الجيش والسياسة.. نموذج الحالة الإسرائيلي … بقلم :عبد العليم محمد

2015/08/23
Updated 2015/08/23 at 8:47 صباحًا

27
العلاقات المدنية العسكرية في إسرائيل أو ما يطلق عليه المتخصصون في الدراسات الإسرائيلية العلاقات بين المستوى السياسي والمستوى العسكري، هي علاقات متداخلة ومتشابكة منذ نشأة إسرائيل في عام 1948 وتولى «دافيد بن غوريون» رئاسة أول حكومة إسرائيلية.
وقد حظيت هذه العلاقات بين المستوى السياسي والمستوى العسكري في إسرائيل بتفسيرات متباينة، وفق النماذج النظرية التي حاولت تفسير هذه العلاقات وعلاقة العسكريين بالسياسة عموما، أي نموذج الدولة القلعة أو الدولة العسكرية، ونموذج المركب الصناعي العسكري والنموذج الوظيفي، ونموذج الشبكة الأمنية ونموذج الشعب المسلح، ونموذج الشراكة بين المؤسسة العسكرية والمستوى السياسي.
يمثل مفهوم الأمن هاجساً محورياً للوجود الإسرائيلي ويستمد الجيش مكانته من مسئوليته عن تأمين الوجود الإسرائيلي ومواجهة الأخطار ومصادر التهديد، وهو أي الجيش يمتلك الأجهزة الخاصة بجمع المعلومات وتحليلها ورصد المستجدات والمعطيات وتحضير الخطط اللازمة بطريقة مهنية واحترافية تفوق غيره من المؤسسات في الدولة الإسرائيلية، بل يكاد الجيش يكون عبر أجهزته وأقسامه المتخصصة في التخطيط والمعلومات والتحليل المؤسسة الوحيدة التي تمتلك هذه القدرات والإمكانيات.
وفضلاً عن مركزية الجيش والمؤسسة العسكرية في إسرائيل في القضايا التي تتعلق بالأمن والدفاع، فإنه يلعب أدواراً أخرى مدنية تتعلق بالاستيطان والتعليم واستيعاب المهاجرين وخدمة الفئات المهمشة في إسرائيل، ويضطلع الجيش الإسرائيلى بمهام أخرى في السياسة الخارجية والمفاوضات، حيث لا توجد في إسرائيل سياسة خارجية بالمعنى المتعارف عليه وإنما وفقاً لشيمعون بيريس الدول الصغيرة ليست لها سياسة خارجية بل سياسة أمنية» للتدليل على ارتكاز السياسة الخارجية الإسرائيلية على الأمن.
ومن الناحية الاقتصادية يعتمد الاقتصاد الإسرائيلي على الصناعات العسكرية التي يعمل بها نسبة كبيرة من قوة العمل في إسرائيل وتمثل جزءاً مهماً من صادرات إسرائيل، كما أن المجال السياسي المدني يزخر بالعديد من الجنرالات الذين انضموا أو أسسوا أحزاباً إسرائيلية تفاخر بهم هذه الأحزاب أمام تلك الأحزاب الأخرى التي لا تضم مثل هؤلاء الجنرالات باعتبار هؤلاء هم الأقدر على فهم متطلبات أمن الدولة الإسرائيلية ومواجهتها.
أكد بن غوريون مؤسس الدولة الإسرائيلية وجيشها أن الجيش لا يقرر السياسة ولا النظام ولا القوانين، ولا يقرر كذلك شأن الحرب والسلام فالجيش وفق تصور بن غوريون هو الذراع التنفيذية للحكومة بشأن الأمن والدفاع، في حين أن صلاحيات الحكومة الإسرائيلية هي تحديد الخطوط العريضة السياسية تجاه الداخل والخارج، وإعلان الحرب وصنع السلام بل وتنظيم الجيش ذاته.
وفي مواجهة نموذج الدولة – القلعة حاول بعض الباحثين والأساتذة الإسرائيليين تقديم نموذج «الشعب المسلح» لتشخيص العلاقات بين الجيش والمجتمع في حالة مشاركة المواطنين في الجهد العسكري عند أعلى نقطة ممكنة، وهذا النموذج هو الأقرب من وجهة نظر هؤلاء الباحثين للدولة الإسرائيلية، فهذه الدولة في حالة حرب مستمرة واستعداد دائم للحرب وهو ما عبر عنه قانون الخدمة العسكرية في آب عام 1949، والذي ركز على أن الهدف منه إعداد الشعب كله للقتال عند الضرورة.
استمرت هيمنة «النموذج الوظيفي» في تفسير علاقة المستوى العسكري بالمستوى السياسي في إسرائيل حتى النصف الأول من الثمانينات، وساهمت عوامل عديدة في إزاحة هذه الهيمنة من بينها «التقصير» في حرب تشرين الاول عام 1973، وغموض العلاقات والمسئوليات بين الجانب العسكري والمستوى السياسي الذي كشفت عنه لجنة «أجرانات»، التي وصفت تقريرها لتفسير أسباب التقصير في الحرب وغياب تحديد الصلاحيات في المجال الأمني، ويضاف إلى هذه العوامل نتائج انتخابات 1977 وسقوط حزب العمل وصعود الليكود إلى الحكم، والذي أنهى احتكار حكومة العمل لمنصبي وزير الدفاع ورئيس الحكومة وعززت حرب لبنان عام 1982 من محصلة هذه العوامل وتأثيرها في ظهور مداخل جديدة لتفسير علاقة المستوى المدني بالمستوى العسكري في إسرائيل.
وقد أفضت محصلة هذه العوامل إلى ظهور «نموذج الشراكة» بين المؤسسة العسكرية والمستوى السياسي في عملية صنع القرارات، التي تتعلق بالأمن القومي.
وفى حين يؤكد «نموذج الشراكة» وجود مؤسستين منفصلتين في إسرائيل، هما المؤسسة العسكرية في جانب والمؤسسة السياسية المدنية في جانب آخر، يركز نموذج «الشبكة الأمنية» على صعوبة الفصل بين الأمن في إسرائيل والمجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغموض العلاقات بين هذه المجالات.
تختص إسرائيل دون غيرها من بلدان الديمقراطيات الغربية بأهم معالم التسلط العسكري المعروفة رغم أنها في نهاية المطاف تضع نفسها بين الدول الديمقراطية ويضيفها أصدقاؤها في عداء هذه الديمقراطيات، فهي تقوم بتعبئة أعداد هائلة من القوات النظامية وقوات الاحتياط والأنظمة التي وضعتها للتجنيد والاحتياط والتدريب تضمن لها ذلك، ولم يتفوق العرب عددياً على إسرائيل في أي من الحروب التي خاضوها ضد إسرائيل، وذلك فضلاً عن التفوق التقني والتكنولوجي، وبالإضافة إلى القوات النظامية والاحتياط فإن إسرائيل تتبنى إنشاء مجموعات شبه عسكرية أو ميلشيات لا يتم حصرها ضمن أفراد الجيش وتقوم هذه الجماعات بأدوار ذات طبقة عسكرية في المواقف التي تتطلب ذلك مثل جماعات المستوطنين «والناحال» وغيرها.
رغم الاستثنائية التي تميز مظاهر وطبيعة الوجود الإسرائيلي فإن دور الجيش فى إسرائيل الأمني والعسكري والمدني والاقتصادي لا يبدو استثنائياً، حيث تقوم الجيوش في العديد من الديمقراطيات بأدوار اقتصادية ومدنية وصناعية وتكنولوجية متعددة في إطار تعضيد قوة الدولة، أما في حالة الدول النامية فبالإضافة لهذا الدور التنموي متعدد الجوانب للمؤسسة العسكرية يبرز الدور السياسي والتحولات السياسية في هذا الدور.
عن «الاهرام» المصرية

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً