“صفقة القرن” وتسريبات بالون الاختبار! بقلم: الدكتور محمد السعيد إدريس

shello
shello 2019/05/12
Updated 2019/05/12 at 9:27 صباحًا


بعد ثلاثة أيام من الاعتداءات العسكرية «الإسرائيلية» الممنهجة ضد قطاع غزة، أُقرَّ وقف إطلاق النار بين قوات الاحتلال والفصائل الفلسطينية بوساطة مصرية. هذه الاعتداءات التي أسفرت عن استشهاد 29 فلسطينياً، بينهم أطفال ونساء، وإصابة أكثر من 160 آخرين لم تأتِ من فراغ، فهي واحدة من «إجراءات التكيف» الفلسطينية لفرض المشروع الأمريكي للتسوية، وهي الإجراءات التي تستهدف جعل تلك «الصفقة» الأمريكية مقبولة باعتبارها أمراً واقعاً في ظل التغييب القسري لأي بدائل أخرى، وفي مقدمتها مشروع حل الدولتين، وقاعدة مبادلة الأرض بالسلام التي أُسست عليها مبادرة السلام العربية.

أعطى قادة الكيان هذه الاعتداءات الأخيرة التي دمرت المباني والمنشآت، وأرهبت المواطنين اسم «جولة اللكمات العسكرية»، وهم هنا يكشفون عن أن هذه الاعتداءات هي جولة ضمن جولات سابقة وأخرى لاحقة تستهدف فرض تهيئة قسرية لقطاع غزة للانخراط الطوعي في الصفقة، بدليل أنها، أي هذه الاعتداءات، جاءت بعد مخطط تجويعي لأهالي غزة عبر تضييق متعمد شمل إغلاق المعابر، وترافق مع تضييق آخر على موارد السلطة الفلسطينية، سواء من الضرائب التي تعمل سلطات الاحتلال على تحصيلها، أو عبر وقف ضخ المعونات للسلطة، فضلاً عن الدور الأمريكي في تدمير منظمة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، لكن الأهم أنها تزامنت مع مخطط آخر تضمن تسريب بعض المعلومات التي ما زالت تفتقر إلى الصدقية بخصوص محتوى الصفقة.
هذه التسريبات يمكن اعتبارها بالون اختبار لقياس مدى القنوط الذي أصاب معنويات الشعب الفلسطيني في كل شيء، وإلى أي درجة بات مستعداً للقبول بأسوأ الحلول.
لم تعلن الصفقة رسمياً، لكنها فرضت فعلياً وبالتحديد بالنسبة للمكاسب التي سيحصل عليها «الإسرائيليون»، والتي يمكن اعتبارها بمنزلة استكمال نهائي للصفقة التي صدرت عن مؤتمر بازل الصهيوني الأول عام 1897، الذي استهدف فرض قيام دولة يهودية على أرض فلسطين. فاعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسمياً بالقدس الموحدة عاصمة لدولة الكيان، وبالجولان السورية المحتلة جزءاً من أرض «إسرائيل»، ودعمه لسياسة التوسع والاستيطان اليهودي في الضفة الغربية، كلها بنود أساسية في صفقته، وتكمل ما استهدفته الصفقة الأولى، لكنها في الوقت ذاته تهيئ الظروف للتوسع «الإسرائيلي» جغرافياً، وتوفر نفوذاً في الجوار الإقليمي وفق ما نص عليه البرنامج الانتخابي لتكتل الليكود الذي يترأسه بنيامين نتنياهو.
فقد جاء على رأس قائمة هذا البرنامج الذي فاز فيه الليكود بناء «إسرائيل التوراتية»، أي الخروج من الإطار الضيق الحالي للدولة المحدود بنهر الأردن شرقاً حتى شاطئ المتوسط غرباً إلى مشروع «من الفرات إلى النيل»، سواء كان المقصود هو ضم الأرض بالاحتلال القسري، أو المضي في فرض السيطرة والهيمنة. ما جرى تسريبه من معلومات بخصوص صفقة ترامب اعتبروه اختباراً لجسِّ النبض الفلسطيني، للتأكد من أنه أضحى جاهزاً للتنازل الطوعي عن وطنه وعن مشروعه الوطني. بالون اختبار حوى من مغريات الغواية ما يكفي لتوقيع صكوك التنازل عن الحقوق.
من بين مغريات هذه التسريبات الحديث عن دولة فلسطينية وليس مجرد «حكم ذاتي» تحمل اسم «فلسطين الجديدة»، أي جعل الاسم ثمناً للتنازل عن جوهر الحقوق في الدولة الفلسطينية، كما يريدها الفلسطينيون. ففلسطين الجديدة مقترح لها أن تقام على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، على أن تستقطع منها كل المستوطنات أي ضم المنطقة (ج) من الضفة، حسب اتفاق أوسلو، والتي تزيد على 60% من أراضي الضفة. وفي الوقت ذاته يمنع على «فلسطين الجديدة» أن يكون لها جيش، والسلاح الوحيد المسموح به هو سلاح الشرطة. وتتولى «إسرائيل» الدفاع عن «فلسطين الجديدة» من أي عدوان خارجي على أن تدفع فلسطين الجديدة ثمن هذه الحماية. أيضاً من بين إغراءات هذه التسريبات رصد 30 مليار دولار على مدى خمس سنوات لمشاريع تخص فلسطين الجديدة (ثمن ضم المستوطنات لإسرائيل). تسريبات الغواية ليست في الحقيقة مجرد غواية فقط بقدر ما هي تهديد وإجبار، بدليل أنها تنص على أنه «إذا اعترضت» حماس أو منظمة التحرير على هذه الصفقة، فإن الولايات المتحدة ستلغي كل دعمها المالي للفلسطينيين، وتمنع أي دولة في العالم من تحويل الأموال إليهم. وإذا وافقت المنظمة، ورفضت حماس وحركة الجهاد الإسلامي الصفقة، فستلجأ إلى اغتيال قادتهم.

عن “الأهرام” المصرية

Share this Article