أوباما، نزع السلاح النووي والعقبة الروسية … بقلم :ريتشارد فايت

2013/07/22
Updated 2013/07/22 at 11:28 صباحًا

205528
موسكوفي خطاب ألقاه مؤخراً في برلين، ألمانيا، أكد الرئيس الأميركي باراك أوباما التزامه بنزع السلاح النووي، واقترح خطوات جديدة لتحقيق ذلك الهدف. ولكن روسيا أوضحت أنها لا تخطط لمواصلة المزيد من التخفيضات لترسانتها النووية في أي وقت قريب.
في هذا الخطاب الذي ألقي بعد ما يقرب من خمسين عاماً من خطاب الرئيس جون ف. كينيدي الذي تناول فيه المدينة المقسمة آنذاك، مؤكِداً على قيمة الحد من التسلح بين الخصوم، أعلن أوباما أن الولايات المتحدة على استعداد لخفض ترسانتها النووية بمقدار الثلث. كما اقترح أوباما إجراء تخفيضات كبيرة في عدد الأسلحة النووية التكتيكية المنتشرة في أوروبا. وعلاوة على ذلك، وجه أوباما الدعوة إلى المجتمع الدولي لتجديد جهوده الرامية إلى منع إيران وكوريا الشمالية من إنتاج الأسلحة النووية؛ وإدخال معاهدة حظر التجارب النووية الشاملة، وأيضاً معاهدة وقف إنتاج المواد الانشطارية المقترحة، حيز التنفيذ؛ وجعل الطاقة النووية أكثر أماناً.
قبل ثلاث سنوات، بدا الأمر وكأن روسيا تشارك أوباما طموحه إلى تجاوز المواقف النووية التي كانت سائدة خلال الحرب الباردة، حيث اتفق البلدان على خفض أسلحتهما المنشورة إلى 1550 سلاح كجزء من معاهدة خفض الأسلحة الاستراتيجية الجديدة (ستارت). والواقع أن روسيا تعتبر معاهدة ستارت الجديدة “معياراً ذهبياً” يستند إلى مبادئ أساسية، تخفيضات متواضعة ومتوازنة على مدى فترة زمنية طويلة، وتدابير كافية ولكنها غير عصية على التحقق، والاعتراف بالعلاقة بين الهجوم الاستراتيجي والدفاع، ولا بد من تطبيقها على كل معاهدات الحد من الأسلحة في المستقبل.
غير أن المسؤولين الروس أكدوا منذ ذلك الوقت على موقفهم المتشدد، فصرحوا في مواقف مختلفة -بما في ذلك مؤتمر الأمن الأوروبي الأخير في موسكو- أن روسيا لن تنظر في المزيد من التخفيضات لترسانتها النووية قبل أن تعالج الولايات المتحدة بعض القضايا التي تؤثر على المصالح الروسية. والواقع أن الكثير من مطالب الكرملين قد تكون أبعد كثيراً مما قد تتمكن إدارة أوباما من تحقيقه.
يتلخص أحد مكامن خشية روسيا الرئيسية في الجهود الأميركية الرامية إلى بناء نظام الدفاع الصاروخي الباليستي في أوروبا. وبالرغم من جدال الخبراء حول قدرة نظام الدفاع الصاروخي الباليستي الأميركي، فإن قادة روسيا ما يزالون على قناعة بأن هذا النظام قد يضعف من قدرة الردع النووي الروسي إلى حد خطير.
ويشير مسؤولون روس إلى أن الولايات المتحدة تستخدم وجود تهديد محتمل بشن هجوم كوري شمالي أو إيراني على الولايات المتحدة بصواريخ باليستية مسلحة نووياً كذريعة لإقامة دفاعات ضد روسيا (وربما الصين). وبالرغم من تأكيدات أوباما (وتأكيدات أسلافه)، فإن روسيا ما تزال تؤكد على أن المقصود من نظام الدفاع الصاروخي الباليستي الأميركي يتلخص في واقع الأمر في توسيع دور منظمة حلف شمال الأطلسي في أوروبا، وتعقيد الجهود الدبلوماسية الروسية، وتسهيل التدخلات العسكرية الأميركية.
بل أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حذر من أن الولايات المتحدة قد تستسلم في غياب الردع النووي الروسي لإغراء التدخل عسكرياً في المزيد من البلدان، كما فعلت في يوغوسلافيا السابقة والعراق وليبيا. وقد دفعت هذه المخاوف روسيا إلى المطالبة بإلزام الولايات المتحدة بالتوقيع على معاهدة ملزمة تحد من سرعة وقدرات دفاعاتها الصاروخية وتحدد مواقع انتشارها، على أن تتضمن شروطاً إلزامية خاصة بالشفافية -حتى مع اعتراف المسؤولين الروس بأن مجلس الشيوخ الأميركي لن يصادق أبداً على مثل هذه المعاهدة.
ثمة قضية أخرى تقيد عملية نزع السلاح النووي، والتي تتلخص في وجهة نظر روسية مفادها أن قدرات روسيا العسكرية لن تتمكن، في غياب الأسلحة النووية، من مضاهاة القوات التقليدية الأميركية وقوات حلف شمال الأطلسي. والواقع أن كثيرين في روسيا يشعرون بالقلق من أن أي هجوم أميركي ضد قدرات الردع النووي الروسية وغير ذلك من أصول روسيا الدفاعية، باستخدام المخزون الأميركي المتنامي من الأسلحة التقليدية طويلة المدى الموجهة بدقة، قد لا يقل تدميراً عن الضربة النووية.
وتتفاقم هذه المخاوف بسبب نوايا أوباما المعلنة، في ما يتعلق بالعمل جنباً إلى جنب مع منظمة حلف شمال الأطلسي في السعي إلى خفض الترسانة الروسية من الأسلحة النووية التكتيكية بنحو خمسة آلاف سلاح، وهو الرقم الذي تتضاءل في مواجهته حيازة حلف شمال الأطلسي من هذه الأسلحة، والتي يبلغ مجموعها 200 سلاح تقريباً، وحمل روسيا على نقل الرؤوس الحربية المتبقية بعيداً عن أراضي الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي. ويرى العديد من الروس أن هيمنة دولتهم في هذه المنطقة تشكل ضرورة أساسية لإصلاح الخلل في توازن الأسلحة التقليدية.
الواقع أنه لا توجد أي معاهدة رسمية للحد من التسلح تغطي بشكل مباشر هذه الأسلحة غير الاستراتيجية؛ ولم تكن هذه الأسلحة ضمن المفاوضات المستهدفة بين حلف شمال الأطلسي وروسيا. وما دامت الأسلحة النووية التكتيكية الأميركية منتشرة بالقرب من حدود روسيا، فإن المسؤولين الروس يصرون على أنهم لن يخوضوا في مثل هذه المحادثات.
وحتى إذا تمكنت الولايات المتحدة من حمل روسيا على الجلوس إلى طاولة التفاوض، فإن إقناعها بقبول تخفيضات كبيرة في ترسانتها من الأسلحة النووية التكتيكية قد يتطلب تلبية الولايات المتحدة مطالب إضافية، مثل الحد من التركيزات والمرافق العسكرية التابعة لحلف شمال الأطلسي والواقعة بالقرب من محيط روسيا، وإحياء المعاهدة الخاصة بالقوات المسلحة التقليدية في أوروبا بشروط الكرملين. وعلاوة على ذلك، يطالب قادة روسيا بأن تقبل الدول الأخرى المسلحة نوويا بوضع حدود مماثلة على مخزوناتها الخاصة من الأسلحة النووية التكتيكية.
الواقع أن روسيا تريد الاستعاضة عن عملية الحد من الأسلحة النووية ذات الطبيعة الثنائية على مدى الأعوام الخمسين الماضية بمفاوضات متعددة الأطراف، والتي تهدف إلى تقييد القدرات الهجومية التي تمتلكها الدول النووية الأخرى، بما في ذلك المملكة المتحدة وفرنسا والصين -وربما دول أخرى. ولكن إقناع هذه الدول بالمشاركة في مفاوضات الحد من الأسلحة، ناهيك عن حملها على القبول بوضع قيود جديدة على ترساناتها النووية الصغيرة نسبياً، سوف يكون صعباً للغاية. ومثلها مثل إدارة أوباما، فإن هذه الدول تعتقد بأن الجولة التالية من التخفيضات لا بد أن تركز على روسيا والولايات المتحدة، الدولتين اللتين تمتلكان كل الأسلحة النووية في العالم تقريباً.
يتلخص التحدي الأساسي الآن في أن قادة روسيا لا يشاركون أوباما نفوره من الأسلحة النووية. بل انهم يعتقدون، على العكس من ذلك، أنه على الرغم من تراجع احتمالات نشوب حرب نووية بشكل حاد منذ نهاية الحرب الباردة، فإن الردع النووي أصبح أكثر أهمية بالنسبة لروسيا وغيرها من البلدان التي تتفوق عليها القوة العسكرية التقليدية الأميركية. وقد يشكل هذا التصورعقبة يتعذر اجتيازها من أجل تحقيق رؤية إدارة أوباما في عالم خال من الأسلحة النووية.


*
كبير زملاء ومدير مركز التحليل العسكري السياسي في معهد هدسون.

 

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً