هنا المغرب… الكاتب: يونس العموري

2018/12/29
Updated 2018/12/29 at 8:31 صباحًا


هنا المغرب، هنا الرباط الرابضة بلسان عربي قحطاني، هنا وجدت العريقة شقيقة وتوأم القدس، الساكنة عند اطراف الشرق المحاذي لجزائر العزة والشموخ، هنا فاس الموغلة بعمق تاريخها مع ايلياء العتيقة حد التماهي والتلاقي، هنا الشعب البسيط الباسط ذراعيه عند اطراف المحيط الهادر، هنا نصرة فلسطين ظالمة أو مظلومة. هنا يصدح الصوت عاليا دون ملل أو كلل بعد أن خفتت الأصوات، وظلم فلسطين لفلسطين صار الأمر الطبيعي. هنا نستذكر صفحات المجد لمن عبروا، هنا يتألق الوطن ويجتمع الكل بحضرته، ووطن المنفى قد يجمعنا من جديد، والجديد هنا من يقبع في ازقة العتيقة قدس المحبة وصخرة الرب وجلجلة الصلب ومسجى القتل على الاشهاد والصامدين المرابطين في باستيلات التيه، فقد صار للقدس توأمة جديدة بساحات وجدت حيث الحب والعشق الفطري لأرض الأسراء وهم الذين رابطوا بمحذاة بوابة السماء في حيهم الشاهد على مجزرة خفافيش ليل القدس.
في المغرب العظيم تشعر بعظمة القدس وقداستها والمجاهدين في سبيلها لهم الكلام، ولهم الصراخ، والعويل لهم، وصورهم تتألق بهية، والوطن يحاول أن يستجمع مساحته ليكون لهم، والمنفى أرحم، وفلسطين تمارس الشكوى من أمراءها، والنصرة لرجال الأسر القابعين بزنازين الموت مع وقف التنفيذ يتألق ويعلو ويسمو.
في المغرب العظيم اسماء ورواد للكفاح في سبيل تحرير الوطن السليب هناك أعداد كبيرة من المناضلين المغاربة إنضموا لثورة المستحيل ما بعد العام ١٩٦٥ وقد نفذ العديد منهم عمليات فدائية وإستشهد أو أسر الكثير من هؤلاء المناضلين، ومن الفدائيين المغاربة الذين إستشهدوا في عمليات عسكرية، عبد الرحمن اليزيد أمزغار، وإبراهيم الداسر، والحسين بن يحيى الطنجاوي.
وكان للمرأة المغربية دور بارز في مساندة الكفاح الفلسطيني والإنخراط فيه حيث الشقيقتان غيثة وناديا برادلي اللتان وقعتا في الأسر عام ١٩٧١ نتيجة نشاطهما الفدائي مع (م ت ف) وتم الإفراج عنهما في ثمانينيات القرن الماضي بضغط من فرنسا اللتان تحملان جنسيتها. واخر اسرى االحرية العربي المغربي الذي أفرج عنه من سجون الإحتلال الإسرائيلي هو محمد مصدق بن خضرا، وذلك في العام 2008. وما الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني التي لا تقبل الا بالمسيرات والتظاهرات المليونية لإعلان الصوت المغربي الجميل اسنادا للحق والحقيقة.
ومن تلال الأطلس وسواحل المحيط وجبال شاهقة تعانق السماء نتجه صوب الوطن ، وتتوه فيك اسئلة هنا عن معنى الوجود في وطن الاحرار والشهداء وكيف اضحى وطن التكامل مظلوم من ذوات تكاد تبتعد عنه وهي تسكنه ، وانت الشاهد هنا بالمغرب على عشق القصيدة الكامنة في كينونة ارض النخيل وانت الشاهد على قداسة الفلسطيني عند البسطاء في ازقة مدن عريقة ولها من الحكايا الكثير للبوح به ، حكايات صناعة التاريخ والاستقلال وظلم ذوي القربى والبعد والابتعاد والعبور الى الاندلس اخر قلاع المؤامرة والتأمر ما بين امراء الزيف ….
يا سيدي الوطن العظيم تدور فينا الأسئلة ونتوه بمتاهات الحيرة ، سيد المنفى والمنافي ونحن نقبع في ظلك، مللنا الأسئلة الساخرة التي تسبح باسمك ليل نهار، أنت أسوار ممتدة وأقفاص بلا عصافير، ونحن ملهاة نيرون، في مأساة بلد مسجل في بطاقة التموين (بدل عن ضائع)، إسمح لنا ان نعترف بخطايانا ونكتب جنوننا قبل أن يخط الحفاة رماد النسيان فوق صفحات الرمل الأصفر.
تجلس وحيدا على مقهى جميل على ارصفة الدار البيضاء وتناجي قدسك وازقتها وتكتشف كم هي بهية جميلة غارقة باحزانها . حاملا بين ضلوعك همومها وتعويذات جداتنا وفلاحة تقاوم بساطير الجند بازقة عاصمة الكون الألهية … وتغوص بتناقضات اللحظة وتعترف بالعجز وانت تطالع اخبار الوطن الأسير … وتجد نفسك مناجيا قدسك وانت محاولا الابتعاد عن نظرة عشق البسطاء العابرون للشوارع الصاخبة .. فيا سيد الجمع والجميع نعود من حيث البدء والتكوين لتعريف الذات، ومن نكون، وهل من يصرخ باسم المسيح معلنا عمن نكون ومن نكون، ومن يعترف بنا وبخطايانا وبأبجديات كنعان الأولى. نعود الآن لنثبت الذات ونخط أسماء قد كانت لنا منذ أن كنّا ومنذ أن اعتلى أحدهم الجبل متمترسا فوق النخيل ليصدح عن حقيقته وعن حقيقة التكوين والتكوير، بعد أن كان لنا سطوتنا وكان لنا مكان في أتون العزة والفخار وشرف نجوب به كل الأصقاع معلنيين عن الحق والحقوق وعن نصرة امرأة جميلة وحقها بالعيش في كنف العشيق والحبيب، نعود اليوم لنستجدي قوت يومنا وشيئا من فتات موائدهم، ونغرق بتفاصيل رغيف الخبز، ولم يعد يهمنا إن كان مشروطا أو مكسورا. والكل فينا يستجدي والاستجداء من أفعال العصر الجديد بحرفية الباحث عن النجاة والنجدة، وقد يكون لنا في ذلك وجهة وأكثر من تفسير.
يا سيدي الوطن الجميل قد فقدت بريقك وجمالك بعد ان صار لرجالك رجال آخرون ينطقون باسمك، وبعد أن اصبح حرث أرضك بعجول غير عجولك، ونحن نلهو بمعارك البحث عن الذات وإدراك الحقيقة المطلقة، وما من حقائق في ظل ضياع وتلاشي معالم الوجه الجميل.
هنا المغرب نتوه من خلاله بمأساة فلسطين اليوم والذي أصبح ظلمها جزءا من المشهد اليومي لممارسة فعل احتراف الساسة لفعل السياسة الوطنية المحلية، وقد تكون جزءا من أفعال بروتوكلات البحث عن الذات والتعريف بزعماء العصر الجديد.
هنا المغرب الجميل حيث التجربة التي تقف على أعتابها وتحني هامتك، وأنت تعلم وتعرف معنى صناعة النصر ومعادلة الصمود، كيف تكون أولويات أرقامها ودلالات معانيها. هنا تتحقق إرادة نصرة المظلوم.
هنا وجدة راسخة العروبة وناصرة الثوار ومقر قادة ثورة المليون شهيد ، ونقطة ارتكاز قادة الكفاح الثوري النضالي ضد الاستعمار الفرنسي سفير امبرطوريات البغي وقوى الاستكبار ، وجدة الحاضنة بحب لصرخة الاحرار العائدين من ساحات الوغى ، وجدة العاشقة للسان العربي وللناطق الرسمي والشعبي للوجع الفلسطيني المقدسي والصارخ سجل انا عربي ، ينتصب النصب التذكاري لسيد الكلمة محمود درويش في ساحة منتصفة ما بين الرباط والجزائر كمعلقة اولى ، وهي رسالة ذات دلالة من وجدة للكل عبر الجزائر الأقرب الى ساحة الحب والعشق ومن خلالها الى المشرق العربي الغارق بصراعات تفتيت الهوية والانتماء …
هنا تتجلى المقولة بأبهى صورها لفلسطين المظلومة أو الظالمة نحن معها. فلسطين هنا إرادة حياة وبوصلة تؤشر باتجاهاتها كل الطرق، وكل الطرق لا بد أن تؤدي إلى فلسطين. صناعة الوعي هنا فطري واحترافي، وإرادة التحرير ما زالت في قاموس أبناء المغرب وقبائل الصحراء. ولن يكتمل استقلال الاطلس وقممه إلا بإستقلال فلسطين. واعادة بناء حي المغاربة المتاخم لأسوار القدس ، من هنا عبر عبد الكريم الخطابي وعلال الفاسي وبهذه الطرقات كان تجوالهم. وفي يوم ما لا بد أن نستذكر طرقات فلسطين وعبورنا بها ونسمي شوراعها بأسماء روادها بعد أن يكف الجمع عن ظلم فلسطين، وبعد أن يدرك الفلسطيني أن فلسطين دائما على حق.
كم كانت الفلسفة عميقة وجميلة وذات أبعاد استراتيجية حينما يكون الاعلان عن الوقفة مع فلسطين أكانت ظالمة أو مظلومة … و كم كنا بحاجة ونحن نشد الرحال إلى روابي المغرب أن نشحذ همما لنصرة فلسطين ونحن أبناؤها والمقيمون بثناياها … و أن تدرك جماليتها وأن تكون فلسطينيا تتجلى من خلال الشعور بنصرتها ونصرة قضاياها من شعب المغربي الجميل ، وهو الذي يدرك معنى أن تعشق الوطن برغم ظلم الوطن لك، وأن تسمو باسم الوطن …
وكلمة السر للجميع وللوحدة والتوحد وللدعوة والدعاء هي القدس ، هنا الايمان بالرب القدير الواحد القهار ناقص بدون عشق وحب القدس ، والقداسة منقوصة والعبادة مبتورة بدون شد الرحال للقدس وللحج الى بيت الله اذا ما استطعت سبيلا طقوس لابد من إستكمال شعائرها بالقدس … وللقدس حينما تلفظها قشعريرة خاصة تنتاب أبناء المغرب قد يقتربوا منك للتلمس منك وأخذ البركة والمباركة …
يا سادة فلسطين ورجالها، كم كانت فلسطين جميلة من هناك، وكم كانت رائعة صورها، وكم هي مظلومة، وكم نحن بحاجة إلى استيعاب حقيقتها …

Share this Article