لمصلحة من يهدر الربيع العربي… بقلم جورج حزبون

2013/02/19
Updated 2013/02/19 at 11:58 مساءً

images

اجتهد كثيرون في تسمية التفاعل الاجتماعي والسياسي العربي ، فمن اطلق عليها ثورات ومن تساوق مع التسميات الاميركية ( ربيع عربي ) وغيرها من تعابير ،دفعت الى نقاشات حول ماهية الثورة كمفهوم ، والانتفاضة كفعل ، والحراك كتعبير، والسبب كان غموض طبيعة واهداف ما هو جار في الوطن العربي ، مع الاتفاق على ان الشعوب العربية لم تعد تقبل بشكل انظمة الحكم القائمة ، في ظل متغيرات كونية عميقة ، ثورة اتصالات ومعلومات ، عولمة اقتصادية للراسمالية اوصلت ازمتها الى كافة زوايا العالم ، تراجعت مستويات المعيشة ، زادت اعداد البطالة ، كل هذا وغيره كان حافزاً للانطلاق، الجماهير ثائرة ترفض واقعها وتسقط انظمة الحكم ، بطريقة من ضاق ذرعاً وانتفض هادراً يضرب في كل اتجاه ليحطم اصنام عبوديته واغلالها .

والغريب في الامر ، ان اكثر انظمة الحكم العربية قمعاً وظلماً ورجعية وديكتاتورية ، هي دول مجلس التعاون الخليجي ، لكن شيء لم يحدث عندها ، باستثناء ما هو قائم في البحرين ولاسباب اقرب الى المذهبية منها الى الديمقراطية ، ومع ذلك كانت تلك الانظمة تقف خلف ذلك التحرك الشعبي الواسع تزوده بالمال والاعلام ،وحتى بالسلاح وحسب مقتضيات الحال، واحتياجات ذلك الحراك الواسع ، ليبيا وسوريا مثلاً ، وان مواقع التفاعل كانت لبلدان اغلبها له سياسة خارجية غير متوافقة خليجياً ولا اميركياً ، ولندع امر اسرائيل جانباً !!
تتشابه هذه الاوضاع الى ما كانت قد انطلقت به الثورة الفرنسية عام 1789 ، ووصلت الى ادارة مذابح داخلية مع انها كانت ترفع شعار ( اخوة ، مساواة ، حرية ) لكنها لم تكن تملك قيادة ، فظهرت التعدديات ، ووصلت الى ان تحرك الجيش واستولى على السلطة واقام نابليون امبراطورية امبريالية قمعت الشعب وتحركت لاستعباد شعوب اخرى خارج فرنسا دون ان تتخلى عن شعار الثورة ؟!وهو واقع يثير عدد من التسائلات عن مدى امكانية استمرار التحركات الشعبية في مصر مثلا ، في غياب قيادة واضحة جماعية موحدة الشعار والهدف امام نهج الاخونة والاسلمة .

والامر قريب عربياً ، مع فارق تحرك الاسلام السياسي والاستيلاء على السلطة ، مما يشابه حركة اليعاقبة في فرنسا ، ومع تراجع مكانة الطبقات الوسطى في الحراك السياسي العربي ، ومع دعم بلدان الخليج الواسع لمجموعات الاسلام السياسي ، فقدت الانتفاضة الثورة زخمها وباتت محبطة فاقدة لطموحها الذي انطلقت له ، مما ادخلها في صراعات داخلية عميقة ليس فقط ما هو جار اليوم في سوريا من حوار بالسلاح ، بل ان ما هو جار في مصر اشد خطورة ، حيث وصل الصراع السياسي والفكري لخلافات بين اطراف الاسلام السياسي ، ورفعت الجماهير شعار ( يسقط حكم المرشد ) وهو ما يذكر بما هو حاصل في ايران ، ومن حراك قيل ان الاصلاحين قادوه قبل عامين لاسقاط حكم المرشد لكنهم فشلوا لاسباب كثيرة ، وهو حال يدفعنا لمشاهدة حالة الاستقطاب التي ارادتها اميركا وحلفائها العرب ، من صراع سني شيعي ، وليكن لكل منهم مرشد ، يدعى في ايران ( ولاية الفقيه ، وفي مصر وغيرها الخليفة ) ، وتغرق المنطقة في صراع يعيدها مئات السنين الى الخلف ان لم يكن الى الصوملة ، او الافغانية .

لم يعد ممكناً الى اي صراع ، خارج الواقع الاقتصادي ـ واذا شئت الطبقي ، مع عدم الرغبة في العودة الى الكلاسيكيات الماركسية ، لكن الازمة الرأسمالية التي انطلقت عام 2007 وامتدت لتشمل العالم ، ذلك العالم الذي  ارتبطت معايره الاقتصادية بالدولار الاميركي ، منذ ان قامت حكومة نيسكون بالغاء الارتباط بالذهب ، لتتم عولمة الاقتصاد العالمي بالدولار وحدة قياس ، وبالتالي تتأثر بما هو جار في عالم ذلك الدولار ، وتحاول اليوم اميركا عبر تلك الشركات الفوق قومية التي افرزها النظام الراسمالي ، باعادة هيكلة الاقتصاد العالمي ، وفك ازمتها المالية ، وتخفيض المديونية الخيالية ، عبر هيمنة على الطاقة التي يفيض بها الشرق الاوسط  واهمية موقعه الجيوسياسي،بالتحالف مع بلدان التعاون الخليجي ،وضرب البلدان القومية التحررية العربية والتي تحرج بلدان الخليج ، وخاصة فطر التي تعد ثالث منتج للغاز بالعالم و اول منتج للغاز ( المسال ) والتي تراكم اليوم اكثر ثروة نفطية عالمية ،حيث بلغ الفئض المالي عام2012 مبلغ137 مليار دولار ، وتتنافس عبر توزيع الغاز مع روسيا ، مما استوجب تحيد او الهاء او تمزيق تلك البلدان ، حتى يتحقق الاستقرار المطلوب لانهاء المكانة السياسية  المطرب بها  الشرق الاوسط (القضية الفلسطينية ) وبذلك تسهل عملية عولمة المنطقة اقتصادياً لاخذ دورها في فك الازمة المالية الرأسمالية ، واعادة صياغة الاقتصاد العالمي جغرافيا وسياسيا وبالذات الشرق الاوسط .

عند وقوع جريمة او ازمة  ما ، يكون السؤال من المستفيد ، فمن المستفيد اليوم من دمار سوريا ، وفوضى ليبيا ونزاعات مصر وتونس واليمن زالسودان ولبنان وغيرها ؟ ثم ما هي طبيعة الخلافات الروسية الاميركية ، فروسيا لم تعد سوفياتية ، بقدر ما هي دولة طامحة لامبراطورية مالية بدعم تغطي تملكه وغاز توزعه ، وتتحكم عبره بدور لها في اوروبا ، وتتطلع للعودة لما كانت عليه في الحقبة العثمانية بل لتواصل ذلك الامتداد والتمدد ، ثم لماذا لم تتدخل اميركا عسكريا بشكل مباشر من ليبيا حتى سوريا ، بل تترك العراق للنفوذ الايراني والتناقص الداخلي وتهتم بنفطه فقط ، وتواصل مد تحالفها مع دول النفط العربي وتدفعها لاخذ مكانة قيادية كانت كانت فاقدة لها ، وفي مقدمتها السعودية التي ظلت طامحة لذلك النفوذ منذ محمد علي.
ان تدمير الوطن العربي ليس له علاقة بالربيع ، بقدر ما له علاقة بعملية منعه من مواصلة ثورة جديدة تصل به الى ما رفعته الجماهير ببساطة مطالبة بالمساوة الاجتماعية والعيش الكريم والديمقراطية ، وهذا ما ارعب المنتفعين من ثورات ومقدرات الشعوب العربية ، وما دفعهم الى تشكيل تحالف كان يسميه جمال عبد الناصر ( التحالف الرجعي العربي مع الاستعمار الجديد ) ، وليست عملية ترويج الاسلمة الوهابية سوى سبيلاً لتعمية وارهاب الثورة وقادتها ( بالحرمان الديني ) على الطريقة المسيحية ، وبحد الحرابة ( اسلامياً ) وبالتالي اعاقة سبيلها وتدمير مستقبلها لتسهيل احتوائها وفك ازمات الكثيرين بعضهم بالطموح السياسي وغيرهم بالطموح المالي ، وليكن بعدهم الطوفان .

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً