أوهام الإسلام السياسي…بقلم:حسام ميرو

2016/09/26
Updated 2016/09/26 at 9:31 صباحًا

thumbgen (1)
لحظة أفول الخلافة العثمانية، وجدت النخب العربية نفسها أمام العديد من الأسئلة دفعة واحدة. وبوصفها نخباً، تستشعر أهميتها ودورها، كان عليها أن تسعى إلى طرح تلك الأسئلة بالصيغ المناسبة حضارياً ومعرفياً، وأن تبدأ رحلة البحث في التراث والتاريخ والواقع من أجل تقديم إجابات، يُمكن لها أن تسهم في بناء الإنسان والمجتمع والدولة.
لقد كان سؤال: «لماذا تقدّم الآخرون فيما عجزنا نحن عن التقدّم؟» واحداً من أهم الأسئلة التي طرحها المفكرون العرب مع مطلع عشرينات القرن الماضي، وقد كان السؤال، بحق، جوهرياً، ولا غنى عنه للذات الجمعية، كي تدرك مكامن الضعف في داخلها، وأسباب التفوق الحضاري للآخر، بكل ما يعنيه مفهوم «التحضّر» من معانٍ وممكنات، مثل القوة الاقتصادية والعسكرية.
إن البحث عن إجابات حول تقدّم الآخر لدى طليعة مفكري عصر النهضة ما كان لها أن تخرج كثيراً عن إمكاناتهم ومرجعياتهم الفكرية، قياساً إلى تلك الفترة، ولقد وجد بعضهم أن سبب تأخرنا يكمن في الابتعاد عن «السلف الصالح»، وكانت تلك الإجابة، على عموميتها، واحدة من الأسباب التي وقفت خلف نشوء تيارات فكرية وسياسية، تتخذ من الإسلام مرجعاً في تفسير وفهم الظواهر، بل والنضال من أجل تغيير الواقع.
شكّل النقص المعرفي، وعدم الاطلاع الكافي، على تجربة الآخر، وخصوصاً تجربة أوروبا في عصر التنوير وما تلاه، خللاً في وعي أسباب تفوّق الآخر، وتأخر الذات الجمعية «الأمة»، ومع ذلك فقد بدت الإجابة المتمثلة بالابتعاد عن «السلف الصالح» كأنها اليقين الذي لا يأتيه الباطل لا من أمام ولا من وراء، وأنها كافية لصياغة حراك فكري وسياسي للخلاص من الواقع المأزوم.
إذن، سيكون الخلاص، بالنسبة لعدد من النخب الفكرية، هو العودة إلى الماضي، من دون حساب فرق التوقيت بين الحاضر وذلك الماضي، وما مرّت به البشرية من أشواط فكرية ومعرفية وعلمية وصناعية وحقوقية. واتخذت جميع حركات الإسلام السياسي من شعار «العودة إلى السلف الصالح» هدفاً تسعى إلى تحقيقه، بالطبع، مع جملة من التباينات الفكرية حول الشعار نفسه.
ويمكن القول، إن أحد أكبر الأوهام التي سيطرت، ولا زالت، عند جميع حركات الإسلام السياسي تتمثل في كونها لا تعي صيرورة التاريخ، بل أنها تعمل على معاكسته، وإنكار الشروط الموضوعية التي حكمت مسيرته، والنتائج التي تمخضت عنه، فما زالت حركات الإسلام السياسي تجد أن «الهوية» تستمد من الماضي، وليس من الراهن والمستقبل، وهو ما انعكس سلباً في وعي تلك الحركات، لجهة النظر إلى القضايا والمفاهيم الكبرى، مثل مفهوم «الدولة».
وضعت حركات الإسلام السياسي نفسها على تناقض من مفهوم «الدولة» نظرياً، فالدولة الوطنية الحديثة، كما تراها تلك الحركات، تتناقض مع مفهوم «الأمة»، وبالتالي فقد تمّ النظر إلى الدولة بوصفها مكبلة للمشروع الإسلامي، وقد أسهمت هذه النظرة في لحظات كثيرة، في تبني حركات الإسلام السياسي العنف ضد الدولة، واعتباره وسيلة من وسائل التغيير «الشرعية»، ولا يزال العنف، انطلاقاً من هذه النظرة، يلعب دوراً رئيسياً في حركات الإسلام السياسي، بل إنه في بعض الأحيان يكون إحدى ديناميات انبثاقها، كما هو حاصل اليوم في العراق وسوريا، وغيرهما من البلدان العربية والإسلامية. وخلال قرن كامل، لم تقم حركات الإسلام السياسي بمراجعة جدية لنشأتها وتاريخها، إذ إنه بسبب الفشل الذريع لعملها، سيطر عليها وهم آخر، يضاف إلى أوهامها، وهو أن العالم كله يتآمر عليها، ابتداءً من الدولة الوطنية، وصولاً إلى الغرب، وفي مقدمته الولايات المتحدة، فهذا الوهم بتآمر الجميع يبدو مريحاً للذات الجريحة، ويخلصها من أعباء المراجعة الجدية لفشلها.

وبالعودة، إلى الإجابة الخاطئة المتمثلة بأن أسباب تأخرنا تكمن في عدم العودة إلى «السلف الصالح»، يحق لنا أن نتساءل: ألم يحن الوقت لنبذ الأوهام عن الذات والآخر، والتفكير الجدي بأن جزءاً كبيراً من الفشل يقع على عاتق الذات، وفي عدم القدرة على الانتماء إلى روح العصر، وبأن التاريخ شيء والحاضر شيء آخر، وبأن الخطوة الأولى نحو التحقق الوطني والحضاري تكمن في نبذ الأوهام، وفي اللحاق بركب العلم والمعرفة، والأخذ بالأسباب الموضوعية للتقدم.
إن الخلط بين أمور العقيدة وبين الشأن العام ما زال يعيق حركات الإسلام السياسي، فهي ما زالت تضع نفسها وصية على «الأمة» وأبنائها، وكأن أبناء الأمة هم مجموع كمي من القُصّر الذين تنبغي هدايتهم، غير مدركة بأن مفهوم الوصاية على الأفراد والمجتمعات هو جزء من ماضي البشرية، وبأن المجتمعات الحديثة هي مجتمعات تفاعلية بين أفراد يتمتعون بقدر كبير من المسؤولية والحرية، وبأن الدولة هي انعكاس لمصالح جميع مواطنيها، وليست نظاماً يقوم على أيديولوجيا لجماعة ما، والأسوأ هو أن تكون تلك الجماعة تريد اختطاف الحاضر لمصلحة الماضي.
عن الخليج الامارتية

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً