امنحوا بريطانيا بعض الوقت

2016/07/17
Updated 2016/07/17 at 9:19 صباحًا

index

كوبنهاغن “دراسة متأنية وهادئة تحل كل عقدة!”، هذا ما قاله لي صديق إنجليزي ذات مرة. وقد تذكرت هذه الكلمات في أعقاب استفتاء المملكة المتحدة “بريكسيت”، في وقت نادى فيه الكثيرون في الاتحاد الأوروبي (وإنما ليس في بريطانيا) بالطلاق السريع. وتذكرتها أيضاً في حزيران (يونيو) 1992، عندما رفضت أغلبية ضئيلة من الناخبين الدنماركيين معاهدة ماستريخت في استفتاء -في شبه لما حدث في بريطانيا الشهر الماضي.
ما هي الدروس التي يمكن أن نتعلمها من هذا الحدث؟ كبداية، من المؤكد أن يؤدي التسرع في هذه النازلة إلى النتيجة التي لا تخدم مصالح المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي على حد سواء. ليس هذا هو الوقت المناسب لاتخاذ قرارات متهورة أو تبادل الاتهامات غير المنتجة. إن العجلة من الشيطان، كما يقال. ويجب على صناع القرار في الاتحاد الأوروبي وفي المملكة المتحدة دراسة العواقب الكاملة لما قد يحدث. وعندها فقط سوف يكون من المناسب أن يبدأ العمل على تحقيق أفضل تقدم من وضع بالغ التعقيد.
في العام 1992، هز الاقتراع الدنماركي أوروبا. وكانت الدنمارك من بين 12 دولة صوتت على معاهدة ماستريخت، بهدف إنشاء التكامل الاقتصادي والنقدي الأوروبي، بينما كانت 11 دولة حريصة على العمل من أجل إعداد الاتحاد الأوروبي لمرحلة ما بعد الحرب الباردة.
وبعد يوم من رفض الناخبين الدنماركيين للمعاهدة، اجتمع وزراء خارجية 12 بلداً مع رئيس المفوضية الأوروبية، جاك ديلور، لمناقشة أفضل السبل للرد. واتفقت جميع الأطراف على إمكانية إعادة التفاوض بشأن المعاهدة، لأن ذلك من شأنه فتح صندوق باندورا لمجموعة من المطالب من جميع الجهات. وأرادت بعض الأطراف بدء عملية تسهم فيها الدول الإحدى عشرة التي صوتت “للبقاء” من أجل خلق “الاتحاد الأوروبي الجديد”. وبموجب هذه الخطة، كانت الدنمارك ستخرج من الاتحاد الأوروبي.
وكنتُ شاركت في هذه المحادثات، وطلبت من زملائي التحلي بالصبر وإعطاء قيادة الدنمارك مزيداً من الوقت للنظر في الوضع. وأعترف بأنها لم تكن لدي أي فكرة عما يجب فعله في ذلك الوقت. لكنني كنت على يقين من أنه إذا كان لدينا الوقت والمساحة للمناورة، فإننا سنصل إلى حل ودي للأزمة. وفي نهاية المطاف، وصلنا إلى اتفاق تم بموجبه السماح للدنماركيين بإعادة النظر في معاهدة تحت شروط ضيقة، بحيث تنسحب الدنمارك من ترتيبات تعاونية معينة بموجب المعاهدة بطريقة لا تعيق بقية دول الاتحاد الأوروبي عن السير كما تريد.
وكانت المهمة شاقة بالفعل، لأن الكثيرين اعتبروا نهجنا خروجاً على الطريقة التي يعمل بها الاتحاد الأوروبي. وأُطلق على الاتفاق لقب “باب القط” الدنماركي: فعلى الرغم من أن الدنمارك انسحبت من عناصر معينة من المعاهدة، فإن الدنماركيين أحرار في العودة إلى المعاهدة كاملة مرة أخرى في وقت لاحق إذا ما رأوا ذلك مناسباً.
وتم التوقيع على اتفاق في قمة الاتحاد الأوروبي في أدنبرة، في كانون الأول (ديسمبر) من العام 1992، بمساعدة من رئيس الوزراء البريطاني جون ميجور والمستشار الالماني هلموت كول. ثم في الاستفتاء الثاني الذي عقد في أيار (مايو) 1993، وافق الناخبون الدنماركيون على ترتيب محدود النطاق بأغلبية صلبة. وأصبحت عضوية الدنمارك الضغيفة عبئاً ثقيلاً على الدنماركيين منذ ذلك الحين.
بطبيعة الحال، هناك بعض الاختلافات الأساسية بين الوضع الدنماركي في العام 1992 وبين الوضع البريطاني في العام 2016. وفي المقام الأول، أمن البريطانيون لأنفسهم عدداً من الاختيارات الرافضة لقواعد الاتحاد الأوروبي. وكان هذا في الواقع هو موضوع استفتاء “البركسيت”، وهي حقيقة مخفية في الخطاب الرسمي الذي سبق التصويت.
ويؤكد المثال الدنماركي أهمية “المعالجة المتأنية والهادئة” عندما نكون أمام فك عقدة سياسية، لأننا لا نستطيع التنبؤ اليوم ما سيكون الوضع عليه في نهاية السنة، أو حتى في الشهر المقبل.
ربما سيدفع تجدد الضغوط على حدود أوروبا في النهاية كل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى العمل معاً من أجل حل قضية الهجرة. وربما سيكشف تصويت “البريكسيت” عن وجود رغبة أكبر في إصلاح الممارسات الحالية، مثل حرية الحركة بشكل كامل من أجل العمل وكل ما ينطوي عليه ذلك. وعلى أي حال، سوف يكتشف زعماء الاتحاد الأوروبي قريباً أنه لا يمكنهم أن يستمروا كما لو أن شيئاً لم يحدث، إلا إذا كانوا على استعداد للمخاطرة بالمزيد من استفتاءات الخروج داخل الدول الأعضاء.
مع مرور الوقت، سوف تصبح تكاليف خروج المملكة المتحدة الهائلة في المجتمع البريطاني واضحة، وسوف تجعل أي طرف يرغب في السير على خطى المملكة المتحدة يقف وقفة تأمل. وعندما يأتي ذلك اليوم، ستحصل مأساة حقيقية إذا لم تستطع العقول النيرة إقناع الناخبين باتخاذ موقف معاكس لما بدأه المتطرفون من قبل. وأنا أتطلع بأمل إلى أن تكون لدى القيادة السياسية، بهدوء وحنكة، الشجاعة واللياقة اللازمين للأخذ بزمام الأمور.

 

يوفي إيليمان-جنسن.

*وزير سابق للخارجية الدنماركية.
*خاص بـ”الغد”، بالتعاون مع “بروجيكت سنديكيت“.

 

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً