الشرخ العربي والنفق المظلم! … عرفان نظام الدين

shello
shello 2013/12/02
Updated 2013/12/02 at 11:24 صباحًا

jyujtyuj9996

لم يكن ينتظر أحد، لا من العرب ولا من غيرهم، أن ندعو إلى قمة عربية تخرج بنتائج ملموسة أو بقرارات «عليها القيمة» لمواجهة الظروف الخطيرة والصفقات الدولية المشبوهة. فقد فقدنا الأمل بالقمم وقراراتها وبياناتها الممجوجة المكررة، وحتى خيبات الأمل لم تعد ظاهرة كما كانت من قبل عقب كل قمة، لأن فاقد الشيء لا يعطيه والتجارب علمتنا ألا نلتفت إلى مثل هذه المؤتمرات.

ومع هذا، فإن الأمل الوحيد المتبقي يكمن في تحريك جهود خيرة أو تحرك حكماء عرب لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من العمل العربي المشترك والخروج من النفق المظلم الذي ستكون عواقبه أكثر ضرراً من قبل، لأن الشرخ داخل الجسد العربي يزداد اتساعاً وأن الخراب يطاول كل الأعضاء والمنظمات والمشاريع المشتركة، وصولاً إلى انقطاع العلاقات الودية وغياب الثقة بين الجميع.

فالجامعة العربية أصبحت اسماً على غير مسمى ولم تعد قادرة على الخروج من حالة الشلل التي أصابتها وخربت كيانها تدريجاً ولتتحول إلى مؤسسة فاشلة لا تقدم ولا تؤخر تضم مجموعة من الموظفين الذين لا عمل لهم، فمنهم من أُبعد من بلده لأسباب معينة، ومنهم من كانوا من المحظوظين الذين حشروا في الجامعة لإنهاء فترة تقاعدهم أو ما بعد تقاعدهم ويحصدون حفنة من الدولارات، بالعملة الصعبة، وتبقى قلة من الأخصائيين والمخلصين الذين لا يجدون عملاً مجدياً أو لا يسمح لهم بالتحرك إلا ضمن حدود الروتين والبيروقراطية والحسابات الضيقة والمحسوبيات الكريهة.

أما سياسة «النأي بالنفس»، فقد أصبحت عنوان المرحلة في شتى أنحاء العالم العربي، وليس في لبنان فحسب، فكل دولة عربية تنأى بنفسها عن الدول الأخرى وتتقوقع وتبعد نفسها عن القضايا العربية وهمومها، وتبحث عن راحة البال، وهي تتبع مبدأ «يا رب نفسي أولاً، ومن بعدي الطوفان».

والجامعة العربية ليست الوحيدة المشلولة، بل انتقلت عدواها إلى مختلف المنظمات والمؤسسات العربية التابعة لها أو من خارجها، السياسية منها والاقتصادية وحتى الإنسانية، باستثناء مجلس التعاون الخليجي الذي، على رغم السلبيات وانتقادات التباطؤ في حركته، يعتبر قدوة للعمل العربي المشترك وتعزيز التضامن والتعاون والمشاركة في حل المشاكل وتقديم العون لأعضائه مثل دعم سلطنة عمان والبحرين، أو في الترحيب بمشاركة الأردن والمغرب واليمن في العضوية وفق جدول زمني واتفاق على مفاوضات مرحلية لإتمام الإنجاز المهم.

وتكمن المفارقة في أن المؤسسة العربية الوحيدة التي ظلت مستمرة وفاعلة وقوية هي مجلس وزراء الداخلية العرب، إذ إنها لم تفوت جلسة ولم تترك قراراً من دون تنفيذ ولا مشكلة من دون تعاون تام لحلها ضمن قناعة بأن الأمن هو الأساس وأن أجهزة الأمن قادرة على التفاهم والتعاون على رغم الخلافات بين دولها إلى حد القطيعة، مع أن القاصي والداني يدرك أن الحل الأمني جزئي وآني، بينما الحلول المطلوبة لإرساء الأمن بشكل سليم تتطلب حل المشاكل الاقتصادية والمالية والاجتماعية، مثل الفقر والبطالة وفراغ حياة الشباب وغياب فرص العمل وعدم تنفيذ مشاريع منتجة مشتركة لاستيعاب ملايين العاطلين عن العمل وخريجي الجامعات والكليات الفنية.

والمؤسف أن أدنى مستويات التضامن العربي لم تعد قائمة على رغم أن الشعوب رضيت، على مضض، بطي مشاريع الوحدة والاتحاد، وفتح الحدود والسوق المشتركة، ورضيت بشعار التضامن الذي شاع أمره ولم نرَ فعله في أواخر القرن المنصرم، إلى ان تقلصت الطموحات إلى حدودها الدنيا، وهي عقد قمة من هنا أو لقاء جانبي أو حتى المصافحة بين القادة العرب لتطمئن قلوبنا.

