ميركل الألمانيين: أمُّ الغالبية.. والموناليزا العابسة

shello
shello 2015/12/29
Updated 2015/12/29 at 10:33 صباحًا

3eeea9e9-0ece-440c-9d9d-48c4180e0ae6
برغم كل المحاولات، تبدو شخصية المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مصنوعة من مادة مضادة للأسطرة. على الأقل صورتها الحيّة، المتحركة. حاول كثيرون ذلك لكنهم فشلوا. لم تنجح أسطرتها استناداً لامتداح أو هجاء سياسي، كما لم تنجح في حال السعي لإشادة تمثال لها فوق ماضيها السياسي والشخصي.
كانت الاسم الأبرز حضوراً في أوروبا، وربما في العالم، لكن ذلك جاء لأنها كانت تتحرك وسط أزمات كانت محط أنظار العالم أجمع. إعلانها شخصية العام، على غلاف مجلة «تايم» الأميركية، كان إحدى تلك المحاولات العابثة لأسطرتها. توسّلت المبالغة لتثبيت صورة أيقونة، لم تكنها يوماً، تحت عنوان «مستشارة العالم الحر». إنها زعيمة بكل معنى الكلمة، لكنها عملية إلى أبعد الحدود. إذا كان وصف إمرأة أوروبا الحديدية صالحاً، فهو متصل إجمالاً بصرامتها في تنفيذ رأي غالبية مواطنيها، من دون تردّد أو تقلبات: ألمانيا تريدني أن أفعل هذا!
ينطبق ذلك على تعاملها مع «أزمة اللاجئين»، كما تسمّيها أوروبا. التدفقات لم تتوقف، رغم كل إجراءات الصدّ، لتسجل المانيا نحو مليون لاجئ العام 2015، رجحت بينهم نسبة السوريين. قيل الكثير عن موقف «أخلاقي ومبدئي»، وقف خلف انتهاج سياسة «الترحيب» والأحضان المفتوحة. لكن مَن يرصد مواقف ميركل، تصريحاتها وقرارات حكومتها، يمكنه تثبيت أنها إما تحرّكت خلف رأي الغالبية أو أمامه.
هذه الخلاصة يؤكدها بعض مَن تابعوا القضية عن قرب. منهم الباحث إيف باسكو، مدير برنامج الهجرة والتنوع في مركز دراسة السياسات الأوروبية، القريب من صناع القرار في بروكسل. يقول لـ «السفير» معلقاً على موقف ميركل من اللجوء: «لقد أمكنها تبني وضع الترحيب المفرط، لأنها في الحقيقة مدفوعة بموقف الغالبية العظمى لمواطنيها الذي يدعمون هذه السياسة».
لم تكن الصورة للمستشارة في محطات القطار، ترحّب وتلوّح للاجئين، بل لجموع من مواطنيها. عَوَّض ذلك الأضرار التي لحقت بصورة برلين بعد موقفها المتشدد من أزمة اليونان. كانت حملة إعلانية ممتازة لصورة بلدٍ تحوّل إلى وجهة إنسانية، الوجهة الأولى التي يَأمَن لها مئات آلاف الفارين من الحروب والمآسي. حتى اتهامات خصومها، المتضررين من تدفقات اللجوء، لعبت لمصلحة تلك الصورة. رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، القومي المتشدّد، انتقدها بالقول إنها تمارس «إمبريالية أخلاقية» على باقي أوروبا.
تلك الصورة الأخلاقية مهمة لبلد لم ينسَ الأوروبيون فظائع حقبته النازية، تلك التي جرت استعادتها حينما ضغطت برلين لقبول اليونان بالتقشف الصارم مقابل الإنقاذ أو الخروج من اليورو. ميركل نفسها لا تزال تضع اعتباراً لذلك الماضي. حينما زارت أحد نُصُب المحرقة اليهودية، كتبت في سجل الزوار: «بما أنك لن تعرف أبداً إن كان الناس سيصيرون بمرور الوقت أكثر معقولية، فيجب أن يبقى النظام السياسي الألماني كما هو». تلك الإشارة تصوب مباشرة على نموذج الديموقراطية الألمانية، الذي لا يسمح بالاستفتاءات العامة، بما هي وسيلة للمشاركة الشعبية المباشرة لصنع القرار.
تعرف ميركل حاجة ألمانيا لليد العاملة، مع تواصل أزمة شيخوخة المجتمع. نصف مليون مهاجر سنوياً يلزمون لسد تلك الثغرة. كما أن المفوضية الأوروبية لفتت، في دراسة مفصلة، إلى أن أثر اللاجئين سيكون إيجابياً في المجمل، ولا مبرر للتخويف المتزايد.
الضغوط الرئيسية على ميركل جاءت من الحزب البافاري، الشقيق لحزبها «الديموقراطيين المسيحيين». أخيراً صارت بعض أصوات حزبها تعترض أيضاً. لكنها لم تتنازل. لم توافق على وضع سقف لقبول اللاجئين، مشددة على أن «حق اللجوء ليس لديه حدّ أقصى»، مواصلة ترديد جملتها الشهيرة «نستطيع إدارة ذلك».
الباحث باسكو يضع الأمر أيضاً في سياق تطبيقها التوجّه الالماني العام، إذ يقول «لا أعتقد أن الحسابات السياسية في هذا الموضوع هي في المستوى الذي يعتقده الناس»، قبل أن يضيف «ربما تكون ميركل الآن في وضع أقل راحة، لكن الدعم بين الألمان للترحيب باللاجئين لا يزال قوياً جداً».
رغم كل الحملات ضدها، تبقى ميركل تتصدّر الاستطلاعات. شخصياً، يدعم قيادتها نحو نصف الالمان. حزبها الأول بفارق كبير. آخر استطلاع أعطاه 38 في المئة، وخلفه الاشتراكيون الديموقراطيون مع 24 في المئة. الحزب اليميني الصاعد حقق مكاسب قليلة، وإن مقلقة، مع ثمانية في المئة.
السير بثقة لتنفيذ «ما يريده الألمان»، كان أيضاً محرك الموقف الألماني حول أزمة اليونان هذا الصيف. غالبية الرأي العام الألماني تعتقد بأن اليونانيين متراخون، ويجب عليهم تحمل تبعات أزمتهم كي يتم إنقاذهم. ميركل تصرّفت على هذا الأساس. الضغوط على اليونان وصلت حدّ التلويح، للمرة الأولى، بإمكانية إخراجها من اليورو، لتختار قيادتها التسوية المؤلمة تحت التهديد الصريح.
وسط كل ذلك، مع اقتصاد قوي بفائض تجاري يصير غيرة نظرائها، تبقى العين الالمانية على المشروع الاستراتيجي: الاتحاد الأوروبي وتقويته.
تستمرّ ميركل بالسير وفق تلك البوصلة. صراع نفوذ مع روسيا، لكنه مضبوط بالمصالح والدفع لتسوية أزمة أوكرانيا. تستخدم الزخم الذي تعطيه الأزمات حينما تتطلب حلولاً جذرية، تضعها تحت عنوان «المزيد من أوروبا»، كما حال حماة مشروع التكتل. تريد آلية حصص دائمة لتوزيع اللاجئين، كما أنها تمضي الآن، مع باريس، لتنفيذ أهم مشروع للتكتل بعد عملة اليورو الموحّدة: تشكيل قوة أوروبية لحراسة الحدود البرية والبحرية.
الرأي العام معها، تحاوره وتخدمه. تحتاج العمل، لا الأساطير، لإقناعه بدعمها لأنها تخدم مصالحه. صورتها الحيّة مشغولة باللحظة السياسية، بما يجب فعله، ما يجعل من الصعب أن تضبطها العدسة في لحظة تضع حولها هالة تنسّك.
ربما يفسّر ذلك خيار محرري المجلة بنشر لوحة زيتية، تعطي تأثيرات الهالة المطلوبة، وليس صورة فوتوغرافية. حتى بعض مَن نجحوا في أخذ لقطات فوتوغرافية لها، تجمع في وجهها معاني مكثفة في أجواء درامية، كان الحظ معينهم.
أحدهم المصور البلجيكي فرانسوا لونوار، مع وكالة «رويترز» في بروكسل. كان ذلك في شتاء 2012، حينما التقط لها صورة ممتازة (الصورة المنشورة). من خلف زجاج باب السيارة المغبّش برذاذ المطر، يُطلّ وجهها بملامح واضحة، لكن مفعمة بالغموض. إنها صورة/ لوحة «عبوس الموناليزا»، فالتحديق فيها يجعل من المتعذّر تقدير درجة العبوس المتبدّلة ومعناه بالتالي. نجاح لونوار جعله يكرر المحاولة لاقتناص صورة مشابهة، في الموقع ذاته، مع مطر وخلف الزجاج، لكنه أخفق في إعادة تلك الصدفة الذهبية.
«فرانس برس»: ميركل الأكثر تأثيراً في 2015
اختارت وكالة «فرانس برس» المستشارة الالمانية انجيلا ميركل باعتبارها الشخصية الاكثر تأثيراً ونفوذاً خلال عام 2015، بفضل دورها المحوري في ازمة الهجرة، وخلال المفاوضات بين اليونان والاتحاد الاوروبي.
وبحسب الوكالة، فقد قام صحافيوها في مختلف انحاء العالم وعلى اختلاف لغاتهم وجنسياتهم وتخصصاتهم، باختيار الشخصيات الابرز والأكثر تأثيراً خلال العام الحالي في مختلف المجالات، فتقدمت ميركل على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي كان اختير الشخصية الأكثر تأثيراً في العام 2014.
ووفق صحافي «فرانس برس»، فإن ابرز الشخصيات الذين كان لهم تأثير قوي خلال 2015، هم، بالإضافة إلى ميركل وبوتين، بابا الفاتيكان، والباريسيون الذين عاشوا هجمات إرهابية دامية خلال العام الحالي، و «خليفة داعش» أبو بكر البغدادي، والمرشح على لائحة الحزب الجمهوري الأميركي للانتخابات الرئاسية دونالد ترامب، ورئيس الوزراء اليوناني ألكسيس تسيبراس ووزير ماليته السابق يانيس فاروفاكيس، ووزيرا خارجية أميركا وإيران جون كيري ومحمد جواد ظريف (أ ف ب)
السفير

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً