قال العاهل الأردني، في مقابلة مع مجلة «لونوفيل أوبزرفاتور» الفرنسية ونشرت نصها وكالة الأنباء الأردنية، إنه يرى خطراً كبيراً متمثلاً في حلول السلطة الدينية محل السلطة العلمانية بعد الثورات العربية التي شهدتها بعض الدول العربية خلال العامين الماضيين، فعندما تتراجع حقوق النساء وتخشى الأقليات والمسيحيون وغيرهم على مستقبلهم، وعندما تقوّض التعددية، فهذه ليست ديمقراطية. وفي رد على سؤال عما إذا كان يشعر بقلق من فوز حركة “الإخوان المسلمين” في بعض هذه الدول، قال العاهل الأردني: “أعتقد أن الإخوان فازوا في هذه البلدان لأنهم كانوا أكثر تنظيماً، ولهم شبكات اجتماعية اقتصادية عريقة ومجربة في العديد من المجتمعات”. وأضاف: “ما يقلقني ليس فوز الإخوان في الانتخابات، فهذا حق لأي طرف، لأن الناخبين في نهاية المطاف سيحكمون على أدائهم وعلى قدرتهم على إيجاد فرص العمل وتحقيق النمو الاقتصادي وإدخال وإدامة الإصلاحات الديمقراطية، ولكن ما أخشاه هو احتمالية تقويض التعددية ومبدأ تداول السلطة عندما تفوز جماعة ما في الانتخابات ثم تستخدم سلطتها لتغيير قوانين اللعبة لصالحها، وتبقى في السلطة حتى بعد أن تفقد شعبيتها وشرعيتها”.
ما توقعه العاهل الأردني وحذّر منه، هو الحاصل اليوم في الجمهوريات العربية التي شهدت ثورات أو انتفاضات “الربيع العربي”، وبالذات في مصر في ظل حكم جماعة “الإخوان المسلمين”، فالدستور المصري الجديد الذي انفرد “الإخوان” بصياغته ووضعه، دستور يمهد لديكتاتورية دينية لا سابق لها في تاريخ الحياة السياسة والنظام السياسي المصري، فهو فضلاً عن أنه همش حقوق النساء وانتهك حقوق الأطفال ولم يكفل حرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية ومنع التمييز بالنسبة للأقليات الدينية، فإنه يشوه قيم المساواة والعدالة والتسامح عبر ربطها بعبارات فضفاضة مثل “بما لا يخالف شرع الله” أو “بما لا يضر بالسلام الاجتماعي”، مما يفرغ هذه القيم من مضامينها الحقيقية، إضافة إلى أنه يعطي لرئيس الدولة، صلاحيات مطلقة، فلا عجب أن يقول الفقيه الدستوري الكبير الدكتور أحمد كمال أبو المجد إن الدستور الجديد يصنع فرعوناً جديداً يحكم 85 مليوناً من الأقزام. (صحيفة الدستور المصري، 16 نوفمبر 2012).
وهذا ما دعا الدكتور وحيد عبدالمجيد إلى القول إنه لم يعد هناك شك في أن الربيع المصري، تحول خريفاً عاصفاً بعد إقرار الدستور الذي يعتبر أسوأ أزمة في تاريخ مصر الحديث، فقد عصف هذا الدستور بعدد من حقوقهم الأساسية المكفولة في الدساتير السابقة وبصفة خاصة في دستور عام 1971.
ما حصل لم يكن أمراً مفاجئاً للعالمين بمخطط “الإخوان” للوصول إلى السلطة في كافة البلاد العربية، فالمعروف أن هذا المخطط يقوم على ثلاث مراحل: الأولى: التقويض عبر نشر فكر الكراهية للنظام الحاكم واتهام النظام بالتبعية للغرب. والمرحلة الثانية: التمكين والانتشار. والمرحلة الثالثة: الانقضاض والبقاء في السلطة والتشبث بها إلى ما لا نهاية. ولذلك لا أستغرب أن يعمد “الإخوان” في مصر في هذه الأيام للتخطيط لبناء آلية ديمقراطية خاصة، يضمنون من خلالها استمرارهم في الفوز بصناديق الانتخابات لسنوات طويلة قادمة، طبقاً لعبد الله بن بجاد العتيبي. وهم في سبيل البقاء والتمكين يستسهلون رمي خصومهم السياسيين بتهم الكفر والخيانة والفلول وأعداء الثورة، تماماً كما فعلت الأنظمة الانقلابية السابقة معهم، فهم يستنسخون اليوم أسوأ أعمال السابقين، فلا عجب أن يعمد مشايخ “الإخوان” إلى إصدار فتاوى بتحريم نقدهم واعتباره نقداً للإسلام ورفضاً لشريعته. لن يتورع “الإخوان” عن استخدام أشد أنواع العنف ضد خصومهم، وسيتطوع كتاب “الإخوان” للدفاع عن هذا العنف وتبريره دينياً وقانونياً.
وما ينطبق على “الإخوان” ينطبق على كل تيار أيديولوجي وصل إلى السلطة، انظر إلى ما يحصل عند الجارة المسلمة إيران على امتداد أكثر من ثلاثة عقود، وكافة التيارات السياسية الدينية تعتقد أنها تحمل رسالة إلهية وهي مسؤولة عن تنفيذها إذا أمسكت بزمام السلطة وهي إنشاء دولة دينية تطبق الشريعة الإسلامية بحسب مفهومها، وصولاً إلى إقامة نظام الخلافة الإسلامية العظمى. لا تؤمن هذه التيارات بمبدأ “تداول السلطة” وإن تظاهرت بقبوله، قبل مرحلة التمكين -ومصداقاً لذلك- رأينا كيف ناور “الإخوان” في مصر في البدايات ووعدوا وتعهدوا، لكنهم بعد أن تمكنوا وفي أقل من ثلاثة أشهر نقضوا كافة تعهداتهم ووعودهم واستبدوا بالحكم استبداداً لا نظير له، وإلا هل عرف التاريخ حاكماً أصدر إعلاناً دستورياً لا معقب عليه ومحصناً ضد حكم القضاء، كما حصل في مصر في عهد “الإخوان”؟! ألا يعلم “الإخوان” أن الله سبحانه وتعالى هو وحده الذي لا معقب لحكمه؟! لم يحصل في تاريخ مصر كله أن تعرض القضاء لما يتعرض له اليوم من عنت وإرهاب وتدخل في شؤونه ومحاصرة لمقره وتشكيك في أحكامه وتشويه لرجاله، كما هو حاصل اليوم على يد “الإخوان”، الأمر الذي دفع الدكتور وحيد عبدالمجيد إلى أن يصف مشهد محاصرة جماهير “الإخوان” لمقر المحكمة الدستورية العليا ومنع قضاتها من العمل، بأنه مشهد لا سابق له في تاريخ مصر، ولا نظير له في أكثر البلاد استبداداً، ولذلك سيظل يوم الثاني من ديسمبر عام 2012 في ذاكرة التاريخ ضمن الأيام التي تعتبر حالكة الظلام في حياة الشعوب والأمم، لقد حدث هذا الاعتداء السافر على القضاء في عهد نظام تعهد في برنامجه الانتخابي بإقامة نظام حكم ديمقراطي يقوم على الفصل بين السلطات واحترام أحكام القضاء، لكنه ما أن وصل إلى الحكم حتى عصف بأحكام القضاء وبطش بالقضاة، وأعاد المجلس المنحل بحكم القضاء وتدخل في شؤونه وأصدر إعلاناً محصناً ضد حكم القضاة وحاصر دور القضاء حتى يمرر دستوره الذي أحدث أسوأ أزمة، لذلك فإن عبدالمجيد محق حين حذر من أن خطورة “الإخوان” ليست على القضاء فقط بل على الديمقراطية عامة بشكل أكبر. صدق جيفارا منذ نصف قرن: “الثورة يفجرها حالم ويقودها مجنون، ويجني ثمارها انتهازي”.
الإتحاد الاماراتية