فلسطين في العلاقات الإفريقية-الإسرائيليةبقلم :حسن العاصي

2018/03/31
Updated 2018/03/31 at 8:37 صباحًا


هل ولّى الزمن الذي كانت فيه إفريقيا صديقة فلسطين وحليفتها؟ هل تذكرون يوماً كانت فيه دول الاتحاد الإفريقي تصوت ككتلة واحدة دون تردد لصالح القضية الفلسطينية في المحافل الدولية؟ هل انشغلت دول القارة السمراء في معالجة مشاكلها الداخلية عن نصرة الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة؟ أحقاً ذهب ذاك الزمن الذي كانت القارة الإفريقية بأسرها تقريباً تُقاطع فيه إسرائيل؟ هل تراجع الاهتمام بقضايا الحق والمبادئ والقيم والعدالة الإنسانية في إفريقيا -كما هو حال بقية العالم- وحلّ مكانها السياسات البراغماتية التي تراعي تحقيق المصالح والمنفعة؟ وهل نجحت إسرائيل في توجيه أنظار بعض الدول الإفريقية بعيداً عن القضايا العربية؟
الإجابة على تلك الأسئلة هي «نعم». هذا ما حصل خلال السنوات الماضية نتيجة جملة من الأسباب.

دعونا نفهم ما الذي حصل
في نهاية العام 2017 خاضت الدبلوماسية الفلسطينية والعربية معركة مفصلية تعلقت بمواجهة قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب القاضي بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى مدينة القدس. اجتمع مجلس الأمن الدولي نتيجة هذه التحركات بتاريخ 20/12/2017، في جلسة طارئة بدعوة من ثماني دول لبحث قرار الرئيس الأميركي الاعتراف بشكل أحادي بالقدس عاصمة لإسرائيل. وتقدمت المجموعة العربية ممثلة بمصر مشروع قرار يطالب الولايات المتحدة بسحب اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، لكن القرار لقي معارضة شديدة من الولايات المتحدة التي استخدمت حق النقض ضده، رغم وجود قرار رقم 476 صادر عن مجلس الأمن في 30 حزيران 1980 رفض فيها المجلس قيام إسرائيل بضم القدس الشرقية، واعتبر ذلك معوقاً خطيراً أمام تحقيق سلام شامل وعادل ودائم في الشرق الأوسط، وقرر المجلس كذلك عدم الاعتراف بما يسمى القانون الأساسي الصادر عن الكنيست الذي اعتبر القدس عاصمة موحدة لإسرائيل وأنه لاغٍ وباطل.
في اليوم التالي اجتمعت الجمعية العامة للأمم المتحدة في مدينة نيويورك بتاريخ 21/12/2017، لكي يتم التصويت على قرار يدعو الولايات المتحدة إلى سحب اعترافها بالقدس عاصمة لإسرائيل. صوتت 128 دولة لصالح القرار ولصالح القدس، فيما اعترضت 9 دول، وامتنعت 35 دولة عن التصويت لصالح القرار الذي استبقه البيت الأبيض بالتهديد بوقف المساعدات المالية التي تقدمها الولايات المتحدة لبعض الدول إن صوتت مع القرار.
الدول التي صوتت ضد القرار وضد فلسطين هي: الولايات المتحدة، إسرائيل غواتيمالا، هندوراس، توغو، ميكرونيزيا، ناورو، بالاو، جزر مارشال.
كما امتنعت 35 دولة عن التصويت هي: البانيا، أندورو، أستراليا، جزر البهاما، باربادورس، البوسنة والهرسك، بلغاريا، الكاميرون، كولومبيا، كرواتيا، الكونغو، أستونيا، فيجي، ألمانيا، غواتيمالا، هاييتي، هنغاريا، لاتفيا، لتوانيا، ملاوي، موناكو، منغوليا، مونتينيغرو، هولندا، بابوا غينيا الجديدة، الباراغوي، بولندا، جمهورية كوريا الجنوبية، جمهورية مولدوفا، رومانيا، روندا، ساموا، سان مارينو، سنغافورة، سلوفاكيا، سلوفينيا، مقدونيا، التوغو، تونغا، بريطانيا، فانواتو.
الدول التي وقفت بجانب الولايات المتحدة وإسرائيل، هي دول صغيرة وتستفيد من المعونات الأميركية، وبالتالي خشيت من غضب البيت الأبيض.
كان اللافت في هذه المعركة الدبلوماسية هو تصويت دولة «توجو» الإفريقية ضد مشروع القرار العربي، وبالتالي ضد فلسطين والقدس الشريف. فيما قررت خمس دول إفريقية أخرى «جنوب السودان وأوغندا ورواندا والكاميرون وبنين» الامتناع عن التصويت لصالح أو ضد القرار، أي اختارت الحياد، وهو موقف غريب من دول تنتمى لقارة كثيراً ما عرفت بموقفها الواضح والمساند للقضية الفلسطينية.
إن التبدل الذي يحصل في المواقف التاريخية لبعض الدول الإفريقية من إسرائيل يأتي منسجماً مع نجاح إسرائيل في الدخول بقوة إلى عمق القارة السمراء، وهي تجني ثمار هذا التدخل، فيما يستمر العرب سباتهم وكأن شيئاً لا يحدث.
الملاحظة الأخرى التي يمكن التوقف عندها فيما حدث، هو عدد الدول التي امتنعت عن التصويت وبلغ 35 دولة، وهو العدد الأكبر من الدول في المحافل الدولية، التي تقف محايدة فيما يتعلق بقرارات مرتبطة بالقضية الفلسطينية في تاريخ صراعنا مع الكيان الصهيوني منذ قيام دولة إسرائيل. هذا يتطلب من القيادة الفلسطينية أولاً ومعها العرب التوقف أمام ما حصل، وإجراء مراجعة لعلاقاتنا مع هذه الدول كي نفهم بشكل موضوعي لماذا اختارت أن تقف على الحياد في موضوع مدينة القدس، حتى لا تتحول من دول محايدة إلى دول مؤيدة لإسرائيل، إذا استمر التجاهل العربي والفلسطيني للمسببات، خاصة ما يعنينا هنا وهو الاختراق الإسرائيلي للقارة السمراء.
على الرغم من قيام الاتحاد الإفريقي بإلغاء القمة التي كان من المزمع عقدها بين إفريقيا وإسرائيل بعاصمة توغو في شهر تشرين الأول 2017، إلا أن شيئاً ما زال لم يتغير بطبيعة الحال في العلاقات الإفريقية-الإسرائيلية، وما جرى في الأمم المتحدة بعد أسابيع من إلغاء القمة يدلل على أن ليس هناك أي دلالات سياسية لهذا القرار-أقله للآن- بسبب عمق الروابط التي نسجتها إسرائيل عبر عقود مع بعض الدول الإفريقية.

انحسار الدور العربي في إفريقيا
إن تراجع الحضور والدور العربي في القارة السمراء ولأسباب متعددة، وذلك منذ انتهاء مرحلة الحرب الباردة وظهور العولمة. رغم أن عشر دول عربية تقع في إفريقيا، هي (الجزائر، المغرب، مصر، وليبيا، والسودان، وتونس، وموريتانيا، وجزر القمر، وجيبوتي، والصومال). وأن حوالى 71 بالمائة من مساحة الوطن العربي تقع في إفريقيا، ويعيش 68 بالمائة من العرب في القارة الإفريقية، وكذلك فإن العرب يتشاطرون مع عشرات الملايين من الأفارقة الدين والثقافة والتاريخ إضافة إلى الديموغرافيا، كما عانى العرب والأفارقة كلاهما من الاستعمار الخارجي. وأضيف أيضاً عاملان مشتركان، أولهما أن العرب والأفارقة ما زالوا تحت تأثير وهيمنة السياسات الخارجية للدول العظمى، والثاني أنهم يعانون من غياب الرؤية الإستراتيجية الواضحة والمحددة لمستقبل العلاقات العربية-الإفريقية، وليس هناك لدى أصحاب القرار في كلا الجانبين مقدرة على ترتيب الأولويات الضرورية للتعاون المشترك. ورغم أن الحفاظ على الأمن الإقليمي القومي العربي والإفريقي يرتبط بمستوى تطور وعمق العلاقات العربية-الإفريقية، إلا أننا لا نلاحظ اهتماماً لا عربياً ولا إفريقياً بهذا الأمر، وهو ما أتاح لإسرائيل استغلال التراجع العربي عن الساحة الإفريقية كي تتمدد أذرعها ضمن هذا الفراغ.
انشغل العرب بداية من العقد الأخير في القرن الماضي بمشاكلهم الداخلية، وابتعدوا رويداً رويداً عن القارة الإفريقية، القارة الجارة، القارة التي تشكل العمق الإستراتيجي للأمن القومي العربي، القارة الصاعدة التي تحتاج بعض الدول فيها إلى كل معونة ومساعدة ممكنة من دول أكثر تطوراً وثراءً، تحتاج الدعم الاقتصادي والتنموي، كما تحتاج الخبرات والمكننة في كافة القطاعات المجتمعية. وللأسف الشديد أن العرب لا يوجد لديهم استثمارات إستراتيجية ولا حتى تنموية في القارة الإفريقية، ولا يوجد لديهم لا برامج ولا خطط ولا حتى رؤية فيما يتعلق بالقارة السمراء. كان الدعم العربي فيما مضى لبعض الدول الإفريقية على شكل منح مالية ومعونات مالية، دون التفكير في إنشاء مشاريع إستراتيجية تحقق المنفعة المشتركة.
هذا الضمور الذي أصاب الوجود العربي في إفريقيا، تعاملت معه إسرائيل بذكاء شديد، واستغلته كي تقدم نفسها لدى بعض الدول الإفريقية على أنها المخلص الذي سوف يقدم المساعدة والخبرة والدعم الذي تحتاجه إفريقيا. فتوجهت أنظار البعض من الدول الإفريقية إلى تل أبيب كوجهة بديلة عن العواصم العربية.
وهذا ما جعل رئيس الوزراء الإسرائيلي يعلن في شباط 2016 أثناء الاحتفال بافتتاح «لوبي موالي لإفريقيا» داخل البرلمان الإسرائيلي أن «إسرائيل عادت إلى إفريقيا، وأن إفريقيا قد عادت إلى إسرائيل». فمع توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل في العام 1979 بدأ جدار المقاطعة الإفريقية لإسرائيل ينهار حجراً تلو الآخر. ومن المعلوم أن إفريقيا قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل على أثر الحرب العربية-الإسرائيلية في العام 1973 تضامناً مع العرب. ومنذ ذاك الحين قام «نتنياهو» بعدة جولات في إفريقيا شملت عدة دول، كما ألقى كلمة خلال القمّة الحادية والخمسين للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا في حزيران2017.
ولم تتوقف الزيارات الرسمية لبعض القادة الأفارقة إلى إسرائيل خلال السنوات الأخيرة، حيث كان آخرها زيارة «بول كاغامي» رئيس رواندا في تموز العام 2017، وكذلك زيارة «فوري غناسينغبي» رئيس توغو في آب من نفس العام.

الأطماع الإسرائيلية في إفريقيا
إسرائيل تتنافس في إفريقيا ليس مع العرب الذين لا حول لهم ولا قوة في إفريقيا، إنما تتنافس مع دول عظمى مثل الصين والهند، ودول إقليمية كبرى صاعدة، مثل: تركيا وإيران، كل هذه الدول أصبحت تمتلك استثمارات في إفريقيا تبلغ قيمتها مئات المليارات.
أهداف التغلغل الإسرائيلي في إفريقيا متعددة ومتشعبة سياسية واقتصادية وأمنية ودبلوماسية. إذ تسعى إسرائيل إلى اكتساب حلفاء جدد داخل أورقة المنظمات الدولية بهدف التصدي للحملة التي تقوم بها الدبلوماسية الفلسطينية داخل هيئات الأمم المتحدة، وبقية المنتديات الدولية الأخرى التي تسعى فلسطين من خلالها الحصول على العضوية الكاملة، وفضح ممارسات وجرائم إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني، في وقت تتطلع خلاله بعض الدول الإفريقية إلى تنويع مصادر التسلح، والاستفادة ما أمكن من التكنولوجيا الإسرائيلية في مجالات الري ومعالجة المياه والطاقة الشمسية والزراعة ومجالات أخرى مثل التقنيات العسكرية والحرب الإلكترونية، حتى لا تظل هذه الدول تعتمد بالكامل على الولايات المتحدة وأوروبا.

كيف يؤثر التقارب الإفريقي-الإسرائيلي
على القضية الفلسطينية؟
سبق وأكدنا في أكثر من موضع أن العرب عموماً لم يستطيعوا بناء مشروع سياسي واقتصادي في القارة الإفريقية، على الرغم من التاريخ الطويل لهذه العلاقات، ما مكن إسرائيل الدخول إلى القارة السمراء من الأبواب الاقتصادية والأمنية. وهذا بالطبع حصل على حساب المصالح الفلسطينية. ورغم أن فلسطين عضو مراقب دائم في منظمة الوحدة الإفريقية، إلا أنه يجب القول: إن العلاقات الفلسطينية-الإفريقية قد شهدت تراجعاً لأسباب موضوعية بظني، أهمها انتهاء عالم ثنائي القطبية، وقيام أشكال جديدة للعلاقات الدولية أساسها المصالح والمنفعة وليس الأيديولوجيا. المصالح هي عنوان العلاقات الإفريقية-الإسرائيلية في ظل ضعف أو انعدام الإمكانيات الفلسطينية على المستوى الاقتصادي، إذ إن السلطة الفلسطينية نفسها تحصل على مساعدات ومعونات اقتصادية من عدة دول، وبالتالي لا تستطيع تقديم دعم مالي لطرف آخر.
كما أعتقد أن الدبلوماسية الفلسطينية لم تول القارة الإفريقية الاهتمام الذي تستحقه، ظناً منها أن هذه الدول لديها موقف ثابت وداعم للقضية الفلسطينية. على السلطة الفلسطينية أن تدرك أن الوضع قد تغير منذ نهاية القرن العشرين، لذلك يجب تفعيل دور السفارات الفلسطينية في إفريقيا، وعليها أن تضع الخطط الإستراتيجية مع العرب لمواجهة التمدد الإسرائيلي في القارة السمراء. إن القضية الفلسطينية تحتاج إلى حلفاء وأصدقاء دوليين، لدعم القرارات التي تصدر من المحافل الدولية والتصويت لصالح فلسطين.
مما لا شك فيه أن اتفاقيات السلام التي وقعتها بعض الدول العربية مع إسرائيل، ومحاولات دول عربية أخرى التطبيع معها، شجعت بعض الدول الإفريقية على إعادة علاقاتها مع إسرائيل، وهو السبب ذاته الذي شكل دافعاً لإسرائيل للعودة إلى إفريقيا، التي تنظر لها على أنها كتلة عددية يمكن الاستفادة منها في الأمم المتحدة وهيئاتها.

مفاعيل الخلافات العربية-العربية
فيما مضى كانت مصر تنظر للقارة الإفريقية على أنها واحدة من ثلاث أعمدة تقوم عليها السياسية الإستراتيجية الخارجية، إضافة إلى البعد العربي والإسلامي، قديماً كانت القاهرة محط أنظار القادة الأفارقة المناضلين لأجل تحقيق الاستقلال لبلدانهم من الاستعمار البغيض، حين كانت مصر ترتبط ارتباطاً وثيقاً بشعوب القارة، وكانت مصر تعني الكثير لإفريقيا، كقوة سياسية ومعنوية. هذا ما كان، أما ما هو حاصل الآن فإننا أمام انسحاب مصري-عربي طوعي من إفريقيا لصالح قوى أخرى منها إسرائيل التي إن واجهت إستراتيجيتها في إفريقيا صعوبات ومواجهة، فإن مصدرها سوف يكون من بعض الدول الإفريقية ذاتها، وليس من قبل العرب، هذا لأن ما كان يعرف بأنه «النظام العربي» منهار بفعل وأسباب عربية، و»التضامن العربي» مصاب بموت سريري نتيجة أمراض عربية، و»الأمن القومي العربي» في حالة غيبوبة بسبب نقص المناعة.
ومما يثير الحسرة والغضب أن ينتقل الخلاف العربي-العربي ومفاعيله إلى القارة الإفريقية، ما يخلف وضعاً بائساً لا يستفيد أحداً منه سوى إسرائيل، التي توظف حالة الانقسام العربي لبسط نفوذها في المنطقة.

ماذا بعد؟
إن القارة الإفريقية كانت تاريخياً كتلة حليفة لفلسطين وشديدة التعاطف مع القضية الفلسطينية، ولفلسطين تمثيل دبلوماسي في 22 دولة إفريقية. إن إلغاء أو تأجيل القمة الإفريقية-الإسرائيلية التي كان من المقرر عقدها في تشرين الأول العام 2017 لا يعني أن إسرائيل منيت بهزيمة، إذ إن هناك معلومات أشارت إلى أن رئيس زامبيا «إدغار لونغو» قد وافق على استضافة هذه القمة.
رغم وجود جدار صد مكون من بعض الدول الإفريقية الوفية لفلسطين ولمصالحها في وجه التمدد الإسرائيلي بعمق القارة الإفريقية، إلا أن الدول العربية لا تساهم في هذا النشاط بفعالية حقيقة، باستثناء الجزائر التي تبذل جهوداً استثنائية لترميم الفجوات التي يمكن أن تدخل منها إسرائيل إلى إفريقيا.
ونحن مقبلون على معركة المواجهة للتصدي لقرار الإدارة الأميركية في نقل سفارتها إلى مدينة القدس، نأمل بأن تبذل القيادة الفلسطينية ومعها العرب جهداً سياسياً ودبلوماسياً مغايراً عما هو حاصل، لمنع انهيار الجدار الإفريقي الذي ما زال تقريباً متماسكاً، حتى لا تحذو بعض الدول الإفريقية حذو واشنطن، هذا الأمر سوف يشكل امتحاناً حقيقياً لمدى قدرة العرب والفلسطينيين في رسم الحدود لحركة إسرائيل في القارة السمراء.

*كاتب وصحافي فلسطيني مقيم في الدانمرك.

Share this Article