إذا كانت ثمة شكوك مطالة حول ما إذا كان وزير الدفاع الأميركي السابق دونالد رامسفيلد يجب أن يمثل أمام محكمة جنائية، فإن حقيقة أنه كان قد طلب من مخضرم في الحروب الأميركية القذرة في أميركا الوسطى المساعدة في تشكيل ميليشيات طائفية عنيفة في العراق، يجب أن تضع حداً لهذه الشكوك مرة وإلى الأبد.
يقول تحقيق استقصائي أجرته صحيفة “الغارديان” إن رامسفيلد سمى الكولونيل جيمس ستيل، المخضرم في القوات الخاصة، للمساعدة في تنظيم ميليشيات شبه عسكرية لإخماد التمرد السني في العراق. وقد ذهب ستيل في أعقاب رامسفيلد مباشرة إلى العراق، وتم تشكيل مجموعات شبه عسكرية من الميليشيات الشيعية، حيث أقامت مراكز اعتقال حيث كان يعذب فيها العراقيون.
ولا يشكل ما عرفه رامسفيلد ومسؤولو البنتاغون (وزارة الدفاع) الأميركية التابعون له عن هذه المراكز بدقة، ليس هو النقطة الوحيدة في حذ ذاته -أو حتى النقطة الرئيسية؛ إذ لم تكن هناك حاجة ماسة لهذه الميليشيات، وربما لم يكن التمرد السني ليحدث أصلاً لو أنه كان قد عمل حتى وفق خطة أساسية حول ما يترتب عمله بعد غزو العراق. ولأنه انتزع مسؤولية التخطيط لما بعد الغزو من وزارة الخارجية الأميركية، فإن أول جريمة ارتكبها كانت فشله في تولي أي مسؤولية بنفسه.
وقد عكس رد رامسفيلد سيئ الصيت “الأشياء السيئة تحدث” حول عمليات السلب والنهب بالقوة في بغداد أكثر أنواع الرضا عن الذات مثاراً للسخرية. وفي شهادة له أمام لجنة تحقيق شيلكوت، نقل اللفتنانت جنرال سير جون كيسزيلي، أعلى ممثل عسكري للمملكة المتحدة في بغداد في حينه عن رامسفيلد قوله إن تزايد الهجمات في العراق في العام 2004 كان عمل “مجموعة من فاقدي الأمل”.
وتشير قرارات رامسفيلد السرية، التي تكشفت الآن، إلى أن هذا الرضا عن الذات لم يعد كونه مجرد خطابة. وكان فشله في تولي مسؤوليات قوة احتلال -وذلك ما كانت تمثله قوات الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، في القانون وفي الممارسة- انتهاكاً واضحاً للالتزامات المنصوص عليها في معاهدات جنيف.
وقد تسبب تعيينه لبول بريمر كرئيس لما دعي بسلطة الائتلاف المؤقتة -وبالتالي حاكما للعراق- وقرارهما حل حزب البعث (العراقي) وتفكيك الجيش العراقي، بمضاعفة الجريمة، حيث ترك ذلك فراغا كبيراً وخطيرا ملأه مجرمون ومتمردون، وأنواع من الميليشيات الشيعية التي كشف عنه تحقيق الغارديان.
وكانت بعض تلك الميليشيات الشيعية قد هاجمت وقتلت قوات بريطانية في البصرة، والتي كانت في حد ذاتها ضحايا للفشل في تبني أي نوع من الخطة المتماسكة أو المسؤولة حول ما يترتب فعله بعد الغزو.
وقد أوضح لي قادة عسكريون كبار مباشرة بعد الغزو أنهم يعتقدون بأن هناك حجة كافية لمقاضاة رامسفيلد وجماعته. ويشكل الانتقاد الشديد لرامسفيلد وبريمر ثيمة بمثابة الحجة للجنة تحقيق تشيلكوت، سواء في السير الذاتية أو في التقارير التي شكلها مجلس العموم البريطاني.
والسؤال التالي هو: إلى أي مدى تورطت الحكومة البريطانية آنذاك -وتوني بلير على وجه الخصوص؟ لقد عبر كبار مستشاريه العسكريين ومسؤوليه الكبار في العراق عن جام غضبهم وحنقهم، أولا في أحاديث خاصة، ثم جهارا، من رامسفيلد ووزارة دفاعه. وقد يكون بلير ووزير خارجيته، جاك سترو، ووزير دفاعه، جيوف هون، قد أعربوا عن حنقهم أيضاً. لكن لا توجد أي حجة على أنهم فعلوا ذلك، أو أنهم في الحقيقة تجرأوا على قول حتى “بو” للإوزة فيما يتعلق بواشنطن.
على أي حال، كان رامسفيلد هو المسؤول، وكان مسموحا له أن يفعل أي شيء يريده مهما كانت تداعياته بموجب القانون الدولي، وأيا يكن ما قد يقوله أولئك المسؤولون من جانب أوثق حليف لأميركا -بريطانيا.
تيلر (الغارديان) ترجمة: عبد الرحمن الحسيني- الغد الاردنية.
نشر هذا المقال تحت عنوان:
Donald Rumsfeld must be indicted over Iraq militias