بين الميكافيلية والتصهين .. نعمت على خطى جوليا .. بقلم: نائل موسى

shello
shello 2024/05/06
Updated 2024/05/06 at 7:44 صباحًا

لم يكد يهدأ الجدل المقرون بالغضب والاشمئزاز، الذي اثارته القاضية الأوغندية جوليا سيبو يندي، بمعارضتها الإجراءات المؤقتة التي طلبتها جنوب أفريقيا في محكمة العدل الدولية “لمنع الإبادة الجماعية” في قطاع غزة، حتى جددته رئيسة جامعة كولومبيا الأمريكية نعمت شفيق، ذات الأصول المصرية باستدعاء الشرطة لتفريق مظاهرات مناصرة لفلسطين ومناهضة للعدوان، وما اعقبها من تملق لإسرائيل واسترضاء داعميها.

حينها، انفردت سيبو يندي بمعارضة البنود الستة التي اقرها قضاة من دول حليفة لتل ابيب، بل وزايدت على القاضي الإسرائيلي أهارون باراك نفسه، الذي اقر بندين من بين الستة إجراءات تلك، واليوم تعيد شفيق حكاية الانحياز الاعمى لإسرائيل بخلاف موقف رؤساء الجامعات الامريكية الذين اثروا الاستقالة على المساس بحرية الراي والتعبير لطلبتهم من خلال التظاهر والاحتجاجات السلمية.

فالقاضية الأوغندية، برأت إسرائيل أيضا من نيتها القيام بإبادة جماعية في موقف مخزي سارعت كمبالا، وتبرأت منه مؤكدة دعمها للشعب الفلسطيني. فيما وشت رئيسة جامعة كولومبيا بالمتظاهرين المؤيدين لفلسطين وحرضت على اعتقالهم؟ في بلد يكفل حق حرية التظاهر حتى ضد الرئيس امام البيت الابيض في واقعتين كاشفتين عن جوانب ابعد.

لقد أثارت نعمت شفيق، جدلا واسعا ليس بسبب اتصالها بالشرطة لتفريق المحتجين المؤيدين لفلسطين، وتوقيف أكثر من 100 طالب. بل وبتصريحاتها الفجة اللاحقة في محاولة اظهار الولاء الاعمى لدولة الاحتلال رغم جرائمها التي تعارضها اسرة جامعتها العريقة حين زادت مجلس النواب الأمريكي، في جلسة استجوابها من الشعر ابياتا في التغزل بإسرائيل بقولها: ” إذا باركتم إسرائيل سيبارككم الله”، ربما لتتبرأ من الاحتجاجات الواسعة للتنديد بجرائم جيش الاحتلال بحق الفلسطينيين، والضغط على الجامعة لسحب استثماراتها المالية من الشركات والمؤسسات الداعمة لإسرائيل قبل أن تصعد موقفها بالإبلاغ عن المتظاهرين وتحريض الشرطة لاعتقالهم.

ومثلما أصبحت القاضية الأوغندية مشهورة بسبب موقفها المنحاز لإسرائيل، تصدرت نعمت عناوين الصحف عقب تصريحاتها أمام مجلس النواب الأمريكي وإجراءاتها ضد المتظاهرين التي اتخذتها لتبعد عن نفسها وعن إدارتها شبهة “معاداة السامية”، ما أثار موجة من الانتقادات وصلت حد مطالبتها بالاستقالة.

المؤلم ان شفيف وخلال استجوابها بمجلس النواب استخدم العضو الجمهوري ريك ألين، بعض أسانيد التوراة، قائلا “إن الله قد أخذ على النبي إبراهيم عهدا بأنه سيباركه إذا بارك إسرائيل وإذا لعنها فإن لعنته ستحل عليه”..“هل تريدين أن يلعن الله جامعة كولومبيا؟” في إشارة للمظاهرات لترد بأنها “بالطبع، لا ترغب في أن تحل اللعنة على جامعة كولومبيا”، وأنها تعمل بكل جد لمواجهة التجاوزات داخل الجامعة!

وفي مفارقة ليست مستهجنة وعلى عكس ما فعل رؤساء جامعات آخرين في جلسات سابقة، لم تذكر شفيق شيء عن حرية التعبير عن الرأي أو سلمية التظاهرات والاحتجاجات، واكتفت بالتأكيد فقط أنها ملتزمة “بشكل شخصي” بالتصدي بكامل طاقتها لكافة أشكال “معاداة السامية”.

وقالت إنها “سمعت هتافات ضد اليهود ومعاداة السامية خلال الاحتجاجات، وهو ما استدعى طلبها لشرطة نيويورك للقبض على الطلاب، وإقالة عدد من المسؤولين في الجامعة الذين أيدوا موقف المتظاهرين ودافعوا عنهم” ؟!.

لقد رفض رؤساء جامعات هارفارد وبنسلفانيا، إدانة احتجاجات الطلاب لدعم القضية الفلسطينية والتنديد بجرائم اسرائيل، وكانوا محامون عند استدعائهم لمجلس النواب وقدموا بعدها استقالاتهم”، وهو المصير الذي لم ترغب شفيق في قبوله واظهرت استعدادها لفعل أي شيء لتحاشيه.

لم تفهم شفيق مثل كل انتهازي ومستبد ان القمع لن يهدئ التظاهرات، بل زادها حدة وصلت حد مطالبتها بالاستقالة وانتشار الاحتجاجات، في 33 جامعة أمريكية أخرى حول العالم مطالبين بلجم العدوان، وبالإفراج عن 100 طالب اعتقلتهم شرطة الولاية بطلب منها بينهم ابنة عضو الكونغرس الأمريكي من أصل صومالي والمؤيدة لفلسطين إلهان عمر ذات الـ21 عاما والتي تم إيقافها عن الدراسة في الجامعة.

القاضية الأوغندية هي أول امرأة إفريقية تُنتخب ضمن قضاة محكمة العدل الدولية فيما شفيق تولت منصبها في رئاسة الجامعة منذ يوليو العام الماضي، عقب تاريخ حافل بالترقيات المهنية، والمناصب الكبيرة في بريطانيا التي انعمت علبها ملكتها الراحلة لقب لورد وفي الولايات المتحدة ما يطرح أسئلة ملحة حول هذه شروط تولي المناصب والترقيات التي تغدق تباعا وان كانت تفسر مواقف المرأتين الأخيرة وتسلط الضوء على جوانب كثيرة منها دون تشكيك بقدرتهما العلمية والعملية.

الغريب ان الموقفين عبر عنهما دون مواربة او خشية من محاسبة او لوم لاعتقادهما ان معاداة فلسطين ومناصريها والتنكر لحقوق شعبها المشروعة وحماية إسرائيل وتحصينها من الملاحقة والمحاسبة، بضاعة رائجة تجد من يشتريها ويقدر بائعيها.

هذه المواقف المهينة، تكشف مدى تغلغل الحركة الصهيونية ولوبياتها وتأثيرها، وتوضح معايير التوظيف والترشيح والتزكية المعتمدة في كثير من المؤسسات الدولية وتكشف جانب خفي من سبب ترقي بعض الشخصيات الصاروخي وتنقلها وشغلها مناصب رفيعة في زمن قياسي،

ان تغليب هذه الفئة الانتهازية حسابات الوظيفة والمنفعة الشخصية على أي اعتبار جعلها لا تجد حرجا ولا تحاول تجميل مخالفة مبادئ مؤسساتهم ومجتمعهم ومواقف دولهم المهم اظهار صهيونيتهم في سبيل مصلحتها على هدي استاذهم نيكولو مياكافيلي المفكر والفيلسوف والسياسي الإيطالي مؤسس قاعدة الغاية تبرر الوسيلة، الذي قال باستطاعة صاحب الهدف استخدام الوسيلة التي يريدها أيا كانت وكيفما كانت دون قيود أو شروط.

من البديهي أن يبحث صاحب الغاية النبيلة عن الوسائل الصحيحة، وصاحب الغاية الخبيئة الذي لا يحمل الخير لشعبه ومجتمعه وبيئته وأبناء جلدته يبحث عن أية وسيلة توصله، ولا يبالي بما يلحقه من أضرار حتى بنفسه ومخاطر هي في حال فلسطين طعنة عدر شديدة الألم وخيبة الامل.

خلاصة القول وبعيدا عن الشخصنة، نعلم تماما ان نعمت هذه ستدفع ثمن تهورها وانحيازها الى طرف الظلم والعدوان على حساب الحق والعدل، سيحاسبها من وظفها ومن انتصرت به ضد طلابها وزملائها من استاذه وهيئة تدريس في مسعى لتبرئة نفوسهم من وزر ما اقترفته هي بأوامرها، وهم بأيدهم.. اما فلسطين وقضيتها فلها انصارها الذين يتضاعف عددهم في الشوارع الملتهبة، صباح مساء.

Share this Article