أمد/ غزة – تقرير أنس ناصر عطا الله: البطالة في قطاع غزة تلتهم الخريجين بشهية مفتوحة, يعززها الحصار الإسرائيلي بعامه التاسع, وللانقسام باع طويل في طمس الآمال الشابة في غد أفضل, وعمل مُجدي يحفظ ماء الوجه ويعيل الأسرة ويلبي احتياجاتها, تعددت الصعاب التي تواجه الشباب في قطاع غزة والنتيجة واحدة, هي البطالة.
البطالة ونسبتها المتزايدة
ارتفعت معدلات البطالة بين فئة الشباب والخريجين في قطاع غزة لتتجاوز ال60%, حسب البنك الدولي والذي اعتبرها الأعلى عالمياً, وفي نفس السياق شددت اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار على أن نسبة البطالة تصاعدت بشكل كبير لتتجاوز ال65%, في حين وصل معدل دخل الفرد اليومي نحو 1 دولار (خط الفقر المتعارف عليه عالمياً دولار واحد في اليوم للفرد), ولا عجب في ذلك فالحصار وتغليب المصلحة الحزبية التي تعزز الانقسام تحول دون خفض هذه النسبة المهولة, وإن تجاهل صرخات العاطلين عن العمل والباحثين عن الحياة في سجن كبير أسمه “قطاع غزة” يؤدي إلى اكثر من ذلك, وكان آخرها ارتفاع حالات الانتحار والقتل.
شهادات على الأزمة, وصرخات للأحياء
بعد ما يزيد عن 24 شهر من التخرج, وتعليق شهادة البكالوريوس في الإعلام والاتصال من جامعة فلسطين, يقول مروان شقورة :” على عجالة وبعد بضعة أيام من التخرج سارعت إلى أخذ شهادتي الجامعية, للإستفادة من منحة دراسية حصلت عليها بمساعدة بعض المعارف في جمهورية مصر العربية, لكن الحصار والأوضاع السياسية المتقلبة حالت دون حصولي على مبتغاي”, ويتابع شقورة وهو أحد ضحايا الأوضاع المأساوية السائدة وانعدام المسؤولية تجاه الشباب, قائلاً:” عندما انقطعت بي السبل لاستكمال الدراسة, فكرت في الهجرة إلى قارة أوروبا لعلي أجد ضالتي هناك, فقطاع غزة يَعُجّ بالخريجين العاطلين عن العمل, الذين لا ينفكون في البحث عن فرصة عمل واحدة حتى لو كانت براتب ضئيل, لذلك وبعد أشهر من التدرب في المؤسسات الإعلامية وإهدار طاقتي دون جدوى أو مقابل بسيط, وصل بي التفكير إلى ترك هذا الكابوس الذي يسمى “قطاع غزة” والهجرة بلا رجعة”.
لكن الحصار وإغلاق المعابر التي تصل شقورة بالعالم, منعته من ترك واقعه المفروض عليه, وأجبرته على العودة إلى المحاولة والمواصلة في البحث عن مخرج ينقذه من الهلاك المقرون بالبطالة, وعند سؤاله عن تجربته في المؤسسات الإعلامية تحت مسمى “متدرب” قال:” يوجد في قطاع غزة العديد من المؤسسات الإعلامية, منها ما هو تابع لفصيل ومنها ما هو تابع للقطاع الخاص, ولكن يتشابهون في شيء واحد وهو القبول بموجب الواسطة أو ما يعرف بـ”فيتامين واو”, هذا للتدرب فقط فما بالك بالتقدم لوظيفة والحصول على عمل”, ويشدد مروان في حديثه على أن قطاع غزة أصبح لا يحتمل وكأنه ضاق بساكنيه, ولا يرى انفراج في الأفق, هذا ما وصل إليه حال واحد من ما يزيد عن 150 ألف خريج عاطل عن العمل, في نهاية المطاف علق مروان آماله في الحصول على عمل بجانب شهادته الجامعية ووجد لنفسه سيارة أجرة يعمل عليها كسائق حاصل على بكالوريوس في الإعلام.
الانقسام وأثره على البطالة
التفرقة الحزبية في قبول طلبات التوظيف, وتفضيل أبن الفصيل عن باقي المتقدمين للوظيفة هو من الأسباب الواضحة للجميع والتي تساهم في ارتفاع نسبة البطالة, يؤكد الشاب رؤوف الشاعر ما سبق من واقع تجربته, ويتابع:” لقد تقدمت للعديد من الوظائف الشاغرة والتي استوفت مؤهلاتي جميع شروط القبول والحصول عليها, واجريت المقابلة الشخصية على اتم وجه, لكن في نهاية الأمر تفاجأت بعدم حصولي على العمل, رغم قلة المتقدمين للمقابلة الشخصية, ما حصل معي أكثر من مرة قطع الشك باليقين أن هذه المقابلات ما هي إلا شكليات فقط, وان الوظائف توزع حسب الانتماء الحزبي لدى المتقدمين”, مقابلات عديدة اجراها الشاعر وباءت كلها بالفشل رغم مثابرته واجتهاده, وهذا ما دفعه هو الأخر إلى الالتحاق بركب العاطلين عن العمل والانتظار في محطة البطالة لحين الفرج.
فتح وحماس هما السبب
حمّل الشاب عبد الجواد الاغا طرفا الانقسام مسؤولية ارتفاع معدل البطالة في قطاع غزة, وقال:” نعلم علم اليقين أن الحصار الإسرائيلي له دور كبير في معاناة الخريجين, لكن النزاع بين حركتي حماس وفتح على السلطة والمماطلة في تشكيل حكومة وحدة وطنية جادة, حال دون الخروج من أزمة البطالة”, ويؤكد الاغا في حديثه على أن اعمار الشباب في قطاع غزة تسرق منهم ولا يستطيعون عمل شيء لوقف هذه المهزلة والتي تسمى “انقسام”, ويتابع عبد الجواد مستنكراً:” الجميع يعلم أن الشباب هم كبش الفداء في هذه القضية, فحماس تجعل أزمة موظفيها عائقاً في وجه تحقيق المصالحة, متجاهلة مصلحة باقي أطياف الشعب, وفتح التي تتشبث بشروطها ولا تتنازل عن شيء لإنعاش القطاع وإعادته إلى الحياة, لها من الوزر ما لحركة حماس, ولا حياة لمن تنادي”.
سجن غزة المركزي
بهذا الخصوص يقول الدكتور سفيان أبو زايدة في مقالته الأخيرة التي حملت عنوان “أهلاً وسهلاً بكم في سجن غزة المركزي”, في ما يتعلق بالبطالة, أن:” حجم البطالة و ما تسببه من فقر مدقع يصل الى حد امتهان كرامة الانسان و التي تصل نسبتها الى اكثر من خمسين بالمئة ، و في اوساط الشباب و خاصه خريجي الجامعات منهم تصل الى ارقام خرافية، بل من الناحية العملية لا عمل و لا افق لإيجاد فرصة عمل لهذا الجيل من الشباب اذا ما استمر الحال على هذا المنوال”, ويؤكد أبو زايدة في مقالته على أن السلطة لم تستوعب احد في صفوفها منذ عشر سنوات وتنتهز كل فرصه ممكنه لتقليص فاتورة الرواتب من خلال الاحالة على التقاعد المبكر او الخصومات مختلفة، وحماس كسلطه فعلية في قطاع غزة استوعبت كوادرها و جزء من عناصرها و غير قادره على استيعاب المزيد منذ سنوات”.
خلاصة الكلام
لقد بلغ السيل الزبى ولم يعد من الممكن السكوت على الوضع الحالي الذي يخيم كسحابة سوداء على قطاع غزة, وأصبح من الضروري على مراكز القوى في القطاع والضفة أن يتحملوا مسؤولياتهم تجاه الشباب الذين يعلقون ما تبقى من آمالهم على مستقبل مشرق, يضمن لهم حياة سعيدة في واقع أليم.