فلسطين ارض الحضارة والنبوات ،وهي البلد الوحيد في العالم الذي تستحيل نسبته إلى دين أو طائفة أو مذهب..فليس واردا أن تتخلَى فلسطين عن وجهها الإنساني الحضاري، وتقنع بان تصبح يهودية أو إسلامية أو مسيحية
اليوم يتوجه العالم اجمع، بوجه يتصنَع التقى بوقار واحتشام، صوب فلسطين سعيا من كباره وصغاره على حدَ سواء، لتكريم ذكرى مولد سيدنا عيسى عليه السلام، من موقع الاعتراف بفضل هذا الفلسطيني البار في الارتقاء بالمجتمع البشري إلى مستوى الجنس الإنساني المتحضَر، عندما منحه خصاله السامية القائمة على العدل والسلام، مقرونة بتباشير الألفة والمحبة بين الناس ،كل الناس على امتداد المعمورة ،بطولها وعرضها.
“من كان بلا خطيئة فليرمها بحجر”، ترى ما الخطيئة التي اقترفتها فلسطين عبر تاريخها الطويل ،لكي يتجرَأ عليها اليوم كل جاحد أو ناقم أو لئيم، ويسعى دون خجل لكي يرميها بما ليس فيها أصلا؟..وهل يتفق موقف نكران الجميل ،مع هيبة عالم يريد أن يبدو في هذا اليوم بالذات بمظهر التقي الوقور؟..
لقد أنجبت فلسطين كل المكارم، والمبادئ السامية العظيمة ،امتلكتها جميعا وحفظتها في صدور أبنائها الذين تولوا صياغتها فأودعوها صحفا تتلى، وسرعان ما تحوَلت إلى مشاعل شتَى ،منها اخذ الأنبياء والصالحون نور رسائلهم القدسية إلى كور ومدائن بني البشر ،واستمدَ كل منهم نبراسا من نور ما أنجبته فلسطين ،خلاصا وبشرى للناس كل الناس ،ترى أين مكمن الخطية إذن؟.
أيها العالم الوقور جدا ،اعلم أن عيسى بات اليوم صاحب قضية، فليسوع الذي سما بهامته فوق الأوجاع والآلام ليفتدي بني الإنسان ويخلص ذريتهم من إثم الخطية الأولى ،عاد ليرى الخطية الكبرى ترتكب بحق أهله وشعبه في جنح الظلام الدامس وتحت أشعة الشمس الباهتة، فأين وقارك يا هذا العالم، وأين مآلك وأنت تحمل وزر الخطية الثانية، دون حياء من مخلَصك الذي فداك وأكرمك؟..
من فلسطين نبعت الآيات وخرجت هدى للناس ،وعلى أرضها صيغت الأسفار وانتشرت في الأرض ،وتحت سمائها انتظمت المزامير وتليت على أسماع العالم الغارق في أوحال خطاياه ،واليوم يأتي المخلص ليزور كنيسة مهده في بيت لحم فيجدها محاصرة بلهيب الحقد الأحمق، ينتقل إلى مدينة السلام ليزور مقام قيامته فيعترضه جدار الفصل العنصري وتمنعه عنجهية المحتل المعتدي من اجتياز حاجز الامن المصطنع، باعتبار أن ملامحه الفلسطينية دليل، يفضح بشاعة وجه الغاصب المحتل..
عندما كانت فلسطين دولة عاصمتها “يبوس” التي أرادها ملكي صادق ،مدينة السلام ،ترحب بزوار ارض كنعان الذين يقصدونها في امن وطمأنينة ،ولا من يحزنون ،كانت القبائل العبرانية ،تهيم في الفيافي هربا من الفاقة والمصائب المهلكة التي مافتئت تلاحقها في صحراء تيهها، اليوم يرتكب العالم فوق الخطية خطية ،وهو يستجيب للغاصب المعتدي بنكران ولادة الدولة الفلسطينية، بحسب شريعة الأمم الواقعة تحت سطوة “الفيتو” الرهيب في مجلس أمنها المهيب.
هذا سيدنا عيسى ابن فلسطين الأبية، يعانق الكنائس القديمة، ويمسح الحزن عن المساجد، يواسي الناس في مصابهم الأليم ،يحمل الجرح معهم ويتحمل معهم تكاليف القضية، ويمضي في شموخ وإباء، ولسن حال يردد: صبرا فلسطين ،صبرا فلسطين ،.. ترى من يخلَص عالم المظالم من وزر خطيته الكبرى، هذه المرة؟..