نظمه مركز مدار ووزارة الثقافة التأكيد على أهمية دعم الثقافة الفلسطينية في الداخل بخطوات ممؤسسة

shello
shello 2017/09/28
Updated 2017/09/28 at 7:59 صباحًا

الايام – يوسف الشايب:خلص المشاركون في جلسات اليوم الدراسي حول “الثقافة الفلسطينية في الداخل: الواقع الراهن، التحديات، الآفاق”، ونظمه المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار) بالتعاون مع وزارة الثقافة، أمس في المسرح البلدي بدار بلدية رام الله إلى ضرورة مأسسة وتعزيز التعاون الثقافي على مستوى المؤسسات والأفراد بين المثقف والفنان الفلسطيني على طرفي “الخط الأخضر”، وعلى أهمية الخروج بمشاريع ثقافية فنية مشتركة، وبمبادرات ثقافية ومشاريع استراتيجية جمعية، تخضع للمأسسة، ما يساعد على التخطيط الثقافي باتجاه النهوض بالثقافة الفلسطينية في مختلف أماكن الوجود الفلسطيني.
وشدد المشاركون على أن دور مثقفي الداخل في إنتاج هوية وسردية وطنية فلسطينية جامعة كان مُهما، ويتعدى حدود الجغرافية السياسية المتشظية، وفي الوقت نفسه كان هذا الدور مُلهما للفلسطيني أينما وُجد. من هنا ظلّت الثقافة الوطنية بمنزلة الحاضنة المشتركة الأهم للنحن الجمعية، كما بقيت أهم مظلة جامعة فلسطينيا واستمرت الأجزاء في رفدها برغم خصوصياتها، وهو ما يشكل نموذجا يمكن استخدامه لتجاوز الأجزاء وتدعيم الجماعة.
وأكدوا ما يمكن للثقافة ان تلعبه باتجاه أن تكون “أداة توحيد لإنتاج هوية وطنية جامعة تتعالى على المشاريع السياسية للجماعات المختلفة وتلعب دورا في تمكين وتقوية الكينونة الفلسطينية، وهو ما “نصبو إليه من طريق رصد إمكانيات التشبيك من خلال الثقافة بين الأجزاء المختلفة للشعب الفلسطيني في الداخل والشتات وأراضي الضفة الغربية وقطاع غزة”.
وهدف اليوم الدراسي، وفق القائمين عليه، إلى رصد الواقع الثقافي الراهن في الداخل، تعبيراته، أدواته، مميزاته وآفاقه، عبر سلسلة مداخلات ودراسات وشهادات متخصصة توزعت على عدة جلسات، علاوة على متابعة أهم المجالات الثقافية في الداخل ورصد إسهاماتها الأساسية، ورصد وإضاءة الدور الوطني للثقافة ودرس علاقة الواقع الثقافي بالسياق السياسي والاجتماعي، وفحص إمكانيات تحويل الثقافة الى أداة لبناء الكينونة الفلسطينية وتجاوز الانقسامات السياسية والجغرافية.
ووصف وزير الثقافة د. إيهاب بسيسو اليوم الدراسي بـ”فاتحة جديدة” للمزيد من ورش العمل والمؤتمرات التي تأخذ بعين الاعتبار مبدأ التخطيط الثقافي الممنهج والبحث عن آفاق العمل المشترك بين المؤسسات والأفراد من المبدعين والمبدعات في مختلف القطاعات الثقافية، خاصة أن الثقافة تشكل “جزءاً أصيلاً من ذاكرتنا وتراثنا وهويتنا الوطنية، يأتي أيضاً ليؤكد أن الثقافة جزء أصيل أيضاً من مقاومة الاحتلال”.
وشدد بسيسو على أهمية المراكمة على مداخلات ودراسات وأبحاث هذا اليوم الدراسي، باتجاه البحث عن آفاق العمل المشترك من أجل صياغة بيان ثقافي فلسطيني، بالمفهوم الإبداعي، يأخذ بعين الاعتبار “هذا التعدد في العمل الثقافي، لنواجه سياسة الجدران والمعازل التي يبرع فيها الاحتلال، بكل ما تحمله من معان ثقافية وسياسية، بحيث يكون هناك جسم للتواصل بين أبناء الشعب الواحد في المنافي، أو في الضفة الغربية، أو في القدس، أو في قطاع غزة، أو في الداخل”.
وأكد بسيسو: مخطئ كل من يحاول أن يعزل الثقافة الفلسطينية عن عمقها العربي، أو عمقها الإنساني، بل إن من يحاول أن يحاصر الثقافة في جدران من صناعته السياسية هو عنصري بامتياز.
ووجه بسيسو في كلمته بالجلسة الافتتاحية لليوم الدراسي رسالة تضامن مع الفنان الفلسطيني محمد بكري، مستنكراً ما قالته وزيرة الثقافة الإسرائيلية في حقه كونه أكد أن الثقافة الفلسطينية جزء من الثقافة العربية .. وقال: إذا كانت “ميري ريغيف” لا تعرف التاريخ، فعليها أن تقرأ التاريخ جيداً لتعرف أن من يصر على تثبيت حقوقه الوطنية، ومن يصر على مد الجسور بين فلسطين وعمقها العربي، فإنه يمارس فعلاً يندرج في إطار السياق الطبيعي للإبداع، وأن مهاجمته والمطالبة بمحاكمته هي العنصرية.
وأعقب كلمة بسيسو، في الجلسة الافتتاحية التي قدم لها د. أحمد حرب مشدداً على أهمية وخصوصية هذا اليوم الدراسي، وما يؤسس له في المستقبل، عرض فيلم قصير بعنوان “أرق” للمخرج الفلسطيني قاسم خطيب، تضمن إطلالة على الثقافة الفلسطينية في الداخل يحوي لقاء مع مبدعات ومبدعين، خاصة من الجيل الجديد، ويستعرض أهم منتجات السينما وفرق الغناء ودور النشر والعرض والمقاهي الثقافية في العقد الأخير، فيما اختتم بفيلم “استعادة” للمخرج الفلسطيني كمال الجعفري.
الجلسة الأولى
في الجلسة الأولى “الثقافة الفلسطينية في الداخل – تطورها في المراحل المختلفة ومميزاتها ومواضيعها ودورها الوطني وتبدله”، قدم الناقد الأدبي والباحث أنطوان شلحت دراسة حول “الثقافة الفلسطينية صورها ومميزاتها وتحولاتها منذ النكبة: أهم المحطات والمميزات والتحديات”، لافتاً إلى أن “المحطة الزمنية” الراهنة للمشهد الثقافي الفلسطيني في الداخل تتحدد برسم تحولات سياسية واقتصادية/ اجتماعية وتقنية طرأت على هذا المشهد فتركت أثراً في بنيتيه الفكرية والثقافية، وهي تحوّلات مرتبطة بمتغيرات سياسية واقتصادية واجتماعية وتقنية خاصة وعامة في الآن عينه، وأن ثمة تقاطعاً بين الخاص والعام، ينعكس بدوره على الملامح العريضة للمشهد، بقدر ما يساهم في مآلاته.. و”بثقل مواز ثمة تقاطع بين الذاتي وما هو عابر له”.
وشدد شلحت على أن الهوية الوطنية، والثقافة مكون رئيس لها، ووفقاً لتصور الفلسطينيين في الداخل، هي تأكيد لمجتمع أنكر أعداؤه وما زالوا ينكرون مجرّد وجوده في مواجهة جبهيّة شبه يومية، وعلى أن الهوية الوطنية، بالنسبة للفلسطينيين من الداخل، هي بمنزلة المنقذ من الاغتراب في بلد هم أصحابه تاريخياً وتقوم عليه، بصورة عنيفة، دولة (كيان) جردتهم من الوطن وتقصيهم من المواطنة وترفضهم، مع ما يمكن أن يترتب على واقع كهذا من عملية افتراق عن الذات، كما شدد شلحت على أن الهوية الوطنية هي عنوان كفاح للعودة إلى الحياة، متحدثاً عن عدة مراحل يجب التوقف عندها وفق دراسة متأنية تقوم على ثلاثة مستويات: كميّ، وأيديولوجيّ، وجماليّ.
أما د. هنيدة غانم، فقدمت دراسة بعنوان “الثقافة وإنتاج الهوية الوطنية الجمعية بعد النكبة وتحولاتها اللاحقة”، تحدثت فيها بعد تقديم توطئة وخلفية تاريخية عن دور المثقف في الداخل ببناء السردية الفلسطينية، وفي خلق هوية جمعية قومية، متحدثة عن التأثير السلبي الكبير للنكبة وتدمير المدن الفلسطينية الساحلية في العام 1948، ودور شعراء فلسطين في التصدي للنكبة والعمل على إعادة تخليق هوية وطنية فلسطينية، معتبرة النكبة من الناحية الترميزية كـ”السقوط من الفردوس إلى الأرض” على كافة المستويات بما فيها المستوى الثقافي.
الجلسة الثانية
وحملت الجلسة الثانية عنوان “خارطة الإنتاج الثقافي في الداخل خلال العقدين الأخيرين ومميزاتها السيسيولوجيا”، حيث قدمت ثلاث أوراق ومداخلات مهمة، الأولى للباحث والصحافي والكاتب هشام نفاع حول “دور الإنتاج والعرض الثقافي ومراكزها ونمطها (متاحف، دور عرض، معارض فنية أهلية، مسارح، دور سينما، دور نشر.، وغيرها)، والثانية للباحث محمد جبالي حول “الإنتاج الفني: الفنون البصرية”، فيما قدم الصحافي والكاتب علي مواسي دراسة توضيحية حول “الإنتاج الادبي”، و”ضمت رصداً لمنتجات الرواية والشعر والقصة القصيرة والمسرحية وقصيدة النثر وغيرها من الإنتاج الادبي وتحليلاً لأهم مميزاتها وثيماتها ومواضيعها”.
