لماذا يجب على الرئيس الأميركي المقبل تقسيم العراق؟

shello
shello 2016/08/09
Updated 2016/08/09 at 9:52 صباحًا

index

يبدو أن جو بايدن كان سابقاً لزمانه. ففي أيار (مايو) من العام 2006 اقترح السناتور في ذلك الحين، جو بايدن، والكاتبة في شؤون السياسة الخارجية، ليزلي غيلب، خطة لتقسيم العراق إلى ثلاث مناطق تتمتع بحكم شبه ذاتي على أساس خطوط طائفية. وفي ذلك الوقت، قلل الكثيرون من شأن الاقتراح وشجبوه. والآن، بعد عقد طويل ومميت، سيكون الرئيس الأميركي التالي حكيماً إذا هو تبنى الاقتراح المذكور.
من الطبيعي أن تكون خطة بايدن قد فشلت قبل عشرة أعوام. كانت قد بنيت على نظرية لم تناسب في وقتها الوقائع القاسية على الأرض. فقد احتاج البلد لزيادة عديد القوات الأميركية في العام 2007 –حيث جلبت زيادة عديد القوات والاستخبارات والدبلوماسية أمناً لا يضاهى. ثم أفضى الفراغ الذي نشأ بعد انسحاب القوات الأميركية في العام 2011 إلى حالة انعدام أمن عالمي هائل مع نشوء مجموعة “داعش”.
سوف تكون إحدى التحديات العديدة للسياسة الخارجية التي سيرثها الرئيس الأميركي التالي هي تحديد ما الذي يتوجب عمله بخصوص العراق. وسيكون هذا التحدي ضاغطاً تماماً مثلما هو حال الحرب المستمرة على الإرهاب، لأن أي سلام في الكفاح ضد الإرهاب سيتطلب معالجة الحالة الخطيرة لانعدام التوازن في العراق. وفي هذا الصدد، تقع على عاتق الولايات المتحدة التي سبق لها أن غزت العراق مرتين منذ العام 1991، مسؤولية أخلاقية في التوصل إلى حل.
مع ذلك، سوف يقود تكرار القصة القديمة نفسها، نفس السياسة القديمة، فقط إلى إطالة أمد دورة البدايات الزائفة والعنف اللذين أججا لهيب العراق على مدار جيل تقريباً. ومن أجل تلك الغاية، يجب على الرئيس التالي أن ينفصل بقوة عن الحكمة السائدة، بأن يجعل من عملية “أقلمة” العراق بتقسيمه إلى مناطق، حجز زاوية في السياسة الخارجية.
من أجل طرد تنظيم “داعش” من المناطق العراقية التي يحتلها راهناً -حوالي ثلث البلد- يجب أن تتوافر العشائر المحلية على سبب للنهوض ضد الإرهابيين وإلحاق الهزيمة بهم وطردهم في نهاية المطاف. وتستطيع القوات الخاصة الأميركية والاستخبارات ذات القيادة الإقليمية والمعلومات والعمليات النفسية والمساعدة الدبلوماسية أن تسرّع العملية.
كانت هذه الاسراتيجية قد عملت جيداً خلال فترة “الصحوات” في العامين 2008/7 التي أنجبت “أبناء العراق”، المتطوعين السنة المحليين الذين تنظموا في سبع محافظات عراقية لحماية مجتمعاتهم. ويمكن أن يعمل ذلك ثانية إذا تم تقديم وعد صادق للعرب السنة -على أن تتبعه سياسات واضحة وثابتة.
كانت حكومة رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، التي حظيت بالدعم من واشنطن وطهران، قد نكثت بوعودها التي قدمتها لـ”أبناء العراق” بعد نجاحهم في طرد تنظيم القاعدة في العراق من محافظة الأنبار وفي إيقاف المد الطائفي الذي برز بسبب انسحاب القوات الأميركية. وقد ألمحت تلك الوعود إلى درجة أكبر من تقرير المصير، لكن بغداد همشت وقضت على نفس المجموعات التي كانت قد أحرزت الانتصار على تنظيم القاعدة.
إذا ما أريد من العرب السنة تدمير “داعش”، فإنهم يحتاجون إلى الفرصة والوعد وإمكانية التمتع بحكم ذاتي مثل ذلك الذي يتمتع به الأكراد العراقيون منذعقود. ومن شأن قيام دويلة أو دولة -تشكيل جديد في غربي العراق وربما في أجزاء من سورية- أن يكون معقولاً إلى حد كبير.
أولاً، إن هيمنة التطرف الإسلامي مثل “الخلافة” التي فرضها “داعش” ليست شيئاً تريده الجماهير السنية. وتظهر بيانات المسوحات التي كانت قد أجريت على مدار العقد الماضي أن أغلبية السنة هم أكثر علمانية في وجهات نظرهم مقارنة بالشيعة في إيران وتلك الأجزاء في العراق التي تعطي ولاءها السياسي والروحي للنجف.
ثانياً، ما يزال الموضوع رقم واحد بالنسبة للعرب السنة في السنوات الثلاث عشرة الماضية (ومعظم السنوات الخمس الماضية) هو موضوع أمنهم الخاص. وفي مفارقة كبيرة، يعتقد بعض مواطني الموصل بأنهم يشعرون بأنهم أكثر أمناً في ظل “داعش” مقارنة بالوضع الذي كانوا عليه في ظل سيطرة بغداد قبل حزيران (يونيو) 2014، عندما ألقى أكثر من مئة ألف جندي عراقي كانت الولايات المتحدة الأميركية قد دربتهم أسلحتهم وفروا أمام مئات قليلة من مقاتلي “الدولة الإسلامية”. ومع ذلك، فإنهم سيكونون أكثر أمناً مع تقرير مصيرهم بأيديهم، ويعرف الناس في غرب العراق هذه الحقيقة جيداً.
ثالثاً، والأكثر أهمية من منظور إقليمي، هو أن نفوذ إيران غير المألوف خارج حدودها اليوم في هلال جغرافي يمتد إلى البحر الأبيض المتوسط، من الممكن أن يشعل حرباً إقليمية أو عالمية جديدة.
سوف يكون من شأن إقامة منطقة تتمتع بالحكم الذاتي للعرب السنة في غربي العراق، والتي يتقاسمونها مع المسيحيين والأزيديين والأقليات الدينية الأخرى ممن هم سكان أصليون لهذه المناطق منذ قرون، أن يصب في مصالح الجميع باستثناء واحدة من القوى الإقليمية: إيران. وفي الأثناء، تتقاسم تركيا والأردن والسعودية ودول الخليج المصلحة في الاستقرار الإقليمي، كما تحتاج سورية جاراً حليفاً لمواطنيها السنة العلمانيين إذا هي أرادت الاستقرار في نهاية المطاف.
بينما ستقاوم إيران هذه الخطة، سيواجه الرئيس الأميركي خياراً مهماً: هل يصب الخضوع لطموحات إيران في مصالح المنطقة، أم في مصالح الولايات المتحدة؟ وهل كانت صفقة الرئيس أوباما قاصرة عن احتواء توسع قدرة إيران، أم أنها كانت جزءاً من تحول خطير أوسع في السياسة الأميركية، من خلال إقامة تحالف استراتيجي مع نظام يستمر في الدعوة إلى فناء إسرائيل وتحييد الدولة التي ما تزال تصفها بأنها “الشيطان الأكبر”؟
هذه بعض الأسئلة الكبيرة التي تنتظر القائد العام التالي للقوات المسلحة الأميركية. وبالنسبة لهيلاري كلينتون، يعرض هذا الاقتراح نهاية ناجحة لتصويتها المثير للجدل لصالح غزو العراق، وتبرئة لمستشاريها الصقور، ووفاء لخطاب حملتها الانتخابية الذي يزعم أنها ستكون حاسمة في حل المشاكل. وبالنسبة لدونالد ترامب، فإن هذا سيشكل منتهى فن إبرام الصفقة، والذي يظهر من خلاله أنه يستطيع التصرف بشكل مختلف عن المؤسسة المكروهة.
إن القيام بالشيء الصحيح في هذه الحالة لا يتطلب “بناء الدولة” أو “تغيير النظام”. بل يجب على واشنطن -وبالقدر الذي ما يزال يهمنا- أن تعطي اللاعبين الإقليميين الإذن، ببساطة لفعل ما هو عادل وعقلاني.
بذلك، إذا ما أرادت الرئيسة كلينتون أو الرئيس ترامب تجنيب خليفتهما في نهاية المطاف عبئاً مشابهاً لما سيرثون، يجب عليهما الشروع في رؤية العراق كما هو، وليس كما يريدان له أن يكون. ويجب عليهما شكر السيد بايدن على نفاد بصيرته.

 

مارك فيفيل — (مجلة التايم)

ترجمة: عبد الرحمن الحسيني

.

*نشر هذا المقال تحت عنوان: Why the Next President Must Regionalize Iraq

a

 

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً