منذ أن استأنفت الكتابة في هذه الزاوية ، وأنا أبحث عن مسرحيات أضيفها إلى قراءاتي ومقارباتي النقدية ، حتى إذا وقعت على هذا الكتاب – السيف والقلم – وجدتني أعثر على اثنتين في واحدة. فمن جهة عثرت على مسرحيات ، ومن جهة أولى كان المؤلف هو وليد أبو بكر ، الكاتب الفلسطيني الجاد والمتنوع.
ووليد أبو بكر من مواليد 1938 في يعبد من أعمال جنين ، عرف الكتابة والعمل الصحفي مبكرا ، ولمع اسمه من الصحافة الكويتية إلى عموم أنحاء الوطن العربي ، وهو الآن في الجزء المتاح لنا من فلسطين ، رام الله تحديدا ، في أوج حضوره الثقافي حيث يترأس مجلس إدارة مسرح عشتار ومؤسسة أوغاريت للنشر.
كتب وليد في الرواية ، والمسرح ، والشعر ، والدراسات ، والترجمة ، إضافة إلى متابعاته الصحفية اليومية.
فله أربع روايات ، هي «العدوى» و«الخيوط» و«الحنونة» و«الوجوه». وله دراسات نقدية في أدب سميرة عزام ورواية الأرض المحتلة والرواية الفلسطينية بشكل عام والمسرح الكويتي والقصة الكويتية والبيئة في قصة الخليج العربي.
وله في الشعر مجموعة واحدة حتى الآن ، هي «الوجه الطيب للأحزان».
أما في المسرح فله كتابان ، هما «الأول والأخير» ويشتمل على نصين مسرحيين ، وهذا الكتاب الذي أمامي بعنوان «السيف والقلم» ويشتمل على ثلاث مسرحيات ظلمها عندما وصفها بأنها مسرحيات مدرسية، ما قد يوحي بالتبسيط التعليمي، وهي ليست كذلك الا اذا اعتبرنا ان مجمل النشاط الأدبي يمكن ان يندرج في التصنيف المدرسي من حيث ان الدخول في التاريخ هو شكل من العمل المدرسي.
أبو ذر الغفاري
المسرحية الأولى في الكتاب هي «أبو ذر الغفاري» – وهي مسرحية في فصل واحد، شأن المسرحيتين التاليتين. وما يجمع بين هذه المسرحيات القصيرة، أنها قائمة أساسا على المشاهد، وأنها جميعا تنهل من التاريخ العربي الإسلامي.
و«أبو ذر الغفاري»، إلى ذلك ، مسرحية شعرية ، لكن الشعر فيها تلقائي لا يتحكم بناؤه في سيرورة العمل الدرامي. والطريف أن الكاتب لم يأخذ من سيرة أبي ذر ما نعرفه «مدرسيا» وهو مواجهته للخليفة والحكم عليه بالنفي إلى صحراء الربذة ، بل بدأ به منذ بواكير التأمل في الوجود والخلق تمهيدا لاعتناقه الإسلام ، بل انه ينطلق من الأسئلة الوجودية الكبرى والقلق الإنساني ، فيقول منذ فاتحة المسرحية:
أعيش ألف سؤال لست أفهمها
فكيف يقنع إنسان بمجهول؟
ويسطع النجم فوقي غامضا أبداً
ولست أعلم عنه أي تأويل
والعقل يسأل لكن لا جواب ولا
رد السؤال فيشفيه ويوحي لي
وغني عن القول أن هذا البوح على لسان أبي ذر ليس تاريخيا. بمعنى انه لم يقع حرفيا. ولكنه من جهة ثانية، تاريخي من حيث انه يرصد قلق هذا الصحابي الفذ الذي أعياه عجز الثقافة السائدة آنذاك عن تقديم التفسير الشافي لعلة الوجود. ويتصاعد الحس الدرامي لا بالكشف عن معجزات الدين الجديد، بل بتشغيل العقل الذي يرفض اليقين الوثني الجاهلي، وان رفض أبي ذر لذلك اليقين الذي كان سائدا في محيطه قبل انتشاره، هو بمثابة الزلزال في وجه الثقافة السائدة.
لأن من تشكو له حجر
لا يملك النفع لنفسه ولا لغيره
ولا الضرر
أما هذا الحجر، فهو الصنم الجاهلي «مناة» معبود كبرى القبائل – تغلب، بل إن اختيار مناة لإعلان التمرد عليها وعدم الاعتراف بقداستها، هو الذهاب إلى مواجهة الثقافة السائدة بلا حذر ولا خوف. فيرفض ابو ذر ان يصلي لمناة من أجل الغيث.
بل سيروا نحو الغيث
حتى تجدوه
وهكذا تنتهي المسرحية قبل الانفراج المتوقع، لأننا نعلم ونحن في هذا العصر أن أسطورة الأوثان قد تحطمت، لكن الكاتب لا يسرد علينا ما نعرفه حرفيا، بل يصغي إلى فكرة إعمال العقل ويترك الخط الدرامي مفتوحا بعيدا عن التفاؤل المجاني. ان ما نعرفه عن التاريخ لن يكتسب أهميته التاريخية الا عندما يعانيه الإنسان المعاصر ويتمثله وهو ما يتعالى على المناسبة الظرفية ليؤكد جوهر الفكرة. وهو الاحتكام إلى العقل ، وهو ما يخدم فكرة الإيمان بحد ذاتها، بل ان المسرحية كما بدأت بأبي ذر المتسائل قلقا تنتهي به وهو يبشر بعلامات الهدى:
سيهل علينا من كل الأرجاء
يحمل للظامئ قطرة ماء
النور قريب
فلنبحث عن نور يغمرنا بالإيمان
وتلك هي لحظة التنوير في المسرح بما هو مرآة لما يحدث في العالم وفي النفس على حد سواء.
المتنبي
مع أن المتنبي هو الشاعر، بل شاعر العرب الأكبر، إلا أن الكاتب آثر أن تكون مسرحية المتنبي نثرية، وذلك مستوحى من رؤية وليد أبو بكر لمالئ الدنيا وشاغل الناس، فالشاعر يرد على العالم بالشعر الذي إذا قاله أصبح الدهر منشدا ، لكنه كان مبتلى بمواجهة نثرية العالم فهو – حسب قوله في هذه المسرحية – لا يترحل حبا بالتجوال، ولكنه الهرب من الدسائس.
وتلتقط المسرحية لحظة حساسة ، إنما غير مشهورة في حياة المتنبي، وتلك هذ اللحظة التي أعقبت غربة شاعر العرب وحبسه اثر هجائه لكافور.
وتبدأ محنة المتنبي مسرحيا حين يكون في بغداد، بين من يتعاطفون معه، فيما هو غير مقتنع بلجوئه إلى بغداد وابتعاده عن حلب، مطلوبا من حاكم مصر الذي «كتب للعرب جميعا في الطريق» أو يأسروه أن يقتلوه إلا انه وان نجا يظل مهموما وهو القائل:
إذا غامرت في شرف مروم فلا تقنع بما دون النجوم
ولن يمر وقت طويل حتى نسمع برسالة كافور التي تدعو الى أسر الشاعر او تهديده حتى يمدح كافورا فلعل الناس ينسون هجاءه له. يرفض المتنبي ما يراد منه ويقول شعرا ظاهره المدح وباطنه سخرية تكاد تقارب العنصرية:
وتعجبني رجلاك في النعل، انني
رأيتك ذا نعل وان كنت حافيا
وهو تعريض قاس بسواد كافور، ويتفق القوم على تجاهل ردة فعل المتنبي حتى لا يزداد غضب كافور .. ولكن هل انتهت المشكلة؟ .. اننا نعرف النتيجة من جديد، لا من المسرحية التي يختار مؤلفها ان تقف عند هذا الحد، بل من النص الغائب الذي حفظناه عن التاريخ. صحيح ان أزلام كافور لم يقتلوا المتنبي بل ان شعره هو الذي قتله. ذلك ان خصوما آخرين سبق للمتنبي ان هجا ابن أختهم هم الذين ارتكبوا الجريمة، لكن هذا موضوع آخر، ونحن أمام المسرحية التي لا تصرح بالمشاهد التي تلت فترة حبسه. ولكنها – أي المسرحية – تصرح باعتداد الشاعر وبحكمته التي حكمت على حياته ومستقبله:
عش عزيزا او مت وأنت كريم
بين هز القنا وخفق البنود
ونلاحظ بسهولة ان المتنبي غير موجود في هذه المسرحية الا لماماً، أما حضوره الطاغي فمن خلال الآخرين المحيطين به. وهو ما يلائم الصورة التي تملأ ذاكرتنا وأذهاننا عن مالئ الدنيا وشاغل الناس. أما الحيز الدرامي فهو في طغيان ذلك الحضور علىالمشهد وأثره في الآخرين شهودا ومتآمرين ومتعاطفين، ونستحضر من خارج النص قول المتنبي، فكأن الكاتب ترك لنا فراغاً لنملأه، بقول الشاعر:
أنا من أمة تداركها الله غريب، كصالح في ثمود
ولقد سبق المتنبي عصره لا بشعره العابر للزمن فقط، بل بتشخيص الغربة وسط الجموع والتعالي على الجراح باختيار الموت في سبيل البقاء .. ما لجرح بميت إيلام. ويقينا ان أبا الطيب لم يكن يتألم حين كانت سيوف أخوال ضبة تحزه من الوريد الى الوريد.
أسامة بن منقذ
لو كان وليد أبو بكر أكثر إنصافا لكتابه هذا، لأعاد النظر في بناء المسرحية الثالثة التي أعطى الكتاب اسمها «السيف والقلم». فهذه المسرحية، وهي الأطول بين الثلاث، تبدو أكثر قربا الى الصفة المدرسية التي ظلم كتابه كله بنعته بها. مع انها مبنية من حيث المبدأ، بناء مركبا أكثر التماساً للحداثة، لولا أنه أغرقها في سردية لا مسوغ لها، ولست من الوقاحة بحيث أشير على كاتب متمرس من عيار وليد أبو بكر كيف يعيد كتابة أحد أعماله، وان كنت أتمنى عليه ان يخلص درامياً للعنوان الذي جعله عنوانا عاما للمسرحيات الثلاث، وهو السيف والقلم، لا سيما وان بطل المسرحية هو القائد العربي أسامة بن منقذ الذي توج حياته بكتابة شذرات من سيرته الذاتية، فقدم الى المكتبة العربية كتابا مدهشا في خصوصيته وفرادته. هو «كتاب الاعتبار» فكان سيد السيف والقلم. وما زلت غير يائس من ان يراجع وليد رؤيته ورؤياه لهذه المسرحية فيعيد الاعتبار فعلا الى كتابه هذا.
وتبدأ مسرحية «السيف والقلم» بطالبين معاصرين يتناقشان في الوضع الحزين الذي انتهت اليه الحالة العربية، ويقارنان الحاضر بالتاريخ المضيء، متخذين من القائد أسامة بن منقذ مثالاً على الفروسية الحقة، ما يفسح المجال على الخشبة لاستحضار فصول التاريخ واظهار القائد أسامة وتنقلاته في البلاد من شيزر الى حواضر الفرنجة الى الشام، حتى أنصفه صلاح الدين الأيوبي بعد فوات الأوان، اذ كان العمر قد بلغ منه كل مبلغ، وتوفي على باب داره قبل ان يدخلها عائداً من تجواله وجهاده الطويلين.
وكان يمكن للتداخل بين الزمنين، الزمن المعاصر الذي يمثله الطالبان الصديقان، وزمن الحروب الصليبية الذي يمثله أسامة ومعاصروه، ان يؤلفا مساحة ملحمية تغني المسرحية وتتقدم بها. لكن الذي حدث هو ان الانتقال بين الزمنين كان رتيباً. وبهدف تقديم المعلومة او التعليق عليها، حتى ليحار القارئ في أمر هذين الطالبين، فهما أشبه بصوتين من كورس خارج الزمن، اذ يكمل أحدهما قول الآخر بشكل ميكانيكي يلغي أي تصور للحوار المسرحي، أما الأشخاص التاريخيون: أسامة وذخيرة وسلطان وغيرهم، فهم رسوم ذهنية لا تحمل أي بعد درامي .. ثمة اشارة عابرة الى ان ذخيرة يضمر سوءا لأسامة، لكنها تظل اشارة معلقة في الهواء لا يترتب عليها أي شيء. والأمر الوحيد الذي يمكن ان يشكل نقلة نوعية في المسرحية هو ان أسامة يموت على باب داره بفعل الشيخوخة. والعجيب ان يصدر هذا التساهل الدرامي من كاتب متمرس، هو في الأصل ناقد مشهود له ولا تفسير عندي لما فعله وليد بمسرحيته هذه. زد على ذلك ان الشخصية الرئيسة، أي أسامة، لا تكاد تفعل شيئا على الخشبة، فما نعرفه عن أسامة بن منقذ هو الاشارات التاريخية مضافا اليها ما يتبادله الطالبان من معلومات، وهو ما ينسحب على بقية الشخصيات.
ان اللحظة التاريخية، بما تحمله من أمجاد وبطولات كما تحمل من مكائد ودسائس، هي لحظة غنية. والبطل الذي تتقاطع حول شخصيته الأحداث يصلح مادة ثمينة للعمل الملحمي او الدرامي، ومع ذلك فان الصفة المدرسية التي منحها وليد لمسرحيته، لم تشفع لها .. فكان لا بد لقارئ مثلي من الأمل ما يحفز على تحريض الكاتب لنسف هذا النص واعادة بنائه بما عهدنا لدى وليد أبو بكر من دراية وخبرة وثقافة.
ثلاث حركات
لو افترضنا وجود المخرج الذي ينقل هذه المسرحيات من الورق الى الخشبة، ولو افترضت ان لي رأياً في ذلك، لتمنيت عرض المسرحيات الثلاث في عمل واحد – مع اعادة النظر طبعاً بالمسرحية الثالثة – بحيث يتعامل معها المخرج المفترض بوصفها مسرحية واحدة قائمة على ثلاث حركات: الأولى – أبو ذر او كسر التابو، والثانية – المتنبي او جسارة المواجهة، والثالثة – أسامة او الجهاد المتصل.
ما أردت القول هو ان النمو الدرامي واضح في هذه الأعمال، حتى ليمكن ربطها بخيط واحد. فأبو ذر الذي ضاق بمحدودية العقل الجاهلي، ما كان له ان يصبح أبا ذر الذي نعرف، لولا احتكامه الى معادلة العقل والايمان القادرين على تجاوز التابو والمحرمات التقليدية المحروسة بقوى الجهل والتخلف. وما كان لهذه المعادلة ان تنتصر وتنتشر الا بوجود مبدع جسور مثل أبي الطيب المتنبي، لا يقدم تنازلات ولا يتراجع عن هدف ما دام مؤمناً به. ومرة ثانية نشير الى مكر المؤلف الذي لم يتقيد بالنهاية التاريخية المعروفة، بل سمح لبطله المتنبي بالبقاء حتى وهو واقف على حد الخطر في موقف وجودي يدفع المثقف الطليعي حياته للثبات عليه. وتكون الحركة الثالثة تتويجاً لصراع الذات – الأمة لتأكيد الوجود، فأسامة بن منقذ الذي قتل أسداً وهو في مقتبل الشباب، هو القائد الذي يصبر على المكائد ويروعه ما يحل بوطنه فلا يملك الا مواصلة العناد والجهاد حتى الرمق الأخير.
ليس هذا تأويلا ذهنياً لمسرحيات وليو أبي بكر، بل قراءة متمعنة متطلبة، أما التمعن فلأن العمل الدرامي ليس بريئاً وليس بسيطاً، بل هو ذو مستويات متراكبة يفضي أحدها الى الآخر وقد يدفعك مشهد لاحق الى إعادة النظر في مشهد سابق حتى تستوعب السياق العام. أما القراءة المتطلبة فهي التي تغرينا بالحوار مع نص وليد أبو بكر ومراجعة التفاصيل. واذا كانت البلاغة في الإيجاز – كما تقول العرب – فقد أوجز الكاتب ووفق الى صيغة الفصل الواحد، إلا أننا لا نكتفي أحياناً بالنص المعطى كما هو. إن الشخصيات في هذه المسرحيات كثيراً ما تكون ذهنية فيما يقتضي المسرح الحي ان نرى البشر من لحم ودم وتناقضات وتطلعات. وليست الشخصية الذهنية بالمرذولة فنياً ما دام الكاتب قادراً على ادارة الصراع حتى لو كان افتراضياً. لكن لما كانت الشخصيات مستقاة من جذور تاريخية فإن النص الغائب يحضر ويلح على المتلقي الذي يجد نفسه متأملاً مقارناً بين ما يعرف وما يقدم له.
لا أطلب، ولا يحق لي، أن يعيد وليد أبو بكر كتابة مسرحياته، إلا في حالة المسرحية الثالثة لأسباب تقدمت الاشارة إليها، ولكنني أعجب، مجرد عجب، كيف لم يفجر الكاتب نصوصه الى الحد الأقصى الذي يسمح به التعامل الحديث مع التاريخ، لا أعني تقويض الوقائع بالطبع وإلا لأصبح الأمر تزويراً وافتراء، بل أقصد الإفادة من دروس التاريخ من حيث أننا، معشر القراء المعاصرين، نعرف أشياء مستجدة لم يكن يعرفها الأبطال الذين نقرأ أخبارهم، هذا الفهم لقراءة النص التاريخي هو الذي أعطى البشرية مبدعاً مثل شكسبير، ولسنا في معرض المقارنة مع شكسبير بالطبع، لكن الاقتداء بالمعلمين الكبار مطلوب وممكن.
ثم ماذا؟
اذا كنا نباهي بأن الشعر ديوان العرب، فإن التواضع يلزمنا بالاعتراف بالإمكانات، وعندما يتعلق الأمر بالمسرح، وهو الفن العريق، لا بد من التسليم بأنه فن جديد على ثقافتنا، اذ لا توجد مسرحية عربية واحدة قبل القرن العشرين، إلا ان هذه الحقيقة لا تضعنا في ذيل القائمة، بل تضعنا في محرق المواجهة، بمعنى أننا لن نقلد أسخيليوس وسوفكليس تقليداً مدرسياً، لكننا ننهل من هذا التراث العظيم ونسائل أنفسنا عن موطئ أقدامنا في زمن الحداثة بتفصيلاته كافة .. أعرف ان هذا نوع من الكلام المتهم بثقل الدم لما فيه من جانب إرشادي، ولكن لا مناص من العودة الى أول السطر لمن يريد ان يلتحق بالنشيد الشامل.
وفي ضوء العودة الى أول السطر، لاحظنا كيف ان كاتباً مقتدرا بحجم وليد أبو بكر قد وجد نفسه يتلعثم أحياناً – في حالة المسرحية الثالثة – «السيف والقلم» فيجري الحوار على ألسنة شخصيات كأنه يملي عليها ما تقول حتى يسوغ الرد على ما تقول، مع ان هذا الشطط في البدايات يأتي، كما قلت، من ناقد يعرف كيف تكون صناعة المسرح.
إلا ان هذه الملاحظة لا يجوز ان تصرف نظرنا عن مهارة الكاتب في إدارة شخصياته حتى وهي محكومة بشرطها التاريخي. ليست أجرح وأداوي، بل أقرأ ما أرى .. ولقد رأيت في السيف والقلم كتاباً ممتعاً قادراً على خلق جدل حيوي بين الذهن والحس الواقعي.