الجلسة الثالثة
وفي الجلسة التي حملت عنوان “السينما والمسرح والموسيقى: واقع وتحديات”، استعرض صالح دباح في دراسة قيّمة لم تخل من تحليل عميق الإنتاج الموسيقي والمسرحي والسينمائي في الداخل الفلسطيني، خاصة في السنوات الأخيرة.
أما الفنان سمير جبران، مؤسس ورئيس “الثلاثي جبران” ذي الشهرة العالمية، فقدم شهادة شخصية مهمة، تناولت مراحل في مشواره الفني، وحكايات شخصية ذات علاقة بالهوية والثقافة، منذ طرد للمرة الأولى حيث كان يخطط لدراسة الموسيقى في مصر، حتى بات يقدم وشقيقيه عروضاً في مختلف دول العالم، مشدداً على أنه حسم أمر الهوية كفلسطيني منذ زمن طويل، وأن هذا الموضوع لم يعد يشغله على الإطلاق، وأن ما يشغله هو تعريف نفسه بأنه “فنان من فلسطين”، وليس “فناناً فلسطينياً”، للخروج من فكرة التعاطف معه كفنان فلسطيني، إلى فكرة الإعجاب بفنه كفنان أولاً، ومن فلسطين بعد ذلك.
الجلسة الرابعة
وتحت عنوان “المدينة الفلسطينية ودورها الثقافي: الواقع والإشكاليات”، قدم د. نديم كركبي دراسة حول “تطور الموسيقى والطبقة الوسطى في حيفا: الواقع والاشكاليات”، تلاه بشار مرقص مدير مسرح خشبة في حيفا بدراسة موسومة بـ”المدينة الفلسطينية في الداخل –هل تشهد طفرة ثقافية؟”، متحدثاً فيها عن حيفا أيضاً، وما تشهده كعاصمة للثقافة الفلسطينية في الداخل من طفرة ثقافية فنية على مختلف المستويات، مستعرضَين العوامل التي جعلت من حيفا تتبوأ هذا الموقع من بين المدن الفلسطينية في الداخل.
الجلسة الختامية
وحملت الجلسة الختامية عنوان “إشكاليات أمام العمل الثقافي في الداخل وأدوات التمكين المتبادل للتغيير”، حيث قدم فيها إياد البرغوثي مدير جمعية الثقافة العربية في الداخل استعراضاً للتحديات أو الحواجز التي يعاني منها العمل الثقافي الفلسطيني في الداخل، وأبرزها الحاجز المادي، خاصة مع ما تفرضه المؤسسات الرسمية الإسرائيلية من اشتراطات تطال مضمون الإنتاجات الثقافية والفنية حال كانت هي الجهة الممولة لها، لا سيما وزارة الثقافة الإسرائيلية، مع قلة التمويل الحكومي الإسرائيلي للثقافة الفلسطينية بالعموم، وثانيها الحاجز الاجتماعي العقائدي المتشدد، وثالثها حاجز التواصل أو الحاجز الجغرافي سواء مع العمق الفلسطيني، أو العربي.
من جانبه شدد خالد عليان، المدير التنفيذي لسرية رام الله الأولى، رئيس مهرجان رام الله للرقص المعاصر، على أنه يمكن المراكمة على ما تم من تعاون وصل حد العمل المشترك في مجال الرقص المعاصر ما بين فرق وراقصين من الضفة الغربية والداخل، وهو ما يمكن تعزيزه وتعميمه في مجالات أخرى، مؤكداً أن هناك آفاقاً واسعة وكبيرة تبشر بمستقبل أفضل للثقافة الفلسطينية في الداخل، وفي الضفة الغربية والكل الفلسطيني، شريطة مأسسة هذه العلاقة التكاملية والتشاركية.
واستعرض د. إيهاب بسيسو وزير الثقافة، في الجلسة الختامية، دور وزارة الثقافة في دعم الثقافة الفلسطينية في الداخل على أكثر من مستوى، كما هو الحال في دعم الثقافة الفلسطينية أينما وجد المبدع الفلسطيني، سواء داخل الوطن أو في المنافي، كما قدم شرحاً حول تحولات الثقافة الفلسطينية تبعاً للتحولات السياسية الفلسطينية، مشدداً على أهمية الانحياز للفعل الثقافي في مواجهة الاحتلال، ومحاولات البعض لاحتكار الثقافة بما يتوافق ورؤيته، مؤكداً ضرورة مواجهة أي محاولات لطمس تطوير القطاع الثقافي الفلسطيني، بالخروج بنهج ثقافي يبني على الماضي، للنهوض في الحاضر، والتخطيط للمستقبل، لافتاً إلى أن دور الوزارة في دعم المثقف الفلسطيني يتجاوز جغرافيا ولايتها الفعلية على الأرض.

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً