السعودية ترد الاعتبار للحريري قبيل الانتخابات ..بقلم :عبير بشير

2018/03/06
Updated 2018/03/06 at 9:23 صباحًا


طوت مشهدية استقبال رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري الحار في الرياض ووداعه، صفحة طارئة في العلاقة بين الحريري والمملكة السعودية. وعزز استقبال الملك سلمان الدافئ للحريري، مكانته في المعادلة الداخلية اللبنانية، وفي الشارع السني التي اهتزت بعد التسوية الرئاسية، وأعطى ذلك إشارة صريحة بأن الحريري ما زال الحصان الرابح بالنسبة للملكة، وإلى أنه ما زال حليفاً أساسياً ورئيسياً للملكة في لبنان، رغم الغيوم التي تراكمت بين الحريري والرياض منذ أزمة استقالته الملتبسة والمباغتة من الرياض، والفتور الذي ساد العلاقة بين الطرفين على خلفية انخراط الحريري في ترشيح وإيصال ميشيل عون حليف حزب الله إلى القصر الرئاسي، خلافا للرؤية السعودية. ولم تكن مآخذ المملكة في حقيقتها مرتبطة بموقف سلبي من الحريري نفسه، بل بخيار الحريري، والتي رأت فيه السعودية بأنه يصب لمصلحة المشروع الإيراني بالسيطرة على لبنان.
وهدفت دعوة الحريري الرسمية لزيارة الرياض، إلى طي صفحة الاستقالة ومرحلتها السيئة، والتي استغلها أكثر من طرف في الداخل والخارج لتصفية حسابات مع المملكة، في حين أن الرياض كانت ولا زالت الداعم الأول للبنان عربياً ودولياً.
ويبدو أن الرياض قررت التعامل مع الملف اللبناني بمقاربة جديدة، تقوم على المواجهة الناعمة مع حزب الله، بما يعيد التوازن داخل الخريطة اللبنانية، ومنع حزب الله من الإيغال في الإمساك بمفاصل الدولة اللبنانية، فلم تطالب الحريري خلال زيارته للملكة بمواجهة خشنة مع حزب الله، وقيادة مشروع سياسي صدامي معه من جديد، يعيد إلى الأذهان مشهد عام 2005، تاريخ ولادة 14 آذار، و8 آذار. ولم يكن صدفة أن جاء توقيت التحرك السعودي تجاه لبنان، قبل الانتخابات النيابية فيه، وقبيل الإعلان النهائي عن خريطة التحالفات الانتخابية بين تيار المستقبل والقوى الأخرى، حيث تخشى السعودية من أن يؤدي إضعاف تيار الحريري، وقانون الانتخابات الجديد، إلى اختراق حزب الله للتمثيل السني في لبنان بنسبة الثلث، والأهم إضعاف الدور السني وتأثيره في المعادلة اللبنانية. كما لا يمكن للملكة أن تغفل خطر أن يحقق حزب الله وحلفاؤه أكثرية نيابية، في ظل تشتت قوى الرابع عشر من آذار، وتمكن حزب الله فيما بعد من التحكم في قرارات الحكومة اللبنانية المقبلة بشكل كلي.
ويعتبر حزب الله أول المهتمين بفهم مرتكزات مرحلة ما بعد زيارة الحريري للسعودية، وما أشرت إليه بشكل واضح عن وجود قرار سعودي بالعودة إلى لبنان مجددا، والسعي إلى توفير مقومات التوازن الداخلي اللبناني، الذي اختل بقوة لصالح حزب الله، الذي كان يستعد لترجمة ما يعتبره انتصاراً لمحوره في سورية والإقليم، في الانتخابات النيابية، مستفيداً من الفراغ الذي تركه الانسحاب السعودي المؤقت سياسياً ومالياً من الساحة اللبنانية، قبيل وبعد استقالة الحريري المفاجئة من الرياض، ووجد حزب الله نفسه أمام عودة مباغتة للسعودية إلى لبنان، وتجديد للرعاية السعودية لسعد الحريري.
وأظهرت لقاءات الحريري في السعودية، بأن الرياض أصبحت أكثر تفهماً لمسوغات وموجبات إستراتيجية الواقعية التي ينتهجها سعد الحريري منذ انخراطه في التسوية الرئاسية مع الجنرال عون، والتي أنهت الشغور الرئاسي وأوصلت الأخير إلى قصر بعبدا، على قاعدة إنقاذ لبنان، وسياسة النأي بالنفس عن النار الإقليمية التي تلفح المنطقة، ونجح الحريري بإقناع القيادة السعودية بصوابية خيار تحالفه مع رئيس الجمهورية العماد ميشيل عون، كوسيلة أساسية لإعادة خلق توازن في البلد لمواجهة حزب الله، وبواقعية قراره بربط النزاع مع حزب الله، لصالح استقرار لبنان.
وخرجت زيارة الحريري للملكة، عن الإطار التقليدي، واكتسبت- دلالات كبيرة من حيث الشكل والمضمون، وتوقف المتابعون عند صورة السلفي التي جمعت الحريري بولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وشقيقه سفير المملكة لدى واشنطن الأمير خالد ووضعوها تحت المجهر. وعبرت عودة الحريري إلى السعودية، والسعودية إلى لبنان عن قرار تدعمه عواصم الثقل الدولية، بعدم تقديم لبنان على طبق إلى إيران، وعن عدم تركه دون ظهير سياسي ومالي سعودي، قادر على توفير عناصر التوازن من خلال دعم حلفاء المملكة في لبنان وفي مقدمتهم رئيس الحكومة سعد الحريري. وكانت زيارة المبعوث السعودي نزار العالولا إلى بيروت ولقاؤه مختلف المرجعيات السياسية فيه، قد مهدت لزيارة الحريري إلى الرياض.
وفي وقتٍ يرى البعض أنّ زيارة الحريري إلى السعودية شكلت “ردّ اعتبار” للرجل بعد ملابسات استقالته من الرياض، وبعد الحملة الظالمة التي تعرض لها بسبب ربط النزاع مع حارة حريك – مقر حزب الله -، وأتت الزيارة لتعبر عن قناعة مشتركة باتت راسخة لدى الجانبين تقوم على أنّ كلاً منهما بحاجة للآخر، فالسعودية بحاجة للعودة إلى الساحة اللبنانية، حتى لا يفلت لبنان من بين أصابعها، وهي في سبيل ذلك بحاجة إلى إعادة الحريري إلى كنفها ورعايتها، والحريري أيضا يحتاج للاحتضان السعودي، من أجل شد عصب الشارع السني الذي توزع على اكثر من شخصية سياسية سنية، ومن أجل عدم استضعاف خصومه السياسيين له، خصوصاً بعدما أعلن في وقت سابق، أنه سيخوض الانتخابات النيابية بدون مال.
وتنتظر الأوساط اللبنانية نتائج لقاءات الحريري في الرياض، على صعيد انعكاسها على خريطة التحالفات الانتخابية، غير أن الرهان على حدوث انقلاب في التفاهمات بين التيار الأزرق والتيار البرتقالي – العونيين – يبقى مستبعداً، في ظل تمسك الحريري بعلاقة مميزة مع الجنرال عون يراها ضرورية لاستقرار لبنان، وابتعاده عن التجاذبات الإقليمية، وكذلك بعد وقوف الرئيس عون مع الحريري في أزمة استقالته. غير أنه من المرجح أن يفرمل الحريري بعض الشيء في تحالفاته الانتخابية مع عون في بعض المناطق والأقضية، ويعزز من تحالفه مع حزب القوات اللبنانية والكتائب، ويرد الاعتبار إلى قوى الرابع من آذار انتخابياً بعد حملة التفكك التي طالتها بناءً على تفاهمات مع الرياض وليس اشتراطات.
وقد سجلت زيارة الحريري للسعودية هدفاً في مرمى خصومه السياسيين في الشارع السني، الذين كانوا يزايدون عليه في عدائهم لحزب الله، ورفضهم الطبخة الرئاسية، ويخططون لوراثة الزعامة السنية من الحريري. وكانوا مسرورين لأجواء التوتر التي سادت مؤخراً بين الحريري والمملكة. فقبل أسابيع بدا الجو مكهرباً بين الرياض والحريري، حيث وجه الحريري رسائل حامية ومشفرة إلى من يهمه الأمر، وذلك في الذكرى الثالثة عشرة لاستشهاد الشيخ رفيق الحريري، والتي أقام لها تيار المستقبل تجمعاً خاصاً، حيث قال الحريري في المناسبة “إن زعامته لا تأتي من أحد”، “وإن أصوات جمهور رفيق الحريري لا تباع ولا تشترى لا بالمال ولا بالهوبرات ولا المزايدات”، وقال الحريري أقوى من ذلك “إن تيار المستقبل لا يقبل أن يضعه أحد في علبة طائفية أو مذهبية، ويقفل عليه، ويرمي المفتاح. غير أن الخطوة السعودية الإيجابية تجاه الحريري للملمة الوضع واستعادة الحريري جاءت لتخلط أوراقهم، وجاءت التطورات الجديدة لتخيب آمالهم.
وأوضح الحريري عقب وصوله إلى بيروت قادماً من الرياض “أن الشكوك حول علاقتي بالسعودية غير صحيحة، والعبرة بالنتائج، وسترون دعم السعودية للبنان ولسعد الحريري”.

Share this Article