أمد/ واشنطن: دخلت حرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أوكرانيا نمطاً مألوفاً للحروب بعد ستة أسابيع على اندلاعها.
يشرح وولتر راسل ميد هذا النمط في صحيفة “وول ستريت جورنال” حيث كتب أن طرفي الحرب يذهبان عادة إلى خوضها متسلحين بنظرية عن الانتصار، لكن فقط حين تفشل النظريتان، يبدأ شكل النزاع بالظهور.
الفشل في ردع هجوم بوتين أكبر من أن تتحمله إدارة بايدن وحدها
خلال الحرب البونيقية الثانية (218-201 ق.م.)، ظن هنيبعل أنه إذا تمكن من إيصال الجيش إلى إيطاليا وتحقيق بعض الانتصارات الواضحة، فستتمرد بعض المدن-الدول في إيطاليا المضطربة تحت الحكم الروماني وتمكنه من كسر القوة الرومانية إلى الأبد.
في المقابل، ظن الرومان أن جحافلهم المتفوقة وانضباطها وروحها القتالية ستبين لهنيبعل سريعاً من هو السيد.
اكتشف كلا الطرفين فشل استراتيجيتيهما، وصُدم الرومان بسلسلة من الهزائم العسكرية الكارثية وواجهوا أكبر تحد في التاريخ الروماني.
وحقق هنيبعل أهدافه الأساسية دافعاً جيشه إلى اجتياز جبال الألب وتحقيق سلسلة من الانتصارات الدرامية، وهي انتصارات لا يزال يدرسها ضباط شبان طموحون حول العالم، لكن استراتيجيته فشلت، حتى بعد انتصاره الكاسح في كاناي، لم تنضم إليه سوى بضعة مدن إيطالية، نجت القوة الرومانية وطالت الحرب.
الحرب العالمية الأولى
وأضاف ميد: “أن الحرب العالمية الأولى بدأت بالطريقة نفسها تقريباً، بنى الفرنسيون والألمان خططهم على تحقيق هجمات حاسمة: الفرنسيون عبر حدودهم الشرقية والألمان مع خطة شليفن لشن الهجوم عبر بلجيكا والسيطرة على باريس، وفشل الهجومان وتركا الدولتين مقيدتين بنزاع لم تعرف أي منهما كيفية الفوز به ولا كانتا في وارد خسارته، ويحصل شيء مشابه في حرب بوتين”.
وكانت الخطة الروسية الأساسية تقضي بكسر الدولة الأوكرانية عبر الاستيلاء سريعاً على العاصمة ومدن أوكرانية كبيرة مثل خاركيف، لكنها فشلت.
وأملت أوكرانيا أن تجبر الانتكاسات العسكرية والعقوبات الاقتصادية البارزة الرئيس الروسي على القبول بشروط سلام مؤاتية لكييف أو أن تؤدي إلى الإطاحة به، ويبدو أن تلك الخطة فشلت أيضاً، أقله لغاية اليوم.
حسابات روسيا وأوكرانيا
ولفت الكاتب، إلى أن الطرفان عالقان الآن في حرب لا يعرفان كيفية الفوز بها، كما أنه من الصعب رؤية الخطوط العريضة لتسوية سلمية يمكن لكلتا الدولتين القبول بها.
وأردف: “لا يمكن لأوكرانيا القبول بسلام يعرضها للمزيد من الاعتداء الروسي ويشمل التضحية بالمزيد من الأراضي”.
وتابع: “ولا يمكن لبوتين إنهاء الحرب من دون مكاسب قابلة للإثبات على حساب أوكرانيا، يبدو أن منطق الحرب يقيد كلا الجانبين في مزيد من الصراع العسكري والاقتصادي والسياسي المتصاعد، حيث يبحث كل منهما عن طريق معينة للانتصار”.
وتعيد روسيا تركيز جهودها العسكرية على الشرق وهي تصعد مستوى العنف على الميدان وضد المدنيين لإرهاب الأوكرانيين كي يقبلوا بالهيمنة الروسية.
وتضاعف أوكرانيا مناشدتها للدول الغربية من أجل تقديم المزيد من المساعدات العسكرية وفرض العقوبات الاقتصادية الأقسى.
في وقت يتعثر الجانبان خلال البحث عن طريق للانتصار، لدى إدارة بايدن ثلاثة خيارات قبيحة لتختار من بينها.
الخيار الأكثر جاذبية
مساعدة أوكرانيا على الفوز هو الخيار العاطفي الأكثر جاذبية وسيكون بالتأكيد الأكثر تمتعاً بالتبرير الأخلاقي وبالإفادة السياسية، لكن المخاطر والأكلاف مرتفعة حسب الكاتب، لن تقبل روسيا بالهزيمة قبل اختبار كل تكتيك مهما كان وحشياً، وربما كل سلاح، مهما كان قاتلاً.
لإجبار روسيا على القبول بالهزيمة في أوكرانيا، سيكون من المرجح أن تضطر إدارة بايدن للتحول إلى ذهنية زمن الحرب، بما يشمل ربما سياسة حافة الهاوية النووية التي لم تشهدها واشنطن منذ أزمة الصواريخ الكوبية سنة 1962.
ومع تصميم الصين وإيران على إضعاف القوة الأمريكية بواسطة السبل المتوفرة، إن مواجهة مع القوى التنقيحية بقيادة روسيا قد تبرهن أنها التحدي الأصعب الذي واجهته إدارة أمريكية منذ ذروة الحرب الباردة، لكن الخيارين الآخرين سيئان أيضاً.
سماح بانتصار روسي؟
سيوجه انتصار روسي ضربة هائلة للهيبة الأمريكية ولصحة حلف شمال الأطلسي خصوصاً إذا نُظر إلى الغرب على أنه يجبر أوكرانيا على الاستسلام للمطالب الروسية.
تجميد الحرب محفوف هو الآخر بالمخاطر أيضاً لأن ذلك سيترك روسيا وهي تسيطر على المزيد من الأراضي الأوكرانية بالمقارنة مع الأراضي التي سيطرت عليها عقب اجتياح القرم ودونباس سنة 2014.
سوف يكون من الصعب تصوير ذلك خارج إطار الانتصار الجزئي لروسيا، حيث سيظل بوتين حراً لتجديد الأعمال العداونية متى ما اختار ذلك.
بايدن يتحمل المسؤولية؟
يرى ميد أن الفشل في ردع هجوم بوتين أكبر من أن تتحمله إدارة بايدن وحدها، على دونالد ترامب وباراك أوباما وبوش الابن تقاسم المسؤولية.
قد يتبين أن هذا الفشل أكبر كلفة من الفشل في تجنب هجمات 11 سبتمبر، ومكانة بايدن في التاريخ معلقة على قدرته في إدارة تداعيات هذه الحرب التي وبشكل متزايد، لا يمكن وصفها ولا التنبؤ بمسارها.