ولا نبكي هنا على أطلال العمل العربي المشترك أو التضامن المظلوم، بل نضع أيدينا على جرح دامٍ تعيشه أجيالنا التي ولدت وعاشت على العروبة ووحدة الأمة والمستقبل الزاهر الذي كنا نحلم به عن طيبة أو عن سذاجة. فقد عشنا أياماً كنا نتشبه بالمعتصم وامرأة عمورية، بحيث إذا ضرب أجنبي أخاً في الجزائر ننتفض من المحيط إلى الخليج. وإذا تعرضت دولة للعدوان تحركت الأمة كلها للدفاع عنه، ونحن نؤمن بقول الله عز وجل: «واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا». وكانت أجيالنا تتألم للخلافات وتحذر من أخطارها، مستندة أيضاً إلى قول الله تعالى: «ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم».

بل أكثر من ذلك، كنا نصدق حكم كتب التراث ورواياته ونحاول التشبه بها مثل قصة الأب الذي شارف على الموت، فجمع أولاده وطلب من كل واحد منهم أن يحضر معه عصا وطلب منهم أن يكسروها ففعلوا، وطلب منهم أن يحضروا المزيد وقال لهم: اجمعوها في حزمة واحدة وتجمعوا كلكم بكامل قواكم لكسرها. فلما فشلوا ولم يفلحوا قال لهم: هذه هي وصيتي لكم ان تبقوا متضامنين يداً واحدة وقلباً واحداً ولا تدعوا أحداً يفرق بينكم، وعندها تفلحون وتنجحون في تضامنكم ولن يتمكن أحد من التغلب عليكم.

ولكن لا حياة لمن تنادي، وعلى من نقرأ مزاميرنا؟ فالخلافات مستشرية، والقطيعة سائدة، ولا أحد يتعظ من الدروس وأكثرها فداحة هزيمة الخامس من حزيران (يونيو) 1967، عندما انخرطت مصر في حرب اليمن، ووصلت الخلافات إلى حد التقاتل، فاستغلت إسرائيل الفرصة واحتلت الأراضي المصرية والسورية والفلسطينية وبينها «زهرة المدائن» القدس الشريف والمسجد الأقصى المبارك أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.

ومن بعدها استمرت الخلافات وتوالت الهزائم، وها هي إسرائيل تسرح وتمرح والدول الكبرى تتقاسم مناطق النفوذ كما فعلت في بداية القرن الماضي مع بدايات ما سمي بـ «الثورة العربية الكبرى» عبر اتفاقات «سايكس– بيكو» و «وعد بلفور» ودعم قيام إسرائيل، واتفاقات يالطا وما سبقها وما لحقها، وما يرتب الآن للعالم العربي من مؤامرات تحت الطاولة وفوقها.

واليوم نعيش في ضياع تام بسبب غياب التوازن وضياع أسس تحصين الساحة العربية ومن بينها الاعتراف بحقائق ثابتة، مثل قدرة دول المركز والقرار على ذلك، مثل تحالف أو حتى تفاهم مصر والسعودية وسورية، إضافة إلى غياب وزن دول الأطراف مثل المغرب الذي كان يقوده الملك الراحل الحسن الثاني ويلعب دوراً بارزاً في عقد القمم وتعويم القضايا، والأردن الذي كان الملك الراحل حسين يجعل من العمل دوراً مهماً في كل المراحل والعهود. بل يمكن القول إن دولاً عدة كانت تلعب دوراً مهماً، مثل الجزائر وتونس والكويت ودولة الإمارات العربية بقيادة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وصولاً إلى السودان والبحرين.

لا أحد من القادة كان مهمشاً، بينما نجد اليوم أن غياب زعيمين عربيين كانا يشكلان عاملاً للخلاف والتأزم والانشقاق قد رحلا وهما الرئيس العراقي صدام حسين، والرئيس الليبي العقيد معمر القذافي. ومع هذا لم ينجُ العالم العربي من شرور الفرقة والفتن، وبقي كل شيء على حاله، وجاءت أحداث «الربيع العربي» لتزيد الطين بلة وتقسم العرب وتدفعهم إلى الحيرة واليأس والخوف من المستقبل وهواجسه وكوابيسه.

ولو قلنا جدلاً إن كل الدروس والعبر غير مجدية، ولا يريد أحد أن يأخذها، فلماذا لا نأخذ العبرة من أعدائنا، ومن إسرائيل بالذات. فعلى رغم الخلافات والتباين في المواقف بين يمين ويسار ووسط ويمين متطرف، وعلى رغم التناحر بين الزعامات، استطاع بنيامين نتانياهو تشكيل حكومة ائتلافية تضم مختلف الأطياف لاستكمال مسيرة التهويد وإقامة المستوطنات الاستعمارية في الأراضي العربية المحتلة وطمس الهوية الفلسطينية وسحق أمل قيام دولة فلسطينية مستقلة متواصلة الأطراف والحدود وعاصمتها القدس الشريف.

فمن لا يريد ان يتعظ من تجاربه يمكن أن يأخذ الدرس من الأعداء والتشبه بهم، بدلاً من التلهي بالقمم الفاشلة والخلافات القاتلة، لعلنا نجتاز هذا النفق المظلم، وننجو من المجهول، ونكبات الحاضر والمستقبل… والمخفي أعظم.

 

الحياة اللندنية .

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً