الذكرى الخامسة للشاعرالمصري حلمي سالم، احب فلسطين ، ودافع عن بيروت

2017/07/31
Updated 2017/07/31 at 8:49 صباحًا

القاهرة – الحياة الثقافية – عاش حلمي سالم مأساة جيله بنكسة حزيران وانكسار الحلم وشرخ الروح لتبدو عليه علامات الغضب والبحث عن ملاذ فى القصيدة والكتابة بشكل عام. وكان واحداً من رموز الحركة الوطنية – الطلابية – في بداية السبعينيات وظل طوال تلك العقود يمتلك أملاً لا حدود له رغم نوبات اليأس التي لاحقته أحياناً.
شاعر الثورة
تحيي الأوساط الثقافية في مصر والعالم العربي هذه الايام الذكرى الخامسة لرحيل الشاعر حلمي سالم. ولد سالم في 1951 بمحافظة المنوفية المصرية، ورحل في 28 تموز عام 2012، حاصل على ليسانس صحافة من كلية الآداب جامعة القاهرة.
يقول الشاعر زين العابدين فؤاد عن صديقه سالم “معرفتي بحلمي سالم تعود إلى عام 1970 عندما أتى سالم للانتساب إلى جامعة القاهرة حاملاً معه رسالة من أحد أصدقائي الذي يطلب مني رعاية سالم لأنه شاعر واعد”.
انطلق مشوار حلمي سالم الشعري عندما أصدر مع رفيق دربه الشاعر رفعت سلام ديوان “الغربة والانتظار” عام 1973، وكان حلمي دائماً يضحك ويقول بأن “رفعت الغربة وأنا الانتظار”.
الديوان الاول
في صيف 1974 أصدر ديوانه الأول “حبيبتى مزروعة في دماء الأرض” ليخط لنفسه لغة جديدة وسط زحام الأصوات التي امتلأت بها الحياة الثقافية في مصر آنذاك
يقول صاحب كتاب “حلمي سالم ناقداً ومحاوراً” المؤرخ الشاعر شعبان يوسف عن مجلة “إضاءة” ودور حلمي سالم فيها، حيث يشير إلى أنه “كان الأكثر حراكاً في المناقشات، والتجهيزات. ففي يوليو عام 1977 قام سالم بإصدار مجلة “إضاءة”، وقد صاغ افتتاحية العدد الأول موجهاً انتقادات لتجارب سابقة، وبقيت تصدر حتى نوفمبر 1988.
كانت “إضاءة” عبارة عن مجلة تجمع جيل الشعراء الشباب (الفصحى والعامية) حيث كانت هيئة التحرير مؤلفة من: حلمي سالم -حسن طلب – جمال القصاف – ماجد يوسف – أمجد ريان ورفعت سلام.

تأثر سالم بالشاعر محمد عفيفي مطر فكان الأب الشعري له حيث تأثر به كثيراً وكان دائماً ما يحتفي به في مصر. وفي النقد كان يميل لمدرسة الشاعر أدونيس وكان دائماً يستند إلى كتابه “زمن الشعر”.
سالم وحلم بيروت وفلسطين
في عام 1979 سافر سالم إلى بيروت مع زوجته حياة الشيمي التي ما لبث أن انفصل عنها بعد أن رزقا بابنتهما لميس، وهي تعمل اليوم أستاذة جامعية، وبعدها استقر في بيروت وتزوج من زوجته اللبنانية إيمان بيضون التي ينادونها أمل. أنجب منها رنيم وحنين. وهناك عمل كصحفي في مجلة “البلسم” التي كان يترأس تحريرها عبد الرحمن بسيسو رئيس الهلال الأحمر الفلسطيني (فرع بيروت).
عام 1982 عمل سالم في مجلة “المعركة” التي كان سكرتير تحريرها عبد المنعم القصاص، وكانت مهمة المجلة التي بقيت تصدر أثناء الاجتياح الإسرائيلي نشر مقالات لدعم المقاومة. وشارك بالكتابة فيها: محمود درويش، سعدي يوسف، معين بسيسو وزين العابدين فؤاد. والكتاب الأدباء رؤوف مسعد، غالب هلسا، سلوى بكر، عزمي فخري، المؤرخ عبدالقادر ياسين، سمير عبد الباقي، علي فودة.
هنا يتوقف الشاعر زين العابدين فؤاد ليروي: بأن رئيس تحرير مجلة “رصيف” الشاعر علي فودة التي كانت تصدر في بيروت أصيب بشظية ونقلناه بعدها مباشرة إلى مستشفى ميداني وأعتقدنا جميعاً أنه استشهد، فرثيناه جميعاً ككتاب وشعراء، إلا أن القدر شاء وعاد إلى الحياة فقرأ كل ما كتبناه عنه وهو على سرير المستشفى وعلق على كل ذلك بمقال واحد ثم فارق الحياة بعد يومين متأثراً بجراحه”، وقد توقف الشاعر سالم كثيراً عند سيرة الشاعر فودة في كتابه “لا ثقافة تحت الحصار”.

كان سالم في بيروت ضمن مجموعة مصرية مكونة من حوالى 35 فرداً أغلبها ينتمي لليسار وبالأخص حزب اليسار المصري الذي أسسه إبراهيم فتحي الذي يقيم اليوم في لندن. منها: المطرب عادل فخري، رفيق الكردي وعلي إبراهيم الملقب بالسيخ النبيل وهو لقب يطلق على أعضاء حزب اليسار الذين عرفوا بالنشاط والحماس، حيث كان إبراهيم بمثابة قائد هذه المجموعة وأكثرها انغماساً في العمل السياسي والعسكري. تقول أمل زوجة سالم بأن علي إبراهيم كان متزوجاً من البصيرة الفلسطينية لينا درويش التي كانت رغم فقدانها لبصرها أقوى من إبراهيم، فكانت تتحرك بطريقة طبيعة لدرجة أنها ترافق زوجها لحضور السينما”.

كان الشاعر سالم يشعر دوماً أن لعنة المرض سوف تلاحقه كما لاحقت أقرانه، فمنذ أن تلقى نبأ مصرع الشاعر الراحل علي قنديل في حادث سيارة عام 1975 وحتى رحيله كان يدرك أن لعنة عبد الدايم الشاذلي وخالد عبد المنعم وآخرين سوف تصيبه، لكنه كان يتمنى دوماً أن يرى “البشاير” كما كان يقول دوماً عن الثورة.
وفى كانون الثاني/يناير 2011 كان المرض قد بدأ يغزو الجسد المتماسك وبدأت تباشير الثورة المصرية تهل في مصر بعد أن أشرقت في تونس، وظهر حلمي سالم متقداً متألقاً لأنه شاهد البشارة قبل أن يتملكه المرض تماماً ويرحل في 2012 تاركاً منجزاً شعرياً سوف يتوقف النقد الأدبي أمامه طويلاً، كما أنه ترك سيرة عطرة لمناضل ومثقف نادر تشعرك أنك تعرفه منذ عشرات السنين.
تجليات الحجر الكريم الذي كتبه عن الانتفاضة الفلسطينية
يوم السبت 28تموز/يوليو 2012 قبل رحيله دخل سالم المستشفى قبل أسبوع لإجراء بعض التحاليل، وهناك احتجزه الأطباء، لكنّه أصرّ على الخروج؛ لأنّه كان مرتبطاً بأمسية شعرية، فكتب تعهداً بتحمّله المسؤولية، وذهب إلى “حزب التجمع” اليساري ليلقي قصائد ديوانه الأخير “معجزة التنفس”، فالشعر بالنسبة إلى سالم كان “علاجاً” أفضل من “ألف جلسة كيماوي” كما قال في تلك الأمسية.
سيرة بيروت
صاحب ديوان “سيرة بيروت” حلمي سالم كان أكثر أبناء جيله غزارة، كانت أشعاره “حياته”، لكنّها مكتوبة في قصيدة، هكذا يمكن أن نقرأ عن رحلاته، ومرضه، وحروبه ومعاركه الفكرية، ونضالاته وأصدقائه، وتجاربه العاطفية. سيرته مبثوثة في 21 ديواناً عبر كل القصائد. فكتب عن حصار بيروت (ديوانه “سيرة بيروت”) وعن رحلته الباريسية (الغرام المسلح) وعن متابعاته للانتفاضة الفلسطينية (تجليات الحجر الكريم) وعن تكفيره بعد قصيدته “شرفة ليلى مراد”، حتى تجربة الثورة المصرية كتب عنها في ديوانه الأخير “أرفع رأسك عالية”. ثم أتبعه بديوانين نشرا بعد وفاته هما “حديقة الحيوانات”، و”معجزة التنفس” الذي هو تعبير أيضاً عن تجربة مرضه الأخير.

محمد علي فقيه

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً