ في الضفة بميزانية 20 مليون شيقل

يتبادر إلى أذهان المواطنين تساؤل يبدو مشروعا إلى حد ما: في حال نفذت إسرائيل عدوانا واسعا على الضفة يشبه إلى حد ما العدوان على قطاع غزة، كيف سيكون حال منظومتنا الصحية في الضفة، هل ستصمد أمام العدوان والحصار؟

تحاول وزارة الصحة طمأنة المواطنين، عبر ما كشفت عنه الوزيرة: “قمنا بإعداد خطة طوارئ قدمناها إلى مجلس الوزراء وتم اعتماد حوالي 20 مليون شيقل لشراء الأدوية والأجهزة وكل ما تحتاجه المنظومة الصحية لمدة 3 أشهر، كما قمنا بتوزيع المستودعات بحيث تكون في الشمال والوسط والجنوب، وزودناها بالحصص الخاصة بها، كما عملنا على فحص جاهزية طوارئ للمستشفيات وأعلنا حالة الطوارئ في اليوم الثاني من بداية الحرب، ومنعنا الإجازات والسفر خلال فترة الطوارئ”.

في سياق متصل تضيف “كما توقعنا أن نستقبل جرحى غزة هنا في الضفة، إلا انه للأسف بسبب الإجراءات الإسرائيلية من الصعب دخولهم، كما نحاول حاليا ومن خلال معبر إيرز أن نقوم بإرسال الادوية على الأقل التي تم تجهيزها لقطاع غزة ولكن صعب جدا”.

 

رسالة وزيرة الصحة

اختتمت الوزيرة حديثها بضرورة تحرك العالم لوقف الحرب، وزيادة وتيرة المساعدات الإنسانية من أدوية ووقود وغذاء وإدخالها لقطاع غزة من أجل إغاثة ما يمكن إغاثته في القطاع، والسماح بخروج الجرحى للعلاج في مشافي جمهورية مصر العربية وغيرها، كما ناشدت الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية ومؤسسات حقوق الإنسان من أجل تطبيق القوانين الإنسانية الدولية التي تحظر الهجمات على المستشفيات والمراكز الصحية وسيارات الإسعاف والفرق الصحية والمسعفين.

Share this Article