وما زال أيلول يرمينا بشرور بقلم :صادق الشافعي

shello
shello 2018/09/29
Updated 2018/09/29 at 7:52 صباحًا

يحمل لنا أيلول في عدد من تواريخ أيامه ذكرى أحداث ومناسبات تركت ندوباً من جروح عميقة في الذاكرة والوجدان.
منها:
في 17 أيلول 1970 كانت الأحداث الدموية في الأردن، وبدون نكء الجراح حول الظروف والأسباب والمسؤوليات، يكفي القول إنها كانت أحداثاً مأساوية بكل المقاييس الوطنية والقومية.
الأهم انه تم تجاوزها وتجاوز آثارها لصالح العيش المشترك والانسجام الوطني ولصالح النضال المشترك القائم والمستمر.
في 18 أيلول 1978 كانت اتفاقات كامب ديفيد التي وقعها الرئيس أنور السادات باسم مصر مع دولة الاحتلال الصهيوني.
كانت الاتفاقات فاتحة الاعتراف بحق دولة الاحتلال بالوجود على ارض الوطن الفلسطيني والقبول بالتعايش معها. وكانت أول واكبر اختراق في زمنه لوحدة الموقف العربي الرافض لهذا الوجود وللتعايش معه. وأحدثت بذلك تأثيرات كبيرة على الوضع العربي وتضامنه، بقدر ما أحدثت من تأثيرات على مصر وأهلها.
في 14 أيلول 1982 كانت مذبحة مخيمي صبرا وشاتيلا.
نفذت المذبحة قوى محلية، بتغطية وتسهيلات من قوات الاحتلال، وبالاستفادة من الفراغ الذي أحدثه خروج قوات المقاومة الفلسطينية من لبنان.
ضحايا المجزرة حسب إحدى الإحصائيات تجاوز 3500 شهيد، كلهم من المدنيين الأبرياء العزل رجال ونساء وأطفال.
المجتمع الدولي لم يحاسب ولم يتخذ اي إجراء عقابي.
في 13 أيلول 1993، كان توقيع اتفاق أوسلو.
ايضا قدم هذا الاتفاق المساومة التاريخية الفلسطينية بالاعتراف بدولة الاحتلال والاستعداد للتعايش معها، وعمّق الخلاف الوطني الفلسطيني.
ما زال الجدل الخلافي حول الاتفاق قائما ومستمرا، خصوصا وان دولة الاحتلال استفادت من الخلل في توازن القوى المحلي والدولي لصالحها، ومن ثغرات ونواقص في نص الاتفاق فتنكّرت لأي بند او التزام في الاتفاق لصالح الفلسطينيين وصولا لإلغائه من أساسه وقتل رئيس وزرائها الذي ابرمه. وواصلت تأكيد رفضها الاعتراف للشعب الفلسطيني بأي حق من حقوقه التي تقرها الشرائع الدولية، وكرست احتلالها وتغولت في نهبها للأرض واستيطانها وفي كل ممارساتها العنصرية والقمعية،
وأيضا في 28 أيلول 1961 كان انقلاب الانفصال وانتهاء تجربة الوحدة بين مصر وسورية، وانتهت بذلك اول تجربة لوحدة عربية منذ أيام الأمويين، وتحطمت بانتهائها آمال وأشواق الجماهير العربية.
وفي نفس يوم 28 أيلول سنة 1970 مات الرئيس جمال عبد الناصر القائد العربي القومي الذي كان يحظى بتأييد والتفاف الأغلبية الساحقة من الجماهير العربية وبتطلعها المستبشر الى دوره في تحقيق نهضة الأمة العربية على كل المستويات.
ويأبى أيلول هذا العام ان ينصرف قبل ان يرمينا بشرور :
– شر التوسع الاستيطاني الاحتلالي غير المسبوق، شر قانون القومية الذي اقره كنيست دولة الاحتلال، شر قرار هدم الخان الأحمر والإصرار على تنفيذه، إضافة الى شرور القتل والاعتقال اليومية وبوتائر وأعداد غير مسبوقة.
– يضاف لها الشرور الكثيرة القادمة من الرئيس الأميركي وإدارته المنحازة الى دولة الاحتلال بشكل استثنائي وغير مسبوق:
وقف المساعدات، الحرب على الأونروا لشطب مبدأ حق العودة، إغلاق مكتب مفوضية منظمة التحرير.
وسبقها قبل أيلول شّر نقل السفارة الأميركية الى القدس واعتبارها العاصمة لدولة الاحتلال، وسيلحقها بعد أيلول إطلاق صفقة القرن المدمرة.
لكن الشر الأخطر الذي يتركه لنا أيلول هذا العام، يبقى شر الانقسام الداخلي.
فالانقسام يستمر ويتجذر بشكل غير مسبوق، ويتخذ أبعادا وتعبيرات لم يصلها من قبل، ما ينذر بان امكانيات واحتمالات انهائه واستعادة وحدتنا الوطنية تدق ابواب المحال.
في جديد الانقسام، يأتي مسلك احد الطرفين الأساسيين فيه المصرّ على التوصل الى اتفاق تهدئة مع العدو المحتل منفردا، وبتعارض يصل حد التصادم مع الشرعية الوطنية الرافضة لهذا المسلك. (مع التأكيد ان مثل هذا الامر هو شأن وطني ومن اختصاص الشرعية بامتياز). خصوصا وان هذا الاتفاق المنفرد للتهدئة – لو حصل- سيكون له ما بعده الكثير من المخاطر على وحدة الموقف الوطني ووحدة تمثيله، وعلى استغلاله – ولو على غير ارادة – في مسار حل سياسي مدمر للقضية الوطنية.
وفي جديد الانقسام أيضا، تشكيك من نفس الطرف بالشرعية الوطنية الفلسطينية يصل حدّ عدم الاعتراف بها وبتمثيلها. خصوصا وان التشكيك يحصل في مناسبة مخاطبة رئيس الشرعية للعالم من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة دفاعا عن القضية الوطنية وكشفاً لما يتعرض له أهلها وارضها من اعتداءات ومن سلب واستيلاء بمخالفة لكل الشرائع والقرارات الدولية، وإعلانا في نفس الوقت لمطالبها العادلة من المجتمع الدولي.
يصدر هذا التشكيك عن أكثر من مسؤول في هذا الطرف او ناطق رسمي باسمه. لكن اللافت ان الرد على حملة التشكيك جاء من أغلبية دول العالم عندما انتخبت فلسطين ورئيسها بالإجماع لرئاسة مجموعة الـ 77 والصين.
ما يزيد من أذى هذا الشرّ ان جديده يركب فوق قديم كثير لا يقل شراً وتعقيداً. وما يزيده اكثر، ان قديم الانقسام كما جديده يرمي بكل ثقله على أبدان وأرزاق وحريات وتطلعات وآمال ومقومات العيش الكريم للأهل القابضين على الجمر والمتمسكين بالوطن والمناضلين من اجل تحريره.

Share this Article