تكاليف الحياة وحلم المستقبل بقلم : الدكتور سعيد صبري

2022/06/22
Updated 2022/06/22 at 7:44 صباحًا

تغلب وتقسو تكاليف الحياة على المواطنين الفلسطينيين، فأينما كانوا، موظفين قطاع عام أو خاص، فقد شملتهم العاصفة من ارتفاع ‏الأسعار على دخلهم الشهري. فبينما حلم ذاك المواطن أو المواطنة بالراتب الشهري أن يؤمن له حياة كريمة، داهمته تكاليف الحياة ‏الباهظة. فأين الحل؟ ‏


هل اقتصر ارتفاع الأسعار على المواد الغذائية، وهل “السلة الغذائية” المدعومة من قبل الحكومة تشكل استقراراً للمواطن الفلسطيني ‏اقتصاديا؟ إن الاقتصاد الوطني الفلسطيني اليوم هو كله معرض للخطر، وليس فقط السلة الغذائية. ‏

‏ قد بلغ التحول الذي يشهده العالم العربي مرحلة تفرض علينا أن نبدأ بالنظر إلى المستقبل. لا جدال في أن الأصوات المطالبة بإخراجنا ‏من نفق الاضطرابات وعدم الاستقرار والركود الاقتصادي المنغمسين فيه بتزايد.‏

تتوالى ارتفاعات أسعار السلع والمواد الأولية بصورة متسارعة ودون توقف، هذه الارتفاعات لم تكن وليدة اللحظة، فقد بدأت حين ‏عصفت جائحة كورونا بالعالم لتحدث موجة اختلالات في مستويات الطلب والعرض الكلي وفي قدرة سلاسل التوريد على تأمين السلع ‏والبضائع، خاصة الاستراتيجية منها، لتأتي الحرب الروسية الاوكرانية لتزيد من تعقيد المشهد، مع توقع ارتفاع أسعار الأغذية ‏والأعلاف بنسبة تتراوح من 8 إلى 20 % حسب منظمة الأغذية والزراعة “فاو‎؛(FAO)”، ‎لتتصاعد أزمة الغذاء عالميا.‏

من الواضح تماما أن الارتفاع بالأسعار قد شمل كافة القطاعات الإقتصادية، وقد تأثرت بشكل سلبي قطاعات مهمة في الاقتصاد ‏الفلسطيني كقطاع البناء، والزراعة، ونرى أن الإضرار بالاقتصاد الوطني هو إضرار بالفئات المهمشة والفئات الضعيفة لأنه ‏بالمحصلة النهائية إذا عجز قطاع المقاولات عن الدفع لموظفيه والعاملين لديه، فلن يستطيعوا حتى شراء الخبز، ومن هنا نرى أن ‏الإضرار بقطاع المقاولات هو إضرار بالقطاع الخاص بشكل عام وسينعكس سلبا على المستهلكين وعلى الطبقات الضعيفة والمهمشة‎”.‎

وفي أيار 2022، نشر صندوق النقد الدولي والبنك الدولي تقارير مع تقييمهما للاقتصاد الفلسطيني الحالي، مؤكدين على الوضع المالي ‏السيئ للسلطة الفلسطينية. انخفضت الإيرادات بشكل حاد من 16.6 مليار شيكل في عام 2016 إلى 13.6 مليار شيكل في عام 2020، ‏وتعافت جزئيا فقط في عام 2021 إلى 14.9 مليار شيكل. وقد شكل الانخفاض الكبير بمرور الوقت في الإيرادات غير الخاضعة ‏للضرائب (الرسوم والتكاليف المحلية بشكل أساسي) وعلى الدعم الخارجي من الدول والمنظمات المانحة.

انخفضت أموال المساعدات ‏الخارجية بنسبة 70 بالمائة، من مليار دولار في عام 2018 إلى 250 مليون دولار في عام 2021. وهكذا، في عام 2021، زادت ‏النفقات بنسبة 15 في المائة عن الإيرادات وبلغ العجز المالي 5.7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.‏

ثمة تحديات كبيرة ماثلة اليوم أمام الاقتصاد الفلسطيني. فالتحركات الشعبية التي أشعلتها عوامل اقتصادية واجتماعية سادت طويلا، ‏ستُنتج بدورها بيئة اجتماعية واقتصادية جديدة. لكن، بقدر ما كانت تلك العوامل واضحة المعالم ومحل إجماع كثيرين، بقدر ما تبدو ‏البيئة الجديدة ضبابية ومليئة بالتحديات. مع ذلك، فإن الآفاق، برأيي، ما تزال إيجابية، إلا أنها لن تتحقق من تلقاء ذاتها.‏

إن مسؤولية بقاء أسعار الغذاء ضمن القدرة الشرائية لغالبية المستهلكين تقع ضمن إطار السياسات الحكومية. فعلى الحكومة أن تعمل ‏على استحداث سياسات عصرية تتناسب مع المتغيرات المحلية والإقليمية على أن تضمن حرية للسوق، بما يحد من مختلف صور ‏الاحتكار؛ وكذلك تقديم الدعم للمستحقين وفق آلية تضمن وصوله إليهم دون غيرهم. والعمل بشكل واضح عل خلق آليات عصرية ‏تضمن الشفافية بالأسعار ورقابتها، للمواد الغذائية والانشائية وغيرها المعروضة في السوق، والعمل على استقرارها. ‏

‏ نشهد ارتفاعات متوالية لأسعار البترول ومشتقاته، وأمام كل تلك الارتفعات المطّردة والتي “تنهش” من دخول المواطنين، يقف ‏المواطن الفلسطيني حائراً، بظل إنعدام قدرته على تأمين متطلبات الحياة الأولوية، وتقف الحكومة عاجزة عن التدخل بالحد من معاناة ‏الناس وحفظ القدرة الشرائية لمداخيلهم حتى لو كان ذلك على حساب الخزينة.‏

أتوجه الى خلية الأزمة التى تم تشكيلها من قبل الحكومة الفلسطينية بمجموعة من التساؤلات التى آمل أن أجد ويجد المواطن ‏إجابات عملية وواقعية:- ‏

‏ – والسؤال الأكثر اهمية وإلحاحاً، كيف ستتعامل الحكومة مع كل ما تعانيه خزينة السلطة من تحديات مالية بظل النقص الشديد في ‏الايرادات من الدول الغربية والعربية وارتفاع العجز المالي الكبير والمقدر أن يزداد أكثر مع زيادة أسعار السلع المدعومة من ‏الحكومة؟

‏- في ظل التقاعس الدولى بدفع المساعدات، هل تستطيع وزارة المالية ممثلة عن الحكومة الفلسطينية زيادة رواتب الموظفين مع هذا ‏العجز المتفاقم؟

‏- هل لدينا إمكانية او بند بالموازنة نستطيع زيادة المخصصات لدعم السلع الرئيسية؟ وهل يوجد سقف لتحمل السلطة العبء المالي؟ ‏

‏- هل يوجد ضمن استراتيجيات الحكومة أي توجه بمنح المواطنين الفلسطينين دعماً ماليا يضمن تغطية للتكاليف المرتفعة عليه؟ ‏

باعتقادي إن الحكومة الفلسطينية ليس لديها الكثير من الخيارات المطروحة للجم ارتفاع الأسعار، لكن من الواضح أننا أسرى ظروف ‏خارجة عن إرادتنا، لكن فرضت علينا ويجب التعامل معها بظل المعطيات العامة. ‏

وإليكم بعض الاقتراحات التي آمل أن تقوم الحكومة الفلسطينية “وخلية الأزمة الاقتصادية” بدراستها وتبنيها:-‏

ولكي نتعامل بواقعية مع هذه القضية، يجب العمل على إشراك القطاع الخاص بالقرارت والتشاور، يجب أن ندرك جميعا أن الازمة ‏التى ضربت اقتصادنا أزمة عالمية وليست فلسطينية وليست مفتعلة، كما يجب أن ندرك مجتمعين أننا بخندق واحد وأنه من ‏المتوقع أن تستمر لفترة طويلة وبتصاعد وقابلة للتكرار، وعليه يجب أن نمتلك رؤية واضحة أساسها بالنظر لقضية التضخم مرحلياً ‏واستراتيجياً، وأن ننظر للأمور على ثلاث مستويات، المدى القصير، المتوسط والمدى الطويل. ‏

أولا:- المدى القصير، باعتقادي يجب على الحكومة الفلسطينية العمل على تشجيع سياسة إغراق السوق بالمنتجات ومرافقتها بتحديد ‏فترة زمنية لإعفاء تلك المنتجات الاستهلاكية من الجمارك.

ثانيا:- أما على المدى المتوسط فيجب التركيز على تخفيف تكاليف المصاريف التشغيلية لقطاعات الإنتاج من مصانع وزراعة، وذلك ‏بتخفيف تكلفة الجمارك على المواد الخام واأيضا تكلفة الطاقة،
ثالثا:- أما على على المدى الطويل فيجب العمل على بناء مخزون وطني لمدخلات المواد الأساسية من سلع ومواد غذائية. ‏

رابعا: العمل على تفعيل الرقاية السوقية على المنتجات الاستهلاكية، والعمل على إطلاق موقع الكتروني يخاطب المستهلك بتحديد ‏سقوف الأسعار. ‏

وفي الختام، أتمنى على الحكومة الفلسطينية العمل والإسراع بالإنجاز، وتأسيس إطار حامٍ ومانع يقي المستقبل الضبابي، وخلق ‏الأمن المجتمعي الذي هو أساس للأمن الاقتصادي. ‏

دلالات

Share this